تختلف رؤية الألمان إلى الثامن من مايو/ آيار 1945، حين استسلم نظام هتلر وانتهت الحرب العالمية الثانية. هل كان هزيمة أم تحريراً؟ رغم العقود الطويلة على نهاية الحرب إلا أن مسألة الذنب فيها مازالت تثير تساؤلات كبيرة.
حينما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في الثامن من مايو/ آيار 1945، لم تعم سعادة كبيرة، وإنما “ارتياح عميق”، كما كتب المؤرخ غيرهارد برون متذكراً مشاعر الشعب الألماني في ذلك اليوم. يتذكر الأسرى الألمان في معسكرات الأسر السوفيتية ذلك اليوم بشكل مختلف عن بقية الشعب الألماني من المدنيين. ومن فقد موطنه في بروسيا الشرقية بعد الحرب، ينظر إلى نهاية الحرب على أنها كارثة حقيقية، إذ تختلف مشاعرهم عن مشاعر ألمان المنفى في الولايات المتحدة، الذين شعروا أنهم باتوا أحراراً في الثامن من مايو/ آيار 1945. وعن مشاعر الذين نجوا من معتقل آوشفيتز.
ساعة الصفر في الحرب جلبت معها تساؤلات كثيرة ورموزاً مختلفة، فالألمان الذين عاصروا هذه الفترة ولا يستطيعون استيعاب ما حدث. لكن ما وحد مواطني الدولتين الألمانيتين في أولى سنوات فترة ما بعد الحرب، هو أنهم عانوا تحت نير هذه الحرب واعتقدوا أنهم لم يشنوا حرباً إبادة. في تلك الفترة يُلاحظ أن الذاكرة الجمعية بدأت ترمي المسؤولية كاملة عن فضائع الحرب على هتلر ونظامه النازي.
على الجانب الآخر كان هناك الألماني البسيط البريء من هذه الجرائم، فطوال عقود من الزمن لم يرغب مواطنو الدولتين الألمانيتين في الشرق والغرب حقيقة في تبرير ما حدث لهم حتى عام 1945 وأي جزء من المسؤولية يتحملونه. ولم يمكن الألمان من “النجاح في التغلب على ماضيهم” إلا بعد ذلك بسنوات طويلة.
حزن وغضب
حتى نفهم كيف أُعيد النظر في النازية رسمياً وعلنياً بعد عقدين على نهاية الحرب، يجب أن قراءة بعض المقاطع من خطبة للرئيس الألماني الأسبق هاينرش لوبكه، إذ عبر عن امتعاضه من نفور الشعب الألماني من مشاعر الوطنية بعد الحرب، من دون الإشارة إلى كل المذابح والقتل الجماعي خلالها.
وخلال تلك الفترة كان الثامن من مايو/ آيار يحمل في الحياة العامة بألمانيا الغربية ذكرى التقسيم، من دون الأسف على العدد الكبير من الضحايا الذين سقطوا قبل التقسيم.
رؤى متناقضة
وعلى العكس مما هو الحال في ألمانيا الغربية، أعلنت ألمانيا الشرقية السابقة هذا اليوم عطلة رسمية احتفالاً بانتهاء الحرب، لكي يصدر للعالم رؤية التاريخية. واعتبر هذا يوم استسلام ألمانيا يوم انتصار الجيش الأحمر على الفاشية، واستمر هذا الوضع والارتباط الفكري بين ألمانيا الشرقية والاتحاد السوفيتي حتى انهيار الجدار عام 1989. ولم تتم معالجة ما يتعلق بمسؤولية الألمان عن ماضيهم، إذ لم تعن النازية لحزب الوحدة الألماني الحاكم هنا سوى أنها حركة فاشية. وهذا يبرز اختلاف تقدير الثامن من مايو/ آيار في شطري ألمانيا من الشعور بالهزيمة إلى التحرير.
الركوع أمام الضحايا طلباً للصفح
ويشير البعض إلى أن رئيس وزراء في ولاية بافاريا الأسبق فرانز يوزيف شتراوس قد قال عام 1968: “الشعب الذي استطاع أن يحقق هذه النهضة الاقتصادية، من حقه ألا يتذكر ما حدث في معتقل آوشفيتز النازي”، وبالرغم من تكرار لهذه المقولة في الصحافة لأكثر من مناسبة، فإنه لم يتخذ بحق هذه الصحف أي إجراء قانوني، على الرغم من العلاقة المتوترة التي ربطته بالإعلام. وهذه المقولة تمثل بأي حال من الأحوال التركيز على النهضة الاقتصادية في ألمانيا الغربية، بعيداً عن الإشارة إلى انعدام التعبير عن قلة التعامل مع مسألة الذنب في الحرب.
على الطرف الآخر من محاولات التغلب على الماضي يبرز ما فعله المستشار الألماني الأسبق فيلي برانت في السابع من ديسمبر/ كانون الأول 1970 في العاصمة البولندية وارشو، إذ ركع أمام نصب التذكاري لضحايا المحرقة وطلب منهم الصفح الممارسات التي واجهوها خلال فترة الحكم النازي.
وهذا التحول التاريخي يعد “أول اعتراف جاد بالذنب الذي يتحمله الألمان”، كما قال المؤرخ بيتر هورلمان. كما أنه يمثل تغيير في تسليط الضوء على الحقبة النازية وتجاوز النظريات التي تناولت هزيمة ألمانيا وكانت شائعة في سبعينات القرن الماضي.
حضور الماضي في ألمانيا الموحدة
يزدهر منذ سنوات في وسائل الإعلام الألمانية عرض تاريخ النازية، وتتنافس القنوات التلفزيونية والصحف على جذب المشاهدين لتعاملها مع هذه الحقبة. وفي ضوء هذا نشأت رؤية جديدة بين الألمان أنفسهم، إذ يرون أنهم كانوا أيضاً ضحايا لفترة حكم هتلر. لكن على الرغم من ذلك مازالت هناك الكثير من الأسئلة حول تلك الفترة وأساليب التعامل معها اليوم.