حساسية الربيع: معركة شرسة بين حبوب اللقاح النباتية وجهازك التنفسي

الجميع يستحسنون حلول فصل الربيع، ما عدا فئة واحدة يعاني أصحابها من الحساسية الربيعية، ففي هذا الفصل تتناثر حبوب اللقاح من الأشجار والحشائش والأزهار عبر الأثير لتحط رحالها في دهاليز الممرات التنفسية.

وعندما تدخل حبوب اللقاح إلى الممرات التنفسية يحصل عند بعضهم رد فعل مبالغ فيه تجاه هذه الحبوب، إذ يرسل الجسم برقية عاجلة إلى الجهاز المناعي الذي يطلق أجساماً مضادة تهاجم حبوب اللقاح، الأمر الذي يؤدي إلى إطلاق مادة الهيستامين بهدف التخلص من الحبوب، فتدور معركة تنتج منها زوبعة من العوارض المزعجة التي تتباين من شخص إلى آخر، وتضم عادة السيلان من الأنف، والعطاس، والحكة في الأنف، والحرقة والاحمرار في العينين، والجفاف في الحلق، وانتفاخ الشفتين، والسعال، وصعوبة التنفس.

لكن المظاهر السريرية المشار إليها أعلاه قد تنجم عن أمراض أخرى يجب أخذها في الاعتبار، لأن الخطة العلاجية تختلف، ومن هذه الأمراض الرشح والأنفلونزا والتهابات الأنف والجيوب الأنفية، بسبب عوامل تحسسية أخرى غير حبوب اللقاح.

إعلان

والحساسية الربيعية هي من أكثر أنواع الحساسية انتشاراً، وهي تصيب شخصين من بين كل 10 أشخاص، وتفيد الدراسات بأنها في تصاعد مستمر، وهي في كل عام تصيب أعداداً جديدة من الناس لا تربطهم بها أية علاقة وراثية. وتبدأ الإصابة عادة في سن المدرسة ومرحلة البلوغ.

وأظهرت دراسة سويدية حديثة شملت أكثر من 100 ألف سيدة حامل أن تعرضهن لتراكيز عالية من حبوب اللقاح في الفترة الأخيرة التي تسبق الولادة يزيد في شكل ملحوظ من احتمال إصابة أولادهن بالحساسية الربيعية ومرض الربو القصبي.

والحساسية الربيعية قد تأتي شديدة إلى درجة أنها يمكن أن تؤثر سلباً في الحياة والنشاطات اليومية، فتسبب التعب والإنهاك وتترك تداعيات على الصحة النفسية والاجتماعية، وتؤثر في إنتاجية الفرد.

ونظراً الى التقلبات المناخية، والاحتباس الحراري، والمدة الطويلة لتلقيح النباتات، فقد زاد احتمال تعرض الإنسان للحساسية الربيعية. وتفيد دراسة ألمانية حديثة أجراها باحثون من جامعة ميونيخ للعلوم التطبيقية بأن نسبة حبوب اللقاح في الجو زادت في مناطق المدن بنسبة 3 في المئة بسبب ارتفاع نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يجعل النباتات تنمو بصورة أسرع، وبالتالي يزيد من إنتاج حبوب اللقاح.

ولعلاج الحساسية الربيعية يخضع المريض لفحص طبي لتحديد إن كانت حبوب اللقاح هي السبب أم لا. ويتم وضع النقاط على حروف التشخيص بوخز يد المصاب ووضع نقطة من سائل يحتوي على حبوب اللقاح، ومن ثم يترك المريض لمدة 20 دقيقة تُجرى بعدها قراءة النتيجة، فإذا ظهر تورم يشبه لسعة البعوض فمعنى ذلك أن المصاب يعاني من الحساسية تجاه حبوب اللقاح. وقد يجري الطبيب فحوصاً أخرى، مثل فحص الدم، وقياس مادة الهيستامين.

لا يوجد علاج سحري للحساسية الربيعية، لكن من الممكن السيطرة على مظاهرها المزعجة بالابتعاد عن السبب المؤدي اليها. وإذا لم يساعد هذا الإجراء في إعطاء نتيجة مرضية، فإن لا مفر من الاستعانة بالأدوية الآتية:

> مضادات الهيستامين، وتستخدم هذه منذ القدم، وتتوافر على شكل أقراص أو بخاخ أو قطرة عينية. وقد تسبب هذه الأدوية الصداع، وجفاف الفم، وزيادة الوزن، واضطرابات في جهاز الهضم، لكنها أدوية آمنة إجمالاً، ويمكن تناولها حتى قبل ظهور العوارض. وبعض مضادات الهيستامين يسبب النعاس، لذا يجب الحذر أثناء قيادة السيارة أو القيام بأعمال تتطلب الدقة والمراقبة.

> مضادات الاحتقان، وتستعمل عادة بالتزامن مع مضادات الهيستامين، وهي تساهم في تضييق الأوعية الدموية فتقلل من ورود الدم إلى الأنف وبالتالي تخفف من احتقان الأنف. وتسبب هذه الأدوية بعض المضاعفات الثانوية، مثل الصداع، والعصبية، والغثيان، والأرق. ويفضل عدم استعمالها في حالة الحمل أو الإرضاع. ولا يجوز وصفها لمن هم دون السادسة من العمر.

> بخاخات الكورتيزون، ويُستنجد بهذه الأدوية إذا كانت الإصابة التحسسية شديدة ولا تنفع معها العلاجات الأخرى. وتفيد هذه البخاخات في السيطرة على عوارض الحساسية الموسمية وفي التقليل من نشاط الوسائط الالتهابية الداخلية. ويجب أخذ بخاخات الكورتيزون تحت إشراف طبي.

وإذا كانت الحساسية الربيعية عنيفة ولم تستجب العلاجات المذكورة، فإن الحل يكمن في استعمال سلسلة من الحقن النوعية التي تحتوي على المادة المحسسة التي هي حبوب اللقاح، ويتم البدء بزرق كمية قليلة تُزاد بالتدريج من أجل جعل الجسم لا يأبه مستقبلاً لحبوب اللقاح.

إن أفضل شيء يمكن عمله هو تجنب التعرض إلى حبوب اللقاح، لكن من الناحية العملية يعتبر هذا الأمر صعب التطبيق، وخير ما يمكن فعله أن نقلل من التعرض لها مقدار المستطاع:

1- إبقاء النوافذ والأبواب مغلقة ما أمكن، خصوصاً في الصباح الباكر وعند اقتراب الساعة السادسة مساء لأن حبوب اللقاح تكون في أعلى نسبة لها.

2- ارتداء أقنعة واقية عند الخروج وأثناء تنظيف المنزل.

3- دهن فتحتي الأنف من الداخل بالفازلين كي يعمل كمصفاة تصطاد حبوب اللقاح.

4ـ تنظيف المنزل جيداً ومسح الغبار بانتظام، خصوصاً الكتب والرفوف والسجاد التي تعشعش فيها حبوب اللقاح.

5ـ غسل الجسم، خصوصاً الشعر عند الرجوع إلى المنزل للتخلص من حبوب اللقاح التي علقت به أثناء النهار.

6- ترك الملابس خارج غرفة النوم.

7- غسل الثياب والشراشف جيداً.

8- ارتداء نظارات شمسية لمنع التلامس بين العين وحبوب اللقاح.

9- تجنب ممارسة الرياضة.

10- عدم قضاء أوقات طويلة خارج المنزل.

11- تجنب التعرض للدخان والملوثات والغبار.

12- مراقبة مستوى حبوب اللقاح في الجو وتفادي الخروج من المنزل في الوقت الذي تبلغ فيه حبوب اللقاح ذروتها. مع أخذ العلم أن الحبوب تكون في أوجها في الأيام العاصفة والجافة والحارة. في المقابل تكون حبوب اللقاح أقل في الأيام الساكنة والغائمة والممطرة.

13- التأكد من نظافة أجهزة التكييف ومرشحات التدفئة وفتحات التصريف.

14- غلق نوافذ السيارة عند ركوبها.

15- عدم ركن السيارة تحت الأشجار.

16- السفر إلى مناطق جافة لمنع التماس مع حبوب اللقاح.

17- استخدام بخاخات الملح الأنفية.

18- عدم نشر الغسيل في الخارج كي لا تعلق به الحبوب المتطايرة.

19- تنظيف السجاد جيداً بالمكنسة الكهربائية لأن الحبوب تعيش فيها لفترة طويلة تصل الى ثلاثة أشهر.

20- منع دخول الحيوانات المنزلية لأن غبار الطلع يعلق بفروتها كالمغناطيس.

21- اذا وجدت حديقة للمنزل فيجب الحفاظ على نظافتها والعمل على استبدال النباتات التي تسبب الحساسية بأخرى لا تنتج حبوب اللقاح.

بقي أن نشير إلى نقطتين مهمتين: الأولى هي أن الحساسية الربيعية تعطي زوبعة من العوارض توحي للبعض بأن صاحبها يعاني من مرض معد، لكنها ليست معدية على الإطلاق، وهي تبدأ مع فصل الربيع وتنتهي برحيله. أما النقطة الأخرى فهي أن الأطفال الذين يعانون من الحساسية يتعرضون أكثر من غيرهم للأمراض التنفسية والتهابات الجيوب الأنفية.

+ -
.