Osam.klkla@gmail.com
((أتذكرون القصة الشهيرة عن عامل محطة الوقود من مدينة كرميئيل؟ العامل وصل اليه شخص يرتدي ملابس فاخرة ونزل من سيارة مرسيدس حديثة وطلب منه أن يملأ له سيارته بمبلغ 40 شيكل من الوقود. صارح العاملُ الشخصَ بكل تهذيب عن تعجبه لقيام من يملك سيارة باهظة الثمن وتبدو عليه سمات الثراء بتعبئة سيارته بهذا المبلغ البسيط. فأجاب الشخص باعتزاز واضح: “لكي اتمكن من الوصول الى يركا وتعبئة سيارتي بالكامل في المحطة المحلية”)).
بين الأشهر يناير – مايو من السنة الجارية، قمت ببحث طلبته وزارة الصناعة والتجارة عن الامكانيات والمشاكل لدى المصالح في اربع قرى المنطقة. ضمن البحث قمت بزيارة ومقابلة حوالي 200 صاحب مصلحة، في مجالات الصناعة، الخدمات، السياحة والتجارة.
لدى نسبة كبيرة من اصحاب المصالح لوحظ انخفاض حاد في المدخولات بالسنين الاخيره، ازدياد في التنافس وانخفاض للاسعار في السوق – البعض قال بان افضل فترة لهم كانت فترة الحرب على لبنان عام 2006، اذ تمثلت بارتفاح حاد في الطلب على المنتوجات والخدمات المحلية وازدياد حاد في المبيعات (خمنوا ما السبب!).
الاسئلة التي راودتني أثناء عملية البحث كانت كثيرة. لماذا رغم الاستثمارات والتخطيط الفردي والمؤسساتي، الامكانيات والطاقات البشرية الكثيرة، المبادرات التجارية والجماهيرية فإن المنطقة لا تزال بعيدة عن الازدهار الاقتصادي، بل الاسوأ انها في تراجع مقارنة بنسب النمو المسجلة في مركز البلاد.
بلا ادنى شك فإن الازدهار الاقتصادي في أي قرية أو منطقة يؤثر بشكل مباشر على الجوانب الاجتماعية، الجماهيرية، العقارية وغيرها وتجعل منها اكثر جذبا للسياحة، العمل ولارتفاع مستوى المعيشة. تبين لي لاحقا بأن الحل لمشكلة تردي أحوال المصالح هو أبسط بكثير مما يمكن ان نتوقع.
أبحاث اقتصادية عديدة في مجال الاستهلاك المحلي توصلت الى تشابه كبير في النتائج: كلما كانت سلة الاستهلاك (סל תצרוכת) أكبر في القرية ذاتها – تكون للقرية إمكانية إنفتاح وتقدم أكبر وكلما زاد استهلاك الافراد لمنتوجات وخدمات من خارج القرية – من المتوقع ان تضعف القدرات الاقتصادية للمنطقة في المدى المتوسط والبعيد.
بالطبع عند قيام السكان بالعمل خارج القرية ومن جهة اخرى يقومون بانفاق مدخولهم بمعظمه في القرية ذاتها فان ذلك جيد لاقتصاد القرية ذاتها. في حالة نجاح القرية بإحضار نقود من الخارج، اي نقود أولئك الذين لا يسكنون في القرية ولكنهم يستهلكون خدمات ومنتجات في القرية – فذلك أفضل بكثير.
الابحاث المتكررة في هذا المجال اثبتت بشكل قاطع أن المساهم الاكبر في تقدم اقتصاد منطقة هو تشجيع سياسة الاستهلاك المحلي وتفضيله على الانفاق الخارجي باكبر قدر ممكن.
النموذج الاقتصادي في هذه الحالة يفرض وجود علاقة مباشرة بين ازدهار منطقة ما ونسبة الانفاق لدى ابناء المنطقة في المنطقة ذاتها. كلما زاد “انفاق” العائلة في المنطقة ذاتها وكلما تم “استيراد” أموال اكثر من الخارج على يد اجور العاملين في خارج المنطقه او السياح الداخلين للمنطقة – كلما تسارعت وتيرة تطور القرية والمنطقة المحيطة بها ككل.
إذن ماذا يجب ان نفعل؟ بداية يجب علينا ان نصل الى نقطة يتفق عليها الجميع – يجب ان ندعم المصالح المحلية الموجودة في القرية والمنطقة. لا يجب بناء أحياء سكنية جديدة معدة للنوم فقط وإنما دمج مرافق حيوية كاماكن للترفيه، منتزهات ومراكز تجارية التي من شانها أن تمنع تركز حاد لرأس المال وتحركات المستهلكين في مركز البلد فقط. يجب ايضا تشجيع وتقوية ايمان اصحاب المصالح والسكان بقدرتهم على تغيير مصيرهم والسيطرة عليه ضمن بث روح المبادرة الاقتصادية وزيادة التوعية القانونية والتجارية لديهم وعدم التوسل لرحمة السلطة المركزية كحل وحيد لمشاكلهم.
هكذا يمكن إنقاذ اقتصاد القرية من ركود اقتصادي محتم ومنع المصالح من الدخول في تنافس شرس وحرب اسعار مستمرة التي من شأنها ان تضر كثيرا في عمل المنظومة الاقتصادية في المنطقه على الامد البعيد. زيادة الوعي لدى السكان بالاهمية القصوى لجعل نموذج ومبدأ الاستهلاك المحلي في اعلى سلم اولوياتهم يحمل في طياته الكثير من الجوانب الايجابية كخلق اماكن عمل جديدة وتخفيض نسبة البطالة والجرائم، رفع فعالية النقود المحلية، جذب استثمارات ومبادرين خارجيين على اساس تواجد جدوى اقتصادية في هذه المنطقة، تحسين مستوى المعيشة وغيرها..
الحل لا يكتمل الا بعد جعل اصحاب المصالح والمبادرين يدركون ضرورة تماشيهم مع العصر، فهم عليهم ان يتغيروا ان كان بطريقة تفكيرهم أو بطريقة تشغيلهم لمصالحهم وهذا الشيء سأناقشه في الجزء الثاني للمقال.
لذا أقول لكم، فكروا مليا وراجعوا نفسكم قبل انفاق اي شيكل خارج المنطقه او في مصالح محلية ليست بملكية ابناء المنطقة – فهذا المبلغ قد تكونوا خسرتموه وخسرته المنطقة للابد..
أسامة العجمي
مستشار اقتصادي مصادق من وزارة الصناعة والتجارة
B.A. Economics & business management
إكسلنس – دورات متعددة:
– دورة كونديتوريا
– دورة فنون وأشغال يدوية
– كورسات في إدارة الأعمال