عندما نعطس أو يزرب الأنف في حضرة آخرين، يبادر أحدهم إلى القول: أنت مصاب بالرشح. لكن آخر يعارض قائلاً: أنت لديك إنفلونزا. ويتدخل ثالث معلقاً: لا، لا هذا ولا ذاك، فما لديك هو حساسية في الأنف.
لا شك في أن الرشح والإنفلونزا الموسمية والحساسية الأنفية أمراض تتشابه في كونها تضرب المجاري التنفسية العلوية، وتعطي عوارض متشابهة تقريباً، أشهرها الصداع، والسيلان، وانسداد الأنف، والعطاس، والسعال، والانحطاط العام في الجسم، وفقدان الشهية على الأكل، إلا أنها أمراض تختلف في العامل المسبب وفي الخطورة وفي العلاج.
فمن جهة العامل المسبب، الرشح العادي هو عدوى فيروسية، وهناك أكثر من 200 فيروس يمكن أن تسبب هذا النوع من الرشح، وأمام هذا الحشد الكبير من الفيروسات يقف الجسم عاجزاً عن بناء مناعة دائمة ضدها، فضلاً عن تشكل سلالات جديدة منها طوال الوقت، ما يجعل جهاز المناعة في حال إرباك تجاهها، ولكن المعروف أن سلالة «رينو فايروس» وحدها مسؤولة عن أكثر من 30 في المئة من الإصابات بالرشح العادي.
وفي ما يتعلق بالإنفلونزا الموسمية هناك ثلاثة أنماط من الفيروسات هي: أ، بي، سي، وكل نمط يمكن أن يتفرع إلى أنماط فرعية. وتعتبر فيروسات النمط أ والنمط بي الأكثر انتشاراً في العالم. أما حالات الإنفلونزا الناتجة من الفيروس سي فهي أقل حدوثاً من حالات النمطين الآخرين.
وفي خصوص الحساسية الأنفية فهي تأتي بسبب استنشاق عوامل مثيرة، مثل الغبار، وحبوب اللقاح، ووبر الحيوانات، والعفن، والعطور، والروائح القوية. ويلعب العامل الوراثي دوراً بارزاً في تأجيج الحساسية الأنفية، فإذا كان أحد الأقارب مصاباً به فإن معدل الإصابة به يرتفع في شكل ملحوظ.
وإذا كان الرشح العادي يأتي في شكل تدريجي، وتكون عوارضه خفيفة، وتستمر وسطياً من يومين إلى ثلاثة، فإن الإنفلونزا الموسمية تهاجم ضحاياها على حين غرة، وتتمخض عنها عوارض أقسى من تلك التي نشاهدها في الرشح العادي، وتلازم صاحبها أسبوعاً أو ربما أكثر. في المقابل تظهر الحساسية الأنفية بعيد استنشاق العامل الغريب، وتتلاشى العوارض تدريجياً حال الابتعاد عن العامل المسبب. وتتجلى عوارض الرشح العادي تباعاً خلال أيام قليلة من دون أن تترك مضاعفات تذكر، اللهم إلا في بعض الحالات النادرة جداً.
أما الإنفلونزا الموسمية فإن خطورتها تبرز في إمكان تطور الإصابة نحو حدوث مضاعفات خطيرة إلى حد ما، أعنفها التهاب الرئة الذي يمكن أن يأخذ منحى دراماتيكياً يمكن أن يودي بالمصاب إلى المستشفى. وهناك فئات أكثر تعرضاً من غيرها لخطر المضاعفات، مثل الأطفال، وكبار السن، والحوامل، والمدخنين، والمصابين بأمراض مزمنة، كالربو والسكري والسرطان.
أما بالنسبة إلى الحساسية الأنفية فإن وجه الخطورة فيها يكمن في حدوث تهيج في أغشية الأنف وأنسجته ما يقود إلى انسداده وبالتالي إلى انغلاق فتحات تصريف الجيوب الأنفية وكذلك فتحة قناة أوستاش التي تربط بين الأذن والأنف، فتكون النتيجة احتمال حدوث أخطار ثانوية، مثل التهاب الجيوب الأنفية، والتهاب الأذن الوسطى، والشخير، واضطرابات على صعيد النوم.
على صعيد العلاج، من المفيد للأشخاص المصابين بالرشح شرب الكثير من السوائل، واستعمال بخاخات الأنف الملحية المضادة للاحتقان لتقليل سيلان الأنف وتحسين عملية التنفس، وقد يجدي نفعاً تناول حساء الدجاج.
ولمواجهة مرض الإنفلونزا من المفيد الراحة، وتناول طعام متنوع ومتوازن، وتفادي المواقف الضاغطة، وشرب المزيد من السوائل في حال وجود الحمى، واستعمال مضادات الاحتقان على شكل رذاذ للمساعدة على فتح مجاري الأنف المسدودة، وإذا صدقنا نتائج دراسة نيوزيلاندية نشرت في دورية علم التنفس، فإن استعمال عقار الباراسيتامول، أحد أشهر الأدوية في العالم، ليس له أي تأثير في علاج الإنفلونزا، ولا يخفض الحمى، ولا يخفف من وجع العضلات.
ويبقى اللقاح الوسيلة الوحيدة الناجعة لمواجهة فيروس الإنفلونزا، ويجب أن يتم التطعيم في بداية كل خريف مرة واحدة كل سنة. ويمكن لكل شخص أن يحصل على حقنة الإنفلونزا إذا رغب في ذلك، لكن هناك فئات أكثر حاجة للقاح من غيرها. وعلى كل من ينوي تلقيح نفسه أن يضع نصب عينيه احتمال وقوعه ضحية بعض الآثار الجانبية غير السارة بسبب تكوّن مضادات الأجسام المناعية لمواجهة الفيروس، في حال «فكّر» في العبور إلى الجسم، وفي بعض الحالات قد يشكو البعض من بعض العوارض، مثل الحمى، والضعف العام، والوجع في العضلات.
أما الحساسية الأنفية فليس من دواء يشفي منها، لكن هناك أدوية متاحة تخفف من حدة العوارض. وتتوافر إما على شكل بخاخات أنفية وإما على شكل أقراص. ويبقى تفادي العامل المحسس الوسيلة الأفضل للتخلص من حساسية الأنف، لكن هذا الحل ليس متاحاً في جميع الأحوال، خصوصاً إذا كان هناك أكثر من عامل واحد مثير للحساسية. ويمكن التعرف إلى العامل المسبب للحساسية من خلال إجراء اختبارات لدى الطبيب الاختصاصي في أمراض التحسس، وبناء على النتائج يمكن طرح إمكان الاستفادة من العلاج المناعي مع الطبيب المعالج من أجل إزالة تأثير العامل المحسس.
في المختصر، تشترك أمراض الرشح والإنفلونزا والحساسية الأنفية في كثير من المظاهر السريرية إلى درجة يصعب التفريق بينها بناء على العوارض وحدها، ولذا فإن القول الفصل في هذه الأمراض لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال الفحص الطبي والفحوص المخبرية، لمعرفة إذا كان المرض رشحاً، أم إنفلونزا، أم حساسية أنفية… لأنه شتان بين هذه الأمراض الثلاثة.