حقق الكنديون إرادة التغيير في الطبقة السياسية، اذ تمكنوا بمشاركتهم الكثيفة في الانتخابات من اعادة الليبيراليين الى السلطة بقيادة جاستن ترودو نجل رئيس الوزراء الراحل بيار إليوت ترودو الذي هيمن على الحياة السياسية في بلاده طيلة عقدين في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
تهكم كثيرون من النخبة التقليدية على جاستن ترودو (43 سنة)، باعتباره «مجرد شاب وسيم لا يملك خبرة»، وطاولت سهامهم زوجته الصحافية التلفزيونية صوفي غريغوار باعتبار انها تجاوزت بسلوكها الشعبوي القيود التي تلتزم بها زوجات السياسيين، خصوصاً انها من ولاية كيبيك الناطقة بالفرنسية.
لكن الناخبين الذين ناهزت نسبة مشاركتهم في الاقتراع 68 في المئة وهو رقم قياسي، كان لهم رأي مختلف، اذ مكنوا الحزب الليبريالي من اكتساح الانتخابات ووضعوا بذلك حداً لـ 10 سنوات متواصلة من حكم المحافظين برئاسة ستيفن هاربر.
ولعل من الملفت ان تتقاسم الجاليات المهاجرة، مشاعر الفرح مع الليبيراليين الكنديين، ليس فقط لأن ترودو الابن وعد بخفض الضرائب للطبقة المتوسطة وزيادتها على الأثرياء، بل ايضاً لأنهم تخلصوا من هاربر المعادي للمهاجرين والذي اعتبر داعماً قوياً لإسرائيل. وأيضاً رسخ في ذاكرة أبناء الجاليات العربية في كندا ذهاب جاستن ترودو الى ابعد حدود الانفتاح على الآخر، بقوله إن «ارتداء النقاب لأغراض دينية حق أساسي للكنديات»، في معارضة واضحة لسياسة هاربر حظر النقاب.
فوز ترودو الابن أعاد إلى الأذهان ما قاله الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون خلال استقباله ترودو الأب وعائلته في عشاء رسمي في البيت الأبيض عام 1972، اذ نظر الى جاستن الذي كان رضيعاً لا يتجاوز عمره الأربعة أشهر حينها، وتوقع أن يرث منصب أبيه، وقال نيكسون أمام ضيوفه «دعونا نتخلَّ عن الرسميات ونحتفي برئيس الحكومة الكندية في المستقبل، جاستن بيار ترودو».
بفوزه، بدأ كثيرون يقارنون ترودو الابن، بالرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، ذلك ان رئيس الوزراء الكندي العتيد، عاش مرحلة شباب بسيطة وعمل مدرّساً ومارس هوايَتي التمثيل والملاكمة، قبل ان يسير على خطى ابيه ويدخل البرلمان للمرة الأولى عام 2008.
وبعد حصول حزبه على غالبية مطلقة بـ 184 مقعداً من أصل 338 في مجلس العموم، تعهد ترودو الابن أن يكون رئيس وزراء لجميع الكنديين، مجدداً التزامه برنامجه الانتخابي لجهة انعاش الاقتصاد وأيضاً إخراج كندا من عزلة دولية فرضها المحافظون.
وإلى جانب المحافظين، طاولت الخسارة «الاشتراكيين الديموقراطيين» بزعامة توماس مالكير والذي بدا أنه فقد سبل التواصل مع جذوره الانتخابية، فيما عزت قواعد الحزب الاشتراكي الديموقراطي فوز ترودو إلى تصويت غالبية الكنديين ضد هاربر.
لكن ترودو ينظر إلى الأمر من زاوية أخرى، إذ قال أخيراً في حديث إلى صحيفة «غلوب أند ميل»: «تعلّمت في وقت مبكر من حياتي ألا أتأثر بالناس الذين كانوا يكرهون والدي» الذي كان خصماً للقوميين المتشدّدين والشركات النفطية.