بئسَ أُمَّة تفكّر مثلك يا شيخ صرصور – بقلم: المحامي سامر خير

بقلم: المحامي سامر خير
طالعنا عضو الكنيست السابق عن الحركة الإسلامية، إبراهيم عبد الله صرصور، في صفحته على الفيسبوك بتاريخ 19.7.2025 – في أوج الهجمة الهمجيّة على الدروز في محافظة السّويداء – بمقال تحريضيّ من الطراز الأوّل ضد رمز ديني كبير من رموز الطائفة المعروفية الدرزية، شيخ العقل حكمت الهجري، وليس ضدّه فقط، بل – وبشكل مُبَطَّن – ضدّ طائفة أصيلة بأكملها، وجُرمُها الوحيد أنها رفضت سلطة الإرهاب والتكفير وأنّها خلال الهجوم الوحشيّ عليها تجرّأت على قول “آخ” وطلبت النجدة وهي تتعرض للإبادة، بينما الشيخ صرصور وأمثاله يتفرجون على ما يحدث، وكأن الأمر طبيعي. ونسوا أن هؤلاء الدروز أنفسهم هم أحفاد من قدّموا التضحيات التاريخيّة ودافعوا عن كل الأمّة العربيّة الإسلاميّة على مرّ التاريخ، مثلما فعلوا عندما وقفوا قبل مائة عام بالضبط في وجه الجيش الفرنسي بقيادة الثائر العظيم سلطان باشا الأطرش. حتّى باتوا اليوم يُراجِعون تاريخهم من جديد كي لا يُخطئوا في تعلُّم الدّرس مرّة أخرى.

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

ما يحزّ في النفس أن هذا الشيخ صرصور هو ابن كفرقاسم التي تعرّضت لمجزرة بشعة في العام 1956. وهنا أوضّح أنه من خلال نشاطي الشعري وعملي الصحفي لسنوات طويلة، فقد عشتُ الكثير من قصص المجزرة عن طريق لقاءات صحفية مع شهودها ومن نجوا من ضحاياها، بل وقد كرّمني مجلس كفرقاسم المحلي بجائزة شعرية في العام 1999 تقديرًا لقصائد لي في تلك الفترة.

ما يحزّ في النفس أن ابن كفرقاسم – الشيخ صرصور – يمرّ مرّ الكرام على مجازر إبادة وحرق بشر وهم أحياء وقطع رؤوس واغتصاب نساء وخنق أطفال وتحطيم جماجمهم وإهانة مشايخ وذبحهم وقتل كل كبير وصغير ونهب وتدمير وحرق قرى بأكملها، على يد دواعش إرهابيّين تكفيريّين، في 35 بلدة درزية في جبل الدروز، ما زالت جثامين المئات منهم في العراء منذ أسبوعيْن وحتى كتابة هذه السّطور. أي ما هو أصعب بألف مرة من مجزرة كفرقاسم، مع عدم التقليل من فظاعة أي مجزرة، لأن السكوت على قتل إنسان واحد يعني هدر دم الإنسانيّة جمعاء.

وكل هذه الجرائم ضد عشرات آلاف البشر الدروز كانت تُرتَكَب في نفس الوقت الذي نشر فيه الشيخ صرصور مقاله مُرْفِقًا به صورة مشوّهة لشيخ العقل حكمت الهجري، يبدو فيها الشيخ الفاضل كشيطان مع عينين حمراوين(!). ولا ينبس الشيخ صرصور في مقاله بأية كلمة يستنكر من خلالها الهولوكوست الذي كان ما يزال مستمرًّا ضد الدروز، بذنب أنّهُم دروز فقط، كما أثبتت ذلك مئات وربما آلاف الفيديوهات التي سجّلها الدواعش أنفسهم ونشروها على أوسع نطاق، بكُلّ فخر واعتزاز! – فقد تمّت طمأنتهم بأنهم فوق القانون ولن تكون هناك مُحاسَبَة! – يعني لو كان أحد المواطنين الدروز “أكبر مفكّر عروبي وإسلامي” ويعيش في إحدى تلك القُرى المنكوبَة لكان برابرة هذا العصر التكفيريّون قتلوه ومثّلوا بجثمانِه! – بينما العالَم يتفرّج.

لا بل إن الشيخ صرصور يصف الشيخ الهجري بأقذع التعابير والاتهامات: “عميل صهيوني”، “مجرم حرب وخائن لدولته سوريا”، ويدعو إلى إعدامه بادّعاء أن “تصريحاته كافية لملاحقته أمام القضاء السوري بتهمة ارتكاب جريمة عقوبتها المؤبد أو الإعدام”، وأن لا شيء سينجح في “انقاذ رقبة الهجري عندما يُقدَّم للقضاء السوري العادل كخائن ومجرم حرب” (القضاء السوري العادل – قال!). وكُلّ ذلك بدون أن تثبُت أية تهمة على الشيخ الفاضِل!

ولم يخطُر على بال الشيخ صرصور أن العميل هو من أَمَر بالهجوم على السويداء، ومن حرّض العَشائر للقدوم من كلّ أنحاء سوريا بآلافهم المؤلّفة للاعتداء على الدروز في بيوت الدروز وفي بلدات الدّروز في جبل الدروز – الدروز الذين لم يعتدوا على أحد عملاً بأخلاقِهِم وبالآية الكريمة: “..ولا تَعْتَدُوا إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدين” (صدق الله العظيم). ولم يخطُر على بال الشيخ صرصور أن “العميل” الحقيقي كان يعلم أن إسرائيل جاهزة لاستغلال الوضع لصالحها في كل لحظة، وكان يعلم أيضًا أن مصلحة الدروز وهُم يتعرّضون للإبادة ستلتقي مع مصلحة إسرائيل عندما يُطالبون بالحماية، كما فعل هو نفسُه (الجولاني وأتباعه) خلال 14 عامًا مضت، بل إنّهُم كانوا يرفعون شعارات “شكرًا لنتنياهو” كلّما تم قصف مواقع النظام الأسديّ البائد.

في هذا السياق أسأل الشيخ صرصور: لماذا تتجاهل السبب الحقيقي للخلاف مع سلطة الإرهابي أبي محمد الجولاني في دمشق؟ أم أنّك أنت أيضًا لا توافق على دولة مدنيّة لا مركزية في الأمور التي تخص الحُريّات والحياة الشخصيّة واليومية، وتعطي المساواة للجميع، بدون تمييز على أساس انتماء قومي أو ديني أو عرقي أو مذهبي أو جنسي؟؟ – وهذا هو باختصار مطلب الشيخ الفاضل الهجري ومن ورائه 99% من أبناء جبل الدروز (وبينهم أخوة من المسيحيّين والسنّة المعتدلين)، وغالبية الدروز الساحقة في كل مكان. وهذا هو السبب الحقيقي للهجوم عليهم بأرتال من التكفيريّين البرابرة بنيّة واضحة لإبادتهم، فقط لأنهم تجرّأوا على قول “لا”.

وفي هذا السياق أيضًا أقول لك: اشكُر ربّك مليون مرة على أنّك تعيش في دولة مدنيّة ديمقراطيّة (إسرائيل) – رغم كل نواقصها وسياسة التمييز المتّبعة فيها منذ قيامها (أم أنّك تريدها أيضًا دولة يحكمها دين متطرّف؟). لكنّني لا أراك مختلفًا عن يهود يمينيين متطرفين قد يدعون إلى محاكمة أمثالك في إسرائيل بتهمة “الخيانة”. مع أن إسرائيل هي دولتهم (ولا أعلم إن كنت تعتبرها دولتك أيضًا)، وسوريّا ليست دولتك على حد علمنا، ومع ذلك تُطالِب بمحاكمة أحد أبنائها الشُّرَفاء بتهمة “خيانتها”!!

هل تعلم يا شيخ صرصور أن الشيخ الهجري حاصل على شهادة جامعية في موضوع الحُقوق؟ وأنه حين يطالب بحقوق أهله وشعبه، فهو يعرف تمامًا ما يقول. ومن العار اتهامه بالخيانة أو بأنه زعيم ميليشيا أو عصابة، حتى ولو طلب من إسرائيل حماية أهله وربعه وهم يتعرّضون للإبادة. فهذا هو الموقف الصحيح في التوقيت الصحيح رغمًا عن أنف كلّ المحرّضين.

في هذا السّياق نقول إن ما يحق لأبي محمد الجولاني الذي تلقى العلاج الطبي من أطباء إسرائيليين خلال “الثورة” هو وآلاف غيره من أهل السنّة، في المستشفيات الإسرائيلية، وصفّق هو وجماعته لكل قصف إسرائيلي على مواقع الجيش السوري في حينِه – ما يحقّ له لماذا لا يحق لغيره؟ وقبل أن تتهم بالخيانة فئة صغيرة تتعرض للإبادة، اذهب وحاسبْ من تعتبره رئيسًا شرعيًّا لسوريّا (ربّما فقط لأنه سُنّي) مع أن أحدًا لم ينتخبه رئيسًا على حدّ علمنا – أللهُمّ إلّا بعض مخابرات الدُّوَل الأجنبيّة كما يبدو.

وفي هذا السّياق كذلك، أنا شخصيًّا أعلنُها، وربّما يمثّل رأيي غالبيّة الدروز في العالم: شكرًا لإسرائيل التي أوقفت الهولوكوست التكفيري الشيطاني ضد الدروز!! وشكرًا لأية جهة ساعَدَت في ذلك! بمن فيهم الدروز مواطني إسرائيل الّذين وقفوا وقفة رجُل واحِد نصرةً لإخوانهم! وشكرًا للمقاتلين الدروز الشجعان الأبطال الذين حاربوا في الميدان حتى الرمق الأخير ودحر المُعتدين، وشكرًا لكلّ إنسان نطق بالحقّ وتألّم بصدق من جميع الأقوام والأديان والمذاهب بمن فيهم أهلنا وأخوتنا من السنّة المعتدلين.

لا يكتفي الشيخ صرصور بالتجنّي والهجوم على الشيخ الهجري ومن خلاله على طائفة أصيلة بأكملها. بل انظر إلى ما يكتبه عن عشائر البدو، وبالحرف الواحد: “العشائر العربية السنيّة المُسلمة لن تقف مكتوفة الايدي أمام إجرام الهجري وعصاباته المنفلتة، وستمارس حقها المشروع في الدفاع عن نفسها بكل قوة تحت سقف القانون السوري والدولة السورية الحرة” (قانون سوري ودولة سورية حرة – قال!). ولا ينبس بأي حرف ضدّ ما ثَبَت من تخزين العشائر لكميات هائلة من الأسلحة والذخيرة، فما هو مسموح لهم، ممنوع على غيرهم، ربّما لأنّهم “عشائر سنيّة مسلمة”، أما الدروز فيا ويلهم إذا حملوا السلاح دفاعًا عن أنفُسِهِم! ويا ويلهم إذا طلبوا الحماية الدولية (بما فيها الإسرائيلية) حفاظًا على وجودهم. ولا يخطر على بال الشيخ صرصور ماذا كان سيحصُل للدروز لو أنّهم سلّموا سلاحهم: هل كان الهولوكوست سيتوقف بعد ذبح 3000 إنسان وتشريد 100 ألف ونهب وتدمير وحرق 35 قرية؟!!

في هذا السياق نسأل الشيخ صرصور: من أين لك هذه الثقة بأنه قد وقعت اعتداءات على البدو من فصائل درزية مسلّحة؟ وما هو دليلُك؟ أم أنّك تكرّر فقط ما يبثّه الإعلام الجولاني الكذّاب المُضلّل ومن يقف معه من قنوات تضليليّة، من أجل خلط الأوراق، كما كان يفعل المجرم الفارّ بشار الأسد بالضبط؟ وماذا تقصد بدعوتك العشائر إلى عدم الوقوف “مكتوفة الأيدي”، في الوقت الذي سمع العالم كلّه تهديداتهم وتحريم بعض مشايخهم لشرب القهوة المرّة حتى محو السويداء من الوجود؟ أليس هذا تحريضًا صريحًا على حرب أهليّة مذهبيّة لا تنتهي حتى إبادة الدروز؟ – وعلى هذا بالذات تجب محاكمتك أنت وكل من يكرّر هذه الاتهامات الباطلة والتحريض.

إن الجرائم التي ارتُكبت ضد عشرات آلاف المواطنين الدروز غربيّ وشماليّ السويداء، موثّقة بالفيديو والصُّوَر، وليست بحاجة للجان تحقيق (أو الأصح القول: لجان تلفيق) وكان حريًّا بك وبأمثالك استنكار ذلك ولو بحرف.

بدلًا من ذلك فإنّك تقبل بتزوير الحقائق، الواضحة لكل ذي عينين تريان وأذنين تسمعان، وتنهي مقالك التحريضي بتحريض فاشيّ ضد الدروز، بل وتتعمّد إبراز كم هو عددهم في سوريا – نصف مليون نسمة، على حد قولك – مقابل 22 مليون سني سوري (كما تزعم)، ومليون درزي في كل العالم (حسب تقديراتك) مقابل مليار ونصف مليار سنّي. وبالتهديد المبطّن تقصد القول للدروز: من أنتم وكم عددكم يا أصفار؟ أنتم لستُم أصحاب القرار. ونستطيع ابتلاعكم إذا بقيتم على ما أنتم عليه! – وهذا بالضبط ما يقوله علنًا بعض السنّة المتطرفين التكفيريّين في دمشق، ففي عُرفهم لا حقّ للمختلفين عنهم في المطالبة بحقوق بل ولا حق لهم في الوجود. وتراهم يبجّلون إمامَهم المُفَدّى ابن تيميّة الذي دعا إلى إبادة الدروز قبل 700 عام، فقط لكونهم موحّدين دروزًا لا سُنّة. وما اتهامهم بالتعامل مع “إسرائيل” اليوم سوى ذريعة لتبرير إبادتهم المخطّط لها في عقول بعض المرضى منذ 700 عام. أي أن الاتهام بالخيانة هو مجرّد ذريعة شيطانية فقط لا غير.

التهديد المبطّن للدروز – وهو مسموح عند بعض المتطرفين بسبب قلة عددهم كما يبدو، فلو كان الدروز هم المليار ونصف المليار لكان على الطرف الآخر أن يُباد حسب منطقهم المريض (!) – هذا التهديد موجّه في الواقع لجميع الأقليات. وذلك بدلًا من سماعهم واحترامهم وحفظ حقوقهم وحرياتهم، كما تُحترم وتُحفظ حقوق وحريات الأقليات السّنّية في الدول الغربية.

هذا الاعتماد البغيض على الكمّ لا الكيف، في القرن الواحد والعشرين، هو اعتقادٌ غبيّ في أحسن الأحوال. وليس في القرن الواحد والعشرين فقط، بل في كل عصر وأوان، أَلَم يقُل الله في كتابه العزيز: “كم مِن فئةٍ قليلةٍ غَلَبَت فئةً كثيرة بإِذْنِ الله وَاللهُ معَ الصّابِرين” (صدق الله العظيم)؟ ثُمّ إنّ من ينتمي إلى الإسلام الحقّ لا ينبغي أن يُبَرِّر عادات جاهليّة مثل الثّأر والعصبيّة القبليّة كما يفعل الشيخ صرصور في مقاله.

على كُلّ حال، لا نعتقد أن المليار ونصف المليار سُنّي في العالم يحملون في قلوبهم هذا السُّمّ التحريضيّ. بل سنظلّ على يقين بأن معظمهم معتدلون. وعليهم هم بالذات عدم الوقوف مكتوفي الأيدي أمام سُموم وجرائم الإرهابيين التكفيريين، بل إيقافهم عند حدّهم قبل فوات الأوان، يعني حالًا، وقبل أن تأتي ساعة لا ينفع فيها الندم.

المحامي سامر خير – المغار – يوم الأحد 2025/8/3)

+ -
.