عندما تتحلق عوامل الخطر حول جسمك، بسبب عادات وسلوكيات صحية خاطئة، يكون الوقت قد حان كي تُحدث بعض التغيرات في نمط حياتك من أجل إبعاد عوامل الخطر التي تمكن السيطرة عليها وبالتالي التمتع بصحة أفضل.
وتفيد البحوث المختلفة بأن أي مجهود تقوم به على صعيد تغيير نمط الحياة هو أمر يستحق العناء طالما أنه يصب في مصلحتك ويعزز صحتك.
التوصيات الصحية العامة الواجب تطبيقها معروفة، مثل التغذية الجيدة والمتنوعة والمتوازنة، وممارسة الرياضة بانتظام، والحفاظ على الوزن المثالي، والنوم الجيد والكافي، وعدم التدخين، والامتناع عن شرب الكحوليات، فما تحققه لجسمك من خلال تطبيق هذه التوصيات البسيطة يفوق كثيراً ما يقدمه لك أي دواء، كونها تجلب لك درات الصحة حاضراً ومستقبلاً.
إن تغيير نمط الحياة يعني تبني عادات وسلوكيات صحية تعود بالنفع المحتم على مطبقيها، ونعرض هنا بعض الأمثلة المتعلقة بتغيير نمط الحياة وأثرها الإيجابي على الصحة:
المثال الأول، إذا كنت تعاني من زيادة في وزنك فاترك سيارتك مركونة في مكانها واستعمل وسائل النقل العامة للوصول إلى مكان عملك، فقد بينت نتائج دراسة بريطانية أن استخدام وسائل النقل العام، يؤدي إلى تخفيف الوزن. وتوصّل الباحثون البريطانيون إلى هذا الاستنتاج بعد دراسة مؤشرات كتلة الجسم عند 7500 متطوع. وظهر من تحليل النتائج أن وزن الرجال الذين استخدموا وسائل النقل العام أقل من وزن الرجال الذين استخدموا سياراتهم الشخصية في تنقلاتهم بمقدار ثلاثة كيلوغرامات. أما بين النساء فبلغ 2.5 كيلوغرام فقط.
وكانت دراسة مسحية أنجزت بين 2004 و2007 من قبل باحثين ينتمون إلى جامعات ايست أنغليا، ويورك، وكامبريدج، وشملت بيانات أعطاها أربعة آلاف شخص بالغ، هي الأولى من نوعها التي وجدت رابطاً ما بين استخدام وسائل النقل وانخفاض الوزن. ووجد الباحثون الذين قادوا الدراسة أن التحول من السيارة إلى المشي أو ركوب الدراجات أو وسائل النقل العام يرتبط بانخفاض في مؤشر كتلة الجسم وفي إنقاص الوزن، وكلما زاد الوقت المستخدم في وسائل النقل العام انخفض المؤشر أكثر وبالتالي نقص الوزن في شكل أكبر، وبناء عليه أوصى الباحثون بضرورة اتخاذ إجراءات تفرض على العاملين استخدام وسائل النقل العام للوصول إلى أماكن عملهم لأن ذلك قد يساهم في حل مشكلة السمنة وما ينتج عنها من مضاعفات.
وفي الإطار عينه وجدت دراسة كندية أن من يستخدمون وسائل النقل العامة لا يتخلصون من الوزن الزائد فقط بل يتمتعون بلياقة بدنية أكثر من غيرهم بحوالى ثلاث مرات. ووفق الدراسة فإن الذين يستخدمون وسائل النقل العامة ليسوا في حاجة لارتياد الأندية الرياضية لأنهم يبذلون جهداً بدنياً يستغرق وسطياً حوالى النصف ساعة يومياً أثناء تجوالهم في الشوارع والطرقات قبل ركوب الحافلات العامة.
المثال الثاني، هل أنت مصاب بارتفاع في ضغط الدم؟ إذا أجبت بنعم فعليك أن تعلم بأنه الشرارة التي تشعل فتيل الأمراض القلبية والدماغية الوعائية، وخير ما يمكن عمله على هذا الصعيد هو إحداث التغيير في نمط الحياة والتغذية لإنزال أرقام الضغط، وفقاً لما تمخضت عنه أحدث دراسة نُشرت في مجلة الجمعية الطبية الأميركية.
جرت الدراسة على ثلاث مجموعات تضم أشخاصاً يعانون من ضغط الدم المرتفع. تصرفت المجموعة الأولى وفق التعليمات التي توجه عادة للمصابين، مثل خفض الوزن، وتقليل تناول الملح، وزيادة النشاط الرياضي. أما المجموعة الثانية فطبقت التعليمات السالفة الذكر بالإضافة إلى برنامج تغذية خاص لخفض ضغط الدم، مثل استبدال المأكولات الغنية بالدسم والسعرات الحرارية بالفواكه والخضار والطعام القليل الدسم. أما المجموعة الثالثة فتلقت توعية شاملة للأسباب المختلفة التي تؤثر على ضغط الدم إلا أنها لم تعمل طبقاً لها.
وبعد مرور ستة أشهر على بدء تنفيذ الدراسة، أصبح ضغط الدم طبيعياً لدى أكثر من نصف المشتركين الذين أدخلوا تغييرات في نظام حياتهم، بالمقارنة بالأشخاص الذين تلقوا التوعية الشاملة فقط.
المثال الثالث، إذا أردت أن تبعد شبح التعرض لمرض الزهايمر، فعليك أن تغير نمط حياتك لتواجه عوامل الخطر التي أشارت دراسة قادها الدكتور ديبورا بارنز، الأستاذ في جامعة كاليفورنيا. فوفق نتائج الدراسة التي أعلن عنها في المؤتمر الدولي حول مرض الزهايمر الذي عقد في باريس عام 2012، فإن أكثر من 50 في المئة من حالات الإصابة بالمرض ناجمة عن سبعة عوامل خطر يمكن تعديلها بتغيير نمط الحياة البسيط نسبياً. وتضم هذه العوامل: انخفاض مستوى التعليم، والتدخين، والخمول البدني، والاكتئاب، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة، ومرض السكري. ووجدت الدراسة أنه عند جمع هذه العوامل السبعة مع بعضها فإنها تقف وراء 17 مليون حالة الزهايمر حول العالم منها ثلاثة ملايين في الولايات المتحدة.
المثال الرابع، إذا أصبت بانتكاسة مرضية فلا تستسلم، فقد تبين أن تغيير نمط الحياة يمكن أن يحدث فارقاً يقود إلى التحسن، فقد كشفت دراسة نشرت في بداية عام 2012 في مجلة «الأمراض العصبية والطب النفسي»، وطاولت أكثر من 15 ألف أميركي بالغ لديهم سوابق إصابة بالجلطات الدماغية، عن وجود ارتباط بين العادات الأكثر صحية التي يقوم بها المشاركون في الدراسة (مثل تناول الفواكه والخضراوات خمس مرات أو أكثر في اليوم، وممارسة التمارين الرياضية، وعدم التدخين) وانخفاض معدل الوفاة لأي سبب كان، بما فيها الجلطة الدماغية الناكسة.
وإذا كنت ترغب في إحداث بعض التغيرات في نمط حياتك من أجل تبني عادة صحية جديدة أو للتخلي عن عادة قديمة سيئة، فإننا نشد على يدك بقوة، وفي هذه الحال لا يكفي أن تعقد العزم بل لا بد من الانتقال إلى مرحلة الحزم. لا شك أن الأمر بالغ الصعوبة في البداية، وقد تواجه النكسات، لكنك في النهاية ستكسب، لأن تغيير نمط الحياة لصحة أفضل هو أفضل دواء.