رحل صباح أمس الشاعر والأديب والصحافي اللبناني جورج جرداق، عن عمر يناهز 83 عاما. وكان الشاعر قد كرم منذ نحو 15 يوما من قبل «مؤسسة البابطين»، في دورتها التي انعقدت في مراكش، حيث نال جائزة «مؤسسة البابطين للإبداع الشعري» التي تمنح لشاعر عربي كبير تكريما له على مسيرته الشعرية وقيمتها 50 ألف دولار.
وجورج جرداق من مواليد «جديدة مرجعيون» عام 1931. درس فيها حتى المرحلة التكميلية قبل أن ينتقل إلى بيروت عام 1949 ليتابع دراسته في «الكلية البطريركية» التي اختارها لعلمه أن جهابذة في اللغة والأدب درسوا فيها منذ القرن 19، مثل إبراهيم اليازجي، وخرجت أعلاما. أما هو فقد حالفه الحظ في الكلية ليتتلمذ على يد الأديب رئيف خوري، والعلامة في اللغة فؤاد افرام البستاني مؤسس الجامعة اللبنانية، وكذلك ميشال فريد غريب الذي كان أستاذه لمادة اللغة الفرنسية. بعد تخرجه عام 1953 درس جورج جرداق، الأدب العربي والفلسفة، وزاول الكتابة الصحافية باكرا. حاول كتابة نص مسرحي وهو في الـ13 والقصة وهو في الـ17. وفي الـ18 من عمره، كتب باكورته «فاغنر والمرأة» عن الموسيقي والفيلسوف الألماني. ونظرا لأهمية الكتاب، قرر طه حسين عميد الأدب العربي إدراجه ضمن لائحة الكتب التي يجب على طلاب الدكتوراه في الأدب قراءتها بإمعان، كذلك أخذ أحد المستشرقين الألمان إذن جرداق وترجم الكتاب إلى الألمانية.
من كتبه «قصور وأكواخ»، «صلاح الدين وريكاردوس قلب الأسد»، «نجوم الظهر»، «عبقرية العربية»، «صبايا ومرايا»، وله نصوص مسرحية، كما أنه قدم برنامجه «على طريقتي» على أثير إذاعة «صوت لبنان» ما يزيد على 15 عاما.
أشهر قصائده على الإطلاق تلك التي غنتها أم كلثوم «هذه ليلتي» ولحنها لها محمد عبد الوهاب، وله أيضا قصائد «هي والعود» و«سمراء كليل السهران» و«أنت حبيبي».
استهل عمله الصحافي في مجلة «الحرية»، ويقول عنها: «كنت أكتبها من الغلاف إلى الغلاف، وكنت أحرر مقالات وأوقعها بأسماء صارت لاحقا معروفة لدى أصحاب الصحف، حتى إن أحدهم طلب مني أن أعمل عنده، فرفضت». وعمل أيضا في مجلة «الجمهور الجديد» وانتقل إلى «دار الصياد» عام 1965، وعمل في مجلة «الشبكة» وفي صحيفة «الأنوار»، وبقي أحد أركان الكتابة في منشورات «الصياد».
عرف بشغفه بشخصية الإمام علي بن أبي طالب، وبالموسوعة التي وضعها والتي تحمل اسم «الإمام علي صوت العدالة الإنسانية» وهي في 5 أجزاء عناوينها كالتالي: «علي وحقوق الإنسان»، «بين علي والثورة الفرنسية»، «علي وسقراط»، «علي وعصره»، «علي والقومية العربية»، ولهذه الأجزاء ملحق بعنوان «روائع نهج البلاغة».
والده سجعان جرداق مهندس مدني، لكن جورج تربى في بيئة أدب وشعر وثقافة، وعرف عنه هروبه من المدرسة ليلجأ لقراءة المؤلفات التي كان يجد فيها متعته. وأكثر من قربه إلى الأدب وعرفه إليه شقيقه فؤاد الذي تعرف من خلاله على الإمام علي بن أبي طالب، حين أطلعه على «نهج البلاغة» ومن حينها توثقت علاقة بينه وبين الإمام علي استغرقت جزءا كبيرا من حياته قراءة ومتابعة وتحليلا وتأليفا. تقام مراسم الصلاة على روحه بعد ظهر غد الجمعة في المنطقة التي كان يسكن فيها أي في الأشرفية في بيروت، ويوارى الثرى في مسقط رأسه في «جديدة مرجعيون».