بعد أن حقّق أحلاماً راودت العلماء طويلاً، بداية من الكومبيوتر ومروراً بالروبوت، أطلق الذكاء الاصطناعي حلماً آخر. «في منتصف القرن 21، يفوز فريق من الروبوتات المؤتمتة كليّاً على حامل كأس العالم لكرة القدم، في مباراة تجري وفق قواعد الـ«فيفا» ونظمها». بهذه الكلمات ارتسم حلم مشروع «روبوكاب» Robocup عند انطلاقته في الربع الأخير من تسعينات القرن العشرين.
بدأ الحلم الروبوتي يتحقّق في عام 1997، التي يصحّ أن تؤشّر بحجر أبيض ضخم في تاريخ تطوّر الروبوت والذكاء الاصطناعي.
وبعد جهود مديدة، استطاع الذكاء الاصطناعي التفوّق على البشر في الشطرنج، عبر تفوّق الكومبيوتر «ديب بلو» Deep Blue على بطل الشطرنج الأسطورة الروسي غاري كاسباروف، بعد مباراة أذهلت العالم في عام 1997. في تلك السنة عينها، مشى الروبوت على سطح المريخ، محرزاً قصب السبق على الجنس البشري، بل محقّقاً هدفاً صعُبَ على البشر دحره لعقود تالية!
ومع مشي الروبوت – السيارة «باثفايندر» على المريخ، لعبت الآلات المؤتمتة مونديالها الأول في مدينة «ناغويا» اليابانية. ثم تتالت المسابقات. وتقاطع مونديالا البشر والروبوت في الأعوام 1998 (فرنسا) و2002 (أجريت مسابقة «روبوكاب» في «فوكوكا» اليابانية، بالتزامن مع مونديال اليابان- كوريا)، و2006 (ألمانيا). بعدها، تفارق البشر والآلات المؤتمتة في عام 2010، فلعب الإنسان في جنوب أفريقيا، فيما انعقدت فعاليات «روبوكاب» في سنغافورة. ويسجل مونديال البرازيل 2014 خطوة آخرى في هذا المسار. إذ يعود البشر والروبوت إلى «التلاقي» كروّياً. ويقصد بذلك التلاقي أن مسابقة «روبوكاب» تعود إلى التزامن مع مونديال البشر.
رسميّاً، يدخل الروبوت سجل كأس العالم لكرة القدم بداية من مونديال البرازيل في حزيران (يونيو) 2014 المقبل، للمرة الأولى تاريخياً. وعلى ملاعب البرازيل التي شهدت ولادة نجوم – أساطير في عالم كرة القدم، كالجوهرة السوداء بيليه وزاغالو وغارينشيا وجيرزينهو وسقراط وزيكو، يتألق الروبوت في لعبة كرة القدم، في سياق سابقة تاريخية مدهشة.
مشهد ربما لم يعد بعيداً
لم نصل بعد إلى عام 2050، السنة التي يضعها خبراء الروبوت باعتبارها «خطاً أحمر نهائيّاً» لظهور فريق للروبوت، يتمتع بمهارات تكتيكية تمكّنه من هزيمة أي فريق بشري في كرة القدم. لم نصل إلى عام 2050.
ما زلنا في عام 2014، وتفصلنا أيام قليلة عن انطلاق المونديال في البرازيل. لكن الروبوت وصل إلى الملاعب الخضراء للساحرة المستديرة. ولأن الزمن لم يصل إلى عام 2050، يدخل الروبوت إلى المونديال الكروي في البرازيل، محمولاً على جسد بشري يتمتّع بمواصفات خاصة: جسد المُعوّق.
إذ استقر الرأي على أن يحرّك كرة انطلاق مباراة الافتتاح بين البرازيل وكرواتيا في 12 حزيران – يونيو المقبل على استاد «آرينا كورنيثس» في «ساو باولو»، شخص مشلول كليّاً، لكنه يرتدي هيكلاً روبوتيّاً مؤتمتاً. ويتحكّم المشلول بهيكل الروبوت عبر التفكير وحده، بمعنى أن الروبوت – الهيكل يتحرّك بموجب أوامر تأتيه من دماغ الجسد البشري المُعوّق. ويطلق على هذا النوع من الهياكل اسم «إكزوسكِلتون» Exoskeleton. ويستطيع هواة السينما أن يتذكّروا سلسلة أفلام يظهر فيها أشكال من الـ«إكزوسكِلتون»، معظمها خيالي مبالغ فيه، لعل أشهرها ظهر في فيلم «آفاتار» Avatar الذائع الصيت.
وفي البرازيل أيضاً، وعندما تتدفق مئات الملايين (بل آلافها) إلى الشاشات لتشاهد الحدث الكروي الأبرز، تلتقي فرق دولية من الروبوتات التي تجيد لعب كرة قدم الصالات في ولاية «باريبا» على الساحل الشمالي الشرقي للبرازيل، تحديداً في مدينة «ساو بسووا» وهي عاصمة «باريبا». الأرجح أن الروبوتات سوف تلعب بهدوء، بعيداً عن كاميرات البث المتلفز الذي يسوّر العالم كروّياً هذا الصيف. لكن من يدر ماذا يحمل المستقبل؟ ما الذي ربما تبثّه الكاميرات بعد عشر سنوات، عشرين، في عام 2050 أو ربما بعده بقليل، لنقل عند المونديال الثلاثين؟ مَنْ يَعِشْ يَرَ!