تحتل ألمانيا مكانة متقدّمة علميّاً في بحوث الاستفادة من طاقة الشمس، على رغم قلة ظهورها في تلك البلاد. وتظهر إحصاءات شبه رسميّة أن نصيب الكيلومتر المربع في ألمانيا من الطاقة الشمسيّة يعادل مئة ليتر من النفط تقريباً. ويعني ذلك أن قدرة تلك البلاد على الاستغناء عن الفحم والغاز والطاقة النوويّة في المستقبل، رهن بمدى تطوّر بحوث الطاقة الشمسيّة وتقنيّاتها.
وتتصل الحياة على الأرض، وكذلك التنوّع الحيوي فيها، بالطاقة التي تأتيها من الشمس. وتستفيد معظم الكائنات الحيّة من الطاقة الشمسيّة، عبر تفاعلات كيماويّة معقّدة تحوّل الضوء طاقة، مقابل إطلاق ثاني أوكسيد الكربون (أو الأوكسجين) وجزيئات الماء. ومثلاً، تظهر النباتات كفاءة عالية في التعامل مع طاقة الشمس عبر عمليّة التمثّل الضوئي الكلوروفيلي. وساهم ذلك في انتشار المساحات الخضراء على اليابسة، وأصبحت النباتات غذاء أساسياً للحيوانات، إضافة إلى كونها مصدراً للأوكسجين، كما تساهم في تخليص الهواء من ثاني أوكسيد الكربون.
والمعـــــلــوم أيـــــضــــاً أن الغابات التي دفنتها التقلّبات الجيولوجية الكبرى تتحوّل نفطاً وفحماً، وبقول آخر، فإن الشمس هي أيضاً مصدر لأنواع الوقود الأحفوري.
الشمس في سباق الفضاء
منذ القرن الماضي، فتح سباق الفضاء الباب واسعاً أمام العلماء لتطوير البحوث عن الخلايا الشمسيّة، فصارت أنواعها تتقدم بصورة مستمّرة، تحفزها حاجة مركبات الفضاء وروّادها إلى الطاقة في تلك الأسفار الكونيّة.
وفي نموذج معبّر، تتواصل البحوث في معهد «فرايبورغ» الألماني، المختصّ بطاقة الشمس ونُظُمها، لتنقل التقدّم في تقنيات الطاقة الشمسيّة من الفضاء إلى الأرض. واستطاع خبراؤه صنع خلايا شمسيّة تصل كفاءتها إلى حدّ تحويل 34 في المئة من ضوء الشمس إلى كهرباء. وتجري هذه الطريقة عبر تركيز ضوء الشمس على مساحة صغيرة، يوجد تحتها 3 أنواع مختلفة من الخلايا المختصة باستخراج الكهرباء من الضوء، بحيث خلايا مختلفة يتعامل كل منها مع جزء معين من طيف الضوء. وأصبحت بعض معامل الطاقة في جنوب أفريقيا قادرة على المنافسة في سوق الخلايا الشمسيّة، بعد اقتباسها تلك التقنية عينها.
وتعتبر ألمانيا في مقدّم الدول الصناعية في إنتاج ألواح الطاقة الشمسيّة، ووفرت تلك الصناعة وصادراتها فرص عمل لآلاف من الألمان في السنوات الماضية.
وكذلك ساعد القانون المعروف باسم «أي.أي.جي» على جعل ألمانيا عملاقاً في صناعة ألواح طاقة الشمس. وأصبح القانون مثالاً يحتذى، فاقتبسته إسبانيا والبرتغال واليونان وفرنسا وإيطاليا. ويورد فرانك أسبك، رئيس شركة «سولار وورلد» الألمانية «أن عدد الوظائف في قطاع الطاقة الشمسيّة سيتضاعف إلى 90 ألفاً في السنوات الخمس المقبلة ليصل إلى 200 ألف بحلول العام 2020».
كذلك تلزم الحكومة الألمانية الشركات بشراء كميات من الكهرباء المستخرجة من طاقة الشمس لمدة 20 سنة، بأسعار تصل إلى ما يزيد على ثلاثة أضعاف أسعار السوق، ما يوفّر مصدراً ماليّاً ثريّاً للمؤسّسات التي تعمل في الطاقة الشمسيّة. وكذلك يعتبر الأمر مساهمة في محاربة تغيّرات المناخ، خصوصاً لجهة مكافحة انبعاث غازات التلوّث التي تصدر من استخدام الوقود الأحفوري.
ويفاخر الألمان بأنهم منعوا انبعاث نحو مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون خلال العام الماضي بواسطة الاعتماد على الطاقة الشمسيّة.
«تقليد» النباتات
تحاول الباحثة الألمانية آثينا زوني تقليد النباتات في إنتاج الطاقة، من طريق مراقبتها عمليات التمثيل الضوئي الكلوروفيلي في طحالب تتكاثر في مزرعة طبيعية. وكذلك تشرف على بحوث لتقليد تلك الآلية الطبيعيّة بواسطة استخدام توليفة ضوئيّة اصطناعيّة.
«إنها رؤية قد تساهم في حل مشاكل مستقبلية بسبب ندرة الطاقة»، وفق تعبير زوني التي استعملت تقنيات الكومبيوتر كي تتوصّل إلى محاكاة افتراضيّة لجزيئة بروتين اصطناعيّة تماثل تلك التي تنهض بعمليّة التمثيل الضوئي الكلوروفيلي في الطحالب. ولا زال الأفق مفتوحاً أمام ذلك المسار الواعد في الطاقة النظيفة المتجدّدة.