تغير الابتكارات الجديدة في تقنية المعلومات، عوالم الاجتماع والاقتصاد والأعمال والقانون وتعيد رسم خرائطها في شكل مستمر. ومن المتوقع أن تزداد البيانات التي يخزّنها الأفراد والشركات والحكومات بنسبة 600 في المئة بحلول عام 2020. كما سيحدث تطوّر كبير في الحاسبات والهواتف الذكيّة.
ويتوقع أن يصل عدد الأشياء المتّصلة بالإنترنت إلى قرابة تريليون مُكوّن، ما يولّد عوائد بقرابة 36 تريليون دولار بحلول العام 2020. ويُطلق على تلك المشهديّة اسم «إنترنت الأشياء» Internet of Things، وهي مرحلة التطوّر الراهن في مسار الشبكة العنكبوتيّة.
ومن المكوّنات التي يتزايد ارتباطها مع «إنترنت الأشياء»، هنالك الحواسيب النانويّة Nano Computers والروبوتات والسيارات الذاتيّة القيادة، والأجيال الذكيّة من الثلاجات والتلفزيون والنظارة والخاتم والساعة والإسوار الصحي وغيرها، إذ زاد إنتاج الروبوتات بنسبة كبيرة بين عامي 2009 و2011، مع توقع أن تصل نسبتها إلى 12 في المئة من القوى العاملة عالميّاً.
وفي وقت قريب، ستظهر مناطق تجارية كاملة لبيع الأنواع الذكيّة من السيارات والثلاجات، إضافة إلى الروبوتات والكومبيوترات غير التقليديّة. يضاف إلى ذلك، الطفرة العلميّة والصناعيّة والتجاريّة التي يتوقع أن ترافق التقدّم في الحوسبة البيولوجيّة Bio Computing ونظيرتها الكموميّة Quantum Computing وغيرها.
وأشار بعض فلاسفة العلم والمهتمين بالعلاقة بين التعليم والتطوّر التقني إلى أن المجتمعات باتت تجهز طلابها لوظائف ومهمات لم تظهر بعد. كما أنهم يعدونهم لاستخدام تقنيات لم تنتج بعد، وتدربهم على حل مشاكل لم تواجهها حتى الآن. ويتوقّع هؤلاء أيضاً أن يعمل كثيرون من خريجي الجامعات في مؤسّسات افتراضيّة لا ترتبط بموقع أو مقر معين. ويتناسب ذلك النوع من المؤسّسات مع أعمال كثيرة كالاستشارات والمحاماة والصحافة والنشر والصحة النفسيّة والعمل الخيري وغيرها من الأعمال التي تتطلب وجود فريق عمل منسّق. كما ستكون بيئة الأعمال موزّعة وعالميّة. يضاف إلى ذلك أن دور القيادة في تلك المؤسّسات يكون محدوداً، فيما يكون فريق العمل متنوعاً وغير متجانس في الثقافة واللغة والقيم والأعراف والقوانين.
وعلى غرار ذلك، يجري تجهيز الطلاب لصناعة منتجات وتقديم خدمات لم تظهر بعد، أو أنهم لن يتدرّبوا عليها أثناء الدراسة.
تخصّصات جديدة
هناك نمو كبير في الإقبال على تخصّصات مرتبطة بتقنيّات المعلوماتيّة والاتّصالات المتطوّرة. إذ انتشر تخصّص تصميم ألعاب الحاسوب Computer Games في قرابة 200 جامعة أميركيّة مرموقة. ويتوقع أن يصل حجم تلك الصناعة إلى قرابة 82 بليون دولار بحلول عام 2017.
ومن التخصّصات التي زاد الطلب عليها، يبرز أمن الفضاء الإلكتروني («سايبر سيكيوريتي» Cyber Security). إذ أصبح من الشائع أن تجنّد الدول آلاف القراصنة واختصاصيّي أمن المعلومات ضمن ما يعرف بـ»الجيوش الإلكترونيّة» بهدف حماية البنية الإلكترونية للدولة من هجمات قراصنة الكومبيوتر والمجموعات التابعة لدول معادية. وتوجد تلك الجيوش في إسرائيل وإيران والصين والولايات المتحدة وباكستان والهند وإندونيسيا. ومثلاً، جنّدت وزارة الدفاع الأميركيّة ما يزيد على 4 آلاف متخصّص في عمليات المعلوماتيّة بين عامي 2012 و2014.
وتعرض الجامعات الأميركيّة قرابة 75 برنامجاً تعليمياً يعطى شهادة في تخصص جديد يسمى «حماية الوطن» Homeland security لتلبية حاجة الولايات المتحدة من الخبراء في المجال عينه.
كما يتوقع أن تحتاج السوق إلى 4.4 مليون متخصص في «علم البيانات» Data Science . وعلى نحو مماثل، ستحتاج السوق إلى قرابة 3 ملايين متخصص في هندسة الإنسان الآلي والذكاء الاصطناعي بحلول عام 2020. وتجذب الأفرع المتنوّعة في تقنيات المعلوماتيّة المتّصلة بالخدمات الطبية («بيو أنفورماتكس» Bioinformatics) الأجيال الشابة، وصارت تدرّس في 55 جامعة أميركيّة.
كيف تستعد جامعاتنا؟
كذلك زاد الطلب على خريجي تخصصات جديدة مرتبطة بتقنية المعلومات كعلم المقاييس الحيوية Biometrics وعلم تحليل الأعمال، ونظم معلومات الأعمال، ونظم معلومات التمريض، ونظم معلومات السلوك، ونظم معلومات التربية الرياضية Sports Informatics، ونظم المعلومات المحاسبيّة، ونظم المعلومات الصحية، ونظم المعلومات الاجتماعيّة ونظم معلومات سلسلة التوريد وإدارة الابتكار. وهكذا تربعت تقنية المعلومات على عرش العلوم وتوجت ملكة وخادمة كل العلوم.
من الملاحظ أن التطوّر السريع في تقنية المعلومات وما ستقدمه من منتجات وخدمات جديدة، يبرز الحاجة إلى إعادة تشكيل البرامج التعليمية وتطويرها وتجديدها بصورة مستمرة. ويفترض أن يجري ذلك بصورة تتناسب مع ظروف البلدان المختلفة، وحاجات أسواقها المحليّة، والتوقعات الخاصة بالتغيرات التكنولوجية وتأثيرها في سوق العمل والمؤسّسات وغيرها. واستطراداً، يفترض بالجامعات العربيّة عموماً تبنّي استراتيجيات مرنة وقابلة للتأقلم السريع مع التغيّرات والطفرات التكنولوجيّة المتوقعة. وينطبق ذلك على التخصّصات العلميّة التي تعرضها تلك الجامعات أو المواد المطلوبة في كل تخصّص، إضافة إلى طرق التدريس وأهداف التعلّم وطُرُق قياس مخرجاته.
ومثلاً، بدأت مجموعة كبيرة من برامج تدريس علوم الحاسوب ونظم المعلوماتيّة، في تدريس نظام التشغيل «آندرويد» Android جنباً إلى جنب مع نظام التشغيل «لينوكس» Linux الذي يدرس في الجامعات منذ عقود. ويعمل النظامان كلاهما بطريقة المصدر المفتوح («أوبن سورس» Open Source).
كذلك ظهرت اقتراحات في شأن تكثيف استخدام تقنية المعلومات بأنواعها المختلفة في التعليم الجامعي في الدول العربيّة، بهدف تسليح طلاب التخصّصات التقليدية بمهارات الحاسوب والإنترنت. واستطراداً، يفترض أن يمهّد لذلك الأمر بتدريس مساق تعليمي في الحساب واللغة الإنكليزيّة بوصفها لوازم عامة تعين على اكتساب مهارات الحاسوب بالنسبة للمنخرطين في تخصّصات غير حاسوبيّة.