أثبتت أفلام الخيال العلمي مرة أخرى أنها تستشف المستقبل، إذ إن فيلم «ماتريكس» (Matrix)، أحد أشهر أفلام هذه الفئة وأهمها، استطاع قبل نحو 17 عاماً أن يعرض بدقة صورة مستقبلية لتجربة أجراها معمل «HRL» الأميركي في كاليفورنيا في شباط (فبراير) الماضي، ونجح خلالها في تحميل معلومات إلى الدماغ، لكنها أقل بكثير من القدر الذي في الفيلم، والذي جعل بطله «نيو» يتعلم الفنون القتالية من طريق تحميل المعلومات إلى دماغه مباشرة، من دون مغادرة كرسيه، ليفتح عينه بعد نهاية التحميل ويقول «أعرف الكونغ فو».
واستطاع الباحثون في «HRL» تغذية الدماغ بخبرات ومعارف في وقت أقل من الوقت الذي يستلزمه الإنسان لتعلم الشيء نفسه من خلال التجارب والخبرات الحياتية العادية، بحسب التقرير المنشور على موقع المعمل الأميركي.
وحلل الباحثون الإشارات الصادرة من دماغ أحد الطيارين ومن ثم جرت تغذية عقول طيارين مبتدئين بهذه المعلومات من طريق خوذات رأس كهربائية، ليرتفع أداء المبتدئين بعد التجربة بنسبة 33 في المئة، ويظهروا تقدماً واضحاً في قدراتهم على قيادة جهاز محاكاة الطيران. ويرى العلماء أن هذه النتائج تفتح باباً جديداً في مستقبل التعليم والتعلم.
ويقول رئيس فريق الباحثين في «HRL» الدكتور ماثيو فيليبس فيمقطع فيديو يتحدث عن الكشف الجديد إن «النظام الجديد هو الأول من نوعه. إنه جهاز تحفيز دماغي. أعلم أن الأمر يبدو خيالاً علمياً، لكنه مبني على قواعد علمية». ويضيف أن «المهمة الرئيسة في تجربتنا كانت قيادة طائرة، الأمر الذي يتطلب توافقا عضليا وعصبيا ومعرفيا».
ويتابع ماثيو أنه «عند تعلم الإنسان شيئاً جديداً يتغير دماغه، وهو ما يسمى بالمرونة العصبية، وتتركز وظيفة الذاكرة والكلام في جزء معين من الدماغ لا يتعدى حجمه الخنصر، وما يفعله نظامنا الجديد رصد وتخزين هذه التغيرات وإعادة توجيهها».
ويوضح أن «الأمر ليس حديثاً، إذ استخدم قدماء المصريين أمراً مشابهاً قبل 4000 عام، عندما استخدموا سمكة كهربائية لتسكين الآلام في أماكن معينة في الدماغ، حتى أن بنيامين فرانكلين فعل الشيء نفسه، لكن الأبحاث الجادة بدأت في أوائل الألفية الثالثة، وهي ما جعلتنا نتوصل إلى اكتشاف اليوم، وتوجيه هذ النوع من التحفيز بأفضل طريقة ممكنة». ويزيد أن «الدماغ يتغير أثناء القيام بمهمة، وما استطعنا فعله تحفيز الدماغ لتعلم شيء بعينه في وقت معين».
واستطاع طيارون مبتدئون، اخضعوا لعملية التحفيز، قيادة الطائرة والهبوط بها أفضل بنسبة 33 في المئة من الذين تعلموا الأمر نفسه على جهاز محاكاة طيران عادي، الأمر الذي يفتح باباً جديدا في التعليم والتدريب، ليأتي يوم سيكون كل ما يستلزمه الأمر لتعلم مهارة ما مهما كانت صعبة، هو اسطوانة كمبيوتر وخوذة رأس وساعة استرخاء على الأريكة، أو تخزين عقول المبدعين والعلماء على ذاكرة خارجية وتحميلها في أدمغة أشخاص آخرين.