عودة أميركا مع وزنها كقوة كبرى للتصدي للاضطراب الكارثي الذي يعانيه مناخ الكرة الأرضيّة، يمكن اعتباره أبرز منجزات «اتفاق باريس»، مع تذكّر أن الفشل الذي عاناه «بروتوكوك كيوتو» (اليابان- 1997) في شأن مكافحة تغيّر المناخ، بدأ بالضربة الساحقة التي سدّدها الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، بسحب توقيع سلفه بيل كلينتون عن ذلك البروتوكول.
بعد ضربة قائد المحافظين الجدد في البيت الأبيض، توالت حلقات التملّص من ذلك البروتوكول، إضافة إلى فشل 17 قمة متوالية للمناخ في صوغ اتفاق بديل من «كيوتو»! ويحسب للرئيس باراك أوباما شجاعته في إعادة الرئاسة الأميركيّة إلى اتفاق شامل وملزم للمناخ، على رغم معارضة ضارية من الحزب الجمهوري، علماً أن ذلك جرى بعد إضافة بند يوضح أن الاتفاق «لا يفضي إلى دفع تعويضات أو غرامة» في ما يتعلق بالالتزامات الواردة فيه، وهو شرط يحرر يد أوباما في توقيع الاتفاق من دون الرجوع إلى الكونغرس.
مهما يكن من أمر، نجحت قمة «كوب 21» في التوصّل إلى اتفاق تاريخي شامل وطموح، تضمن إضفاء الإلزام والشموليّة على إجراءات خفض التلوّث، وهو ما فشلت فيه قمم المناخ منذ 1997. كذلك ألزم الاتفاق 195 دولة بهدف السعي إلى لجم التصاعد في حرارة الأرض كي تكون الزيادة بحلول العام 2100، «تحت حدود درجتين مئوّيتين مقارنة ببداية الثورة الصناعيّة»، وفق تعبير وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس.
وبترجمة محايدة لتلك الكلمات، يمكن القول إن فرنسا وفّقت في جعل «اتفاق لوبورجيه» يتجاوز هدف لجم الارتفاع في حرارة الأرض بمقدار درجتين، الذي كان طموح «بروتوكول كيوتو». وللأسف، هناك استدراك مقلق. ففي تلك النقطة تحديداً، يبدو الاتفاق الباريسي مزيجاً من النجاح الواضح والفشل المستتر.
وفق النص الذي قرأه فابيوس، يلزِم «اتّفاق لوبورجيه» الدول الموقّعة بـ «السعي لأن تكون تلك الزيادة عند مستوى 1.5 درجة مئويّة». ماذا يعني ذلك؟ كانت كلمات الوزير مملوءة بلباقة الديبلوماسيّة، لكنها شكّلت مساحة رماديّة لم تخفِ الفشل في التوصل إلى إجماع على هدف وقف الزيادة في حرارة الأرض عند درجة ونصف مئوية في نهاية القرن 21، وهو مطلب أصر عليه ممثلو الجزر المهددة بالغرق في المحيطين الهندي والهادئ، إضافة إلى علماء البيئة ونشطائها.
ويزيد رنّة الفشل أن هدف الـ1.5 درجة غير كافٍ لمكافحة تغيّر المناخ الذي بات منغرساً في قلب المعادلات الأساسيّة للكرة الأرضيّة وغلافها الجوي، إضافة إلى وجود ضرر يصعب إصلاحه حتى لو توقف انبعاث غازات التلوّث كليّاً .
ولربما أقوى ما حدث للمكافحة الطويلة الأمد لاضطراب المناخ، جاء من ألمانيا التي أحدثت اختراقاً علميّاً تاريخيّاً بشتغيل أول لمفاعل انصهار نووي (راجع ص 13)، ما يفتح أفقاً نوعيّاً في مجال الطاقة المتجددة النظيفة. ولم يلتفت معظم الإعلام العربي لذلك الانجاز الكفيل بإحداث نقلة نوعيّة في العلاقة في مثلث الطاقة والتلوث وارتفاع حرارة الأرض.
ومع الأخذ في الاعتبار أن أفعال البشر تنأى عن الوصف بالأبيض والأسود، من المستطاع النظر إلى الاتفاق الباريسي عبر كلمات الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بأنها من المرّات النادرة التي يمكن فيها تغيير العالم، مع غصّة في الحلق والقلب بأن تلك «المرّة» سادها كثير الزاويا المدوّرة والحدود المتراخية وغياب الحسم، ما صنع مساحة رمادية تمدّد فيها ضباب يشبه دخان التلوّث!