الألم … كاشف المرض ومنقذ الأرواح

عتبر الألم أهم عارض يعاني منه البشر، وهو ظاهرة منتشرة كثيراً في حياتنا اليومية، والسبب الأول الذي يدفع إلى طلب المشورة الطبية.

ويعرف الألم من الناحية البيولوجية بأنه عبارة عن انعكاسات ما تنقله الأعصاب المنتشرة في الجسم من أماكن الإصابة، على شكل نبضات أو إشارات استغاثة ترسل إلى مراكز الحس والتحكم اللاإرادية في المخ، الذي بدوره يعيدها موعزاً بأوامره إلى كل الأجهزة الحيوية المعنية لإعانة العضو المصاب بما يتلاءم مع إصابته أو مرضه بهدف إسعافه.

والألم عارض بغيض، قد يكون بسيطاً يرحل بسرعة أو بعد فترة وجيزة، لكنه في حالات أخرى قد يكون شديداً ومزمناً.

إعلان

وينجم الألم عن عوامل تعمل على تحفيز الأعصاب التي تقوم بدورها بنقل المعلومات المتعلقة به إلى المخ. وقد يكون الألم متموضعاً في منطقة محددة أو منتشراً يشمل مناطق عدة في البطن. في السطور الآتية عرض لبعض أنواع الألم الشهيرة، وكيفية التصرف معها:

1- ألم الصدر. إن أول شيء تتجه إليه الأنظار عند حدوث هذا النوع من الألم هو القلب، وهذا أمر جيد، مع أن هذا الأخير قد يكون مصدر الوجع، وقد لا يكون له، لا ناقة ولا جمل في هذا الموضوع. وفي كل حال، إن كل ألم في الصدر يجب أخذه على محمل الجد، والعمل على وجه السرعة من أجل نفي وجود أزمة قلبية لتفادي الوقوع في المحظور، أي التعرض إلى مضاعفات يمكن أن تؤثر في جودة الحياة.

متى يجب مراجعة الطبيب؟

ينصح باستشارة الطبيب في الحالات الآتية:

– إذا استمر الألم أكثر من 20 دقيقة.

– إذا كان الألم يشبه حس الضغط أو الثقل ويتمركز في وسط الصدر.

– إذا امتد إلى الكتفين أو اليدين أو العنق أو الفك أو الظهر.

– إذا ترافق مع العلامات الآتية: التعرق، ضيق في التنفس، التقيؤ، الشعور بالتعب، وتسارع أو خلل في ضربات القلب.

– إذا ظهر الألم عند الجهد أو الانفعال.

2- ألم الظهر. تفيد الإحصاءات والاستبيانات بأن ثلاثة أرباع البشر يعانون من ألم الظهر خلال مسيرة حياتهم. وفي البلدان الغربية يعتبر ألم الظهر السبب الأول للتغيب عن العمل بعذر مرضي. ففي بريطانيا هناك حوالى مليوني استشارة طبية سنوياً نتيجة ألم الظهر، ما يؤدي إلى خسارة 50 مليون يوم عمل. وفي الولايات المتحدة، يؤدي ألم الظهر إلى خسائر كبيرة، فالكلفة الإجمالية تصل إلى 30 بليون دولار سنوياً.

وألم الظهر يكون حاداً يداهم ضحيته على حين غرّة، ويستمر عادة من بضعة أيام إلى بضعة أسابيع، أما إذا استمر الألم أكثر من شهر فعندها يصبح مزمناً.

وينتج ألم الظهر عادة من أي مكان في العمود الفقري، إلا أن أسفل هذا العمود هو المصدر الأكبر للألم. ومما لا شك فيه أن الوضعيات الخاطئة أثناء النوم أو الجلوس أو الوقوف، وكذلك بعض المهن الشاقة التي تستدعي حمل الأوزان الثقيلة، تلعب دوراً مهماً في إشعال فتيل ألم الظهر. ويجدر التنويه هنا إلى أن ألم الظهر قد يكون ناتجاً من مواضع لا علاقة لها البتة بالعمود الفقري، مثل التهاب المرارة، والتهاب المسالك البولية، والتهاب البانكرياس، والحصيات الكلوية، كما أن كثيراً من حالات ألم الظهر المزمنة لا يمكن معرفة أصلها ولا فصلها على رغم إجراء كل التحريات.

متى يجب مراجعة الطبيب؟

إن غالبية آلام الظهر تتلاشى من تلقاء ذاتها، وقد يستغرق رحيلها بعض الوقت. وفي شكل عام تؤدي الراحة لبضعة أيام، وتناول المسكنات الى وضع حد لهذه الشكوى. ومتى ركن الألم يجب العودة إلى ممارسة الحياة اليومية تدريجاً مع ضرورة الحذر من الأعمال المجهدة.

إن ألم الظهر الخفيف والذي في طريقه إلى التحسن لا يستدعي الاستشارة الطبية. في المقابل، يجب التوجه إلى عيادة الطبيب في الحالات الآتية:

– إذا استمر الألم لأكثر من ثلاثة أيام من دون تحسن.

– إذا لم تعط الراحة والمسكنات النتيجة المنتظرة منها.

– إذا كان ألم الظهر شديداً لا يطاق.

– إذا زاد عند الاستلقاء أو الراحة.

– إذا كان يمنع من النوم.

– إذا كان ناتجاً من إصابة خطيرة.

– إذا تلازم مع الخدر أو انعدام الإحساس في الأطراف.

– إذا ترافق مع عدم القدرة على السيطرة على التبول أو الخروج.

3- ألم البطن. هناك أسباب كثيرة ومتنوعة تقود إلى حدوث هذا الألم، وقد يكون ألماً بسيطاً أو شديداً أو متقطعاً (المغص). إن الألم الناتج من الأعضاء المجوفة، مثل الأمعاء والمرارة، يكون متقطعاً، أما الألم الناجم عن الأعضاء القاسية، كالكبد والطحال والكلية، فيميل إلى أن يكون مستمراً. ويتموضع الألم في زاوية محددة معروفة، أو قد يشمل كل أنحاء البطن. وفي وجه عام، فإن الألم الذي يشمل كل أنحاء البطن هو ألم لا يدعو عادة إلى القلق وكثيراً ما يذهب وحده. أما الألم الذي يستوطن في بقعة معينة، فيجب الاهتمام به عن كثب لأنه غالباً ما يخفي وراءه ظرفاً ساخناً، مثل التهاب الزائدة أو التهاب الرتوج أو كيسة في المبيض وغيرها.

متى يجب مراجعة الطبيب؟

ينصح بالاستشارة الطبية في الحالات الآتية:

– إذا استمر الألم أكثر من 24 ساعة من دون بوادر تحسن.

– إذا ترافق مع الغثيان والتقيؤات أو الإسهال.

– إذا تلازم مع نزف الدم.

– إذا ترافق مع رض قوي على البطن.

– إذا ترافق مع ارتفاع حرارة الجسم.

– إذا أتى الألم في شكل مباغت ولم يبارح صاحبه.

– إذا تفاقم بالسعال أو بالحركة.

– إذا ترافق مع حدوث الإغماء أو مع حس الثقل في الصدر.

– ألم الدورة الشهرية، وهو ينتج من تقلصات عنيفة في أسـفل البـطن والظـهر أثناء مجيء العادة الشهرية. ويعتبر هذا الألم من بين أهم الأسباب التي تدفع النساء إلى طلب المشورة الطبية.

ويكون ألم الدورة الشهرية معتدلاً يمكن تحمّله الى حد ما، أو قد يكون قاسياً شديداً يقود بالمصابات به إلى التزام الفراش، خصوصاً عندما يترافق مع زوبعة من العوارض المنغصة، مثل الصداع، والغثيان، والدوخة، والإسهال أو الإمساك، والإغماء.

متى يستشار الطبيب؟

يستشار في الحالات الآتية:

– إذا كان ألم الدورة شديداً يتعارض مع النشاط الطبيعي للمرأة.

– إذا قاد إلى الدخول في مستنقع الاكتئاب أو إلى الميل الى العزلة.

– إذا ترافق مع العقم عند النساء المتزوجات.

– إذا ترافق مع نزف دموي غزير.

في المختصر، إن الألم هو شعور يحدث في الجملة العصبية، وقد يأتي ويغيب، أو قد يبقى ثابتاً، وهو عموماً يشير إلى أن شيئاً ما في الجسم لا يسير على ما يرام، وأن من الضروري تدبير هذا الألم على نحو كاف قبل أن يسبب مضاعفات لا لزوم لها. ولحسن الحظ، فإن هناك طرقاً عدة للعلاج تعتمد إلى حد كبير على معرفة سبب الألم.

وسيلة دفاع

تعرّف منظمة الصحة العالمية الألم بأنه شعور غير لطيف يحس به المريض بالقوة التي يشعر بها وفي الوقت الذي يشعر به. وطبقاً لسلم الألم الذي حددته المنظمة هناك نوعان من الألم: الخفيف الذي يستجيب للعلاج بالمسكنات العادية غير الأفيونية. والألم القوي الذي يستجيب للأدوية المشابهة للأفيون بجرعات عالية.

ولا تجب الاستهانة بالألم كونه يشكل إشارة رئيسة ومهمة للكثير من الحالات المرضية البسيطة منها أو الخطيرة، لا بل القاتلة أحياناً. لكن، في المقابل يمكن القول إن الألم نعمة فهو يشكل أحد أهم وسائل الدفاع في الجسم لأنه يحذر من الإصابة بالمرض.

والألم شعور شخصي وإحساس غير ملموس، من هنا صعوبة قياسه، ومع ذلك وضع الأطباء مقياساً للألم يسمح للمريض بتقدير ألمه من صفر إلى عشرة، فالرقم صفر يعني عدم وجود الألم، في حين أن الرقم عشرة يعني أعلى درجة الألم. ولعل من حسنات هذا المقياس أنه يتيح للمختصين بالرعاية الصحية متابعة التغيرات الطارئة على ألم المريض، والسماح بتقويم فعالية مسكنات الألم التي يعطيها الطبيب للمريض.

doctor.anwar@hotmail.com

+ -
.