بدأت أنقرة مفاوضات جديدة مع واشنطن حول تسيير طلعات جوية مشتركة لطائرات من طراز «إف 15 سي» الأميركية من قاعدة إنجرلك الجوية من أجل مراقبة وحماية الحدود التركية – السورية في المنطقة الممتدة على مسافة 100 كيلومتر تقريباً بين إعزاز وجرابلس، وذلك بضغط أميركي تجدد من خلال تصريحات وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر في شأن «ضرورة قيام تركيا بجهد أكبر لمنع تسلل عناصر داعش من وإلى سورية». ولا يبدو أن الوعد التركي بإقامة جدار بارتفاع 4 أمتار على طول تلك المسافة والذي يفترض أن ينتهي العمل به في الصيف المقبل، يرضي تماماً واشنطن المستعجلة على إغلاق تلك المنطقة، خصوصاً مع إصرار الرئيس رجب طيب أردوغان على طلب إنشاء «منطقة آمنة» داخل الحدود السورية هناك، حتى لو كلف ذلك دخول قوات تركية على الارض. وحتى الآن تعتبر تلك المنطقة الحدودية المعبر الأساسي لـ «داعش» الى تركيا، كما أنها معبر مهم لمواد الاغاثة والدعم اللوجستي والعسكري لمجموعات المعارضة السورية التي تدعمها من قبل تركيا، وإغلاق تلك الحدود في شكل نهائي سيعرقل وصول تلك المساعدات، ويحصر التواصل التركي بمجموعات المعارضة في حلب وإدلب من طريق باب الهوى في انطاكيا فقط.
كما تبدو أنقرة قلقة جداً من تمدد الأكراد في تلك المنطقة على طول الحدود السورية التركية من الحسكة شرقاً الى عفرين غرباً، ما سيتسبب في عزل تركيا جغرافياً وديموغرافياً، مع استمرار الاتهامات لقوات الحماية الكردية بتغيير ديموغرافية المناطق التي تسيطر عليها في شمال سورية وسعيها الى إعلان منطقة حكم ذاتي للأكراد على طول الحدود السورية – التركية.
وتبدو قضية الجدار في اعزاز مرتبطة أيضاً بإصرار أنقرة على التواجد عسكرياً في مخيم بعشيقة في شمال العراق، قرب الموصل، مع تواصل قوي مع العرب السنّة هناك، والحليف الكردي مسعود بارزاني.
في المقابل حذر نواب أكراد في البرلمان التركي من أن استمرار «عداء» أنقرة لأكراد سورية سينعكس سلباً على القضية الكردية داخل تركيا، ودعوا الحكومة التركية الى اعتماد استراتيجية تقوم على «تحالف المصالح المشتركة» والابتعاد عن أي تحالفات طائفية أو دينية، على اعتبار أن التعاون بين تركيا وأكراد سورية سيوفر عليها بناء الجدار الاسمنتي على الحدود.
من جهة اخرى، قالت وزارة الدفاع الروسية امس إن إحدى سفنها الحربية وهي المدمرة «سميتليفي» أطلقت أعيرة تحذيرية على سفينة تركية في بحر إيجه لتفادي الاصطدام بها، وقالت إنها استدعت الملحق العسكري التركي لمناقشة الحادث. وذكرت وكالة «انترفاكس» للأنباء أن السفينة التركية لم تستجب لتحذيرات سابقة لكنها غيرت مسارها بعد إطلاق الأعيرة التحذيرية قبل أن تمر على مسافة 500 متر من السفينة الروسية.
تلامذة بين عشرات القتلى في قصف غوطتي دمشق
تعرضت الغوطتان الشرقية والغربية لدمشق لقصف عنيف رجحت معلومات مشاركة مقاتلات روسية فيه، ما أدى إلى مقتل وجرح عشرات المدنيين بينهم تلاميذ مدرسة لدى قصف مدينة دوما معقل «جيش الإسلام»، في وقت تمسكت موسكو برفض وجود ممثلين لـ «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» في الوفد المفاوض الذي سيواجه ممثلي النظام في محادثات جنيف المنتظرة بداية الشهر المقبل. ويتوقع ان يكون تشكيل الوفد المعارض وقائمة «التنظيمات الإرهابية» بين المواضيع الرئيسية في محادثات وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع الرئيس فلاديمير بوتين غداً بعد اجتماع وزراء خارجية «النواة الصلبة» لمجموعة «أصدقاء سورية» في باريس اليوم.
وأعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أمس أن 28 مدنياً على الأقل قتلوا، بينهم طفلان، وأُصيب عشرات بجروح في قصف لقوات النظام بصواريخ أرض – أرض على مدينتي دوما وسقبا في الغوطة الشرقية لدمشق. واستهدفت إحدى الغارات الجوية محيط مدرسة في دوما بعد تظاهرة رفع فيها تلامذة لافتات ضد القصف والحصار من قوات النظام. كما نفذت طائرات حربية المزيد من الغارات على مناطق في بلدات حمورية وجسرين وكفربطنا في الغوطة الشرقية، ما أسفر عن سقوط جرحى، في تكثيف للقصف على الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق. ولم يتم التأكد من مصدر القصف ما اذا كان من النظام او من طائرات روسية.
وفي غرب العاصمة، ألقت مروحيات النظام 34 «برميلاً متفجراً» على مدينة داريا ما ادى الى مقتل خمسة مدنيين، في وقت قتل ثمانية على الأقل بينهم طفل وجرح 35 نتيجة سقوط حوالى خمسين قذيفة على مناطق في دمشق وضواحيها، وفق «المرصد».
سياسياً، يعقد وزراء خارجية عشر دول من «اصدقاء سورية» اجتماعاً في باريس اليوم لتنسيق مواقفهم قبل اللقاء المقبل لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» في 17 الشهر الجاري. ويتوجه وزير الخارجية الأميركي جون كيري من العاصمة الفرنسية الى روسيا للقاء بوتين للوصول الى اتفاق على عقد مؤتمر «المجموعة الدولية» في نيويورك في 17 الشهر وإصدار قرار دولي في اليوم التالي، يتضمن التفاهمات بين الدول المشاركة إزاء حل الأزمة السورية.
ووفق المعلومات المتوافرة لـ «الحياة»، فإن الخلافات بقيت قائمة بين مساعدي وزيري الخارجية الأميركي أن بترسون والروسي غينادي غاتيلوف في اجتماع جنيف قبل يومين، اذ إن موسكو ترى أن مؤتمر الرياض لم يكن تمثيلياً بما يكفي ولم يضم جميع أطياف المعارضة السورية «وفق ما هو متفق عليه»، إضافة إلى أن الهيئة العليا للمعارضة التي ضمت ٣٤ عضواً بينهم ١١ من الفصائل المقاتلة، شملت «إرهابيين».
في المقابل، تعتبر واشنطن وحلفاؤها ان مؤتمر الرياض كان ناجحاً وضم تمثيلاً واسعاً سياسياً وقومياً ودينياً ومذهبياً، اضافة الى ان الهيئة العامة للمؤتمر ستنتخب وفداً تفاوضياً من 15 شخصاً استعداداً لمفاوضات «جنيف – 3» بداية العام المقبل. وقالت مصادر ان موسكو طلبت من المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا تشكيل وفد المعارضة من ممثلي مؤتمر الرياض وآخرين، مشيرة الى ان محادثات كيري مع بوتين ترمي الى حل هذه «العقد».