أمام التدخل العسكري الروسي المتدحرج تصاعدياً بدءاً من ٣٠ أيلول (سبتمبر) الماضي، تبدو هامشية الأحداث الأخرى في سورية في ٢٠١٥. بالأحرى، تبدو النكسات التي تعرضت لها القوات النظامية والانتصارات التي حققتها المعارضة وحلفاؤها مقدمات لطلب دمشق من موسكو استعجال المدد الجوي والناري إلى سماء المعارك والغوص في البحر المتوسط لإنقاذ النظام. وباتت سورية مرتبطة أكثر من أي وقت مضى باللعبة الدولية وسط تساؤلات عن مدى انحسار الدور الإقليمي واحتمالات غرق روسيا في «المستنقع».
بدأ العام بجولتين من «منتدى موسكو» في كانون الثاني (يناير) ونيسان (أبريل) حضره معارضون سوريون وممثلون من الحكومة. لم تكن روسيا وقتذاك مقنعة لحلفائها وخصومها. قاطع «الائتلاف الوطني السوري» المعارض الجلسات. وحضره ممثلو الحكومة بعد وساطات وتدخلات من الكرملين الذي لم يكن سعيداً من إهمال الطرفين له. ولم يكن راضياً من أن الحكومة والمعارضة تعاطتا مع روسيا كأنها لم تفعل شيئاً خلال أربع سنوات من حق النقض (فيتو). ويُروى أن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف امتعض من كيفية تعاطي القيادة السورية مع رسائل الرئيس فلاديمير بوتين في بداية العام.
في موازاة ذلك، كان الرهان الإقليمي على النصر العسكري للمعارضة أو «تغيير حسابات النظام وحلفائه». وبتوافق إقليمي وغطاء غربي، ولد تحالف عسكري اسمه «جيش الفتح» وضم سبعة فصائل معارضة بينها «جبهة النصرة» و «أحرار الشام». وسرعان ما راح يتدحرج مقاتلو هذا الحلف مدعمين بالذخيرة والمعلومات والسلاح و «العقيدة» والتنظيم في شمال غربي البلاد في آذار (مارس) ونيسان بسيطرتهم على محافظة إدلب لتكون المحافظة الثانية بعد الرقة التي تخرج عن سيطرة النظام. الرقة تحت سيطرة «داعش». إدلب تحت سيطرة «جيش الفتح» بقيادة «النصرة» و «أحرار الشام»، وسط جهود لعدم تكرار تجربة الرقة وسيطرة المتشددين الأجانب.
في الجنوب أيضاً، كان «موسم الانتصارات» وتجاوز الخطوط الحمر من المعارضة وحلفائها. كانت إيران زجت بنفسها في «معركة الجنوب» في مثلث أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا بين العاصمة والجولان والأردن. أرسلت آلاف العناصر، أرادت السيطرة على هذه المنطقة العازلة مع الخليج. ذهب وزير الخارجية الأردني ناصر جودة في ٨ آذار إلى طهران. الرسالة واضحة: إن وصول «الحرس الثوري الإيراني» إلى حدود الأردن هو تجاوز لقواعد اللعبة و «يُفضل» ابتعاد إيران عن حدود الأردن و«حدود» مصالح إقليمية وغربية.
خط أحمر… يسقط
لم يكن الجواب الإيراني مرضياً للأردن وحلفائه. كانت صور قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني تحمل وراءها آثار درعا وريف حلب ومناطق في العراق. اتُخذ وقتذاك قرار اقليمي بتجاوز «خط أحمر» آخر. ليس فقط الدخول إلى المدن كما حصل في إدلب فحسب، بل بالسيطرة على الحدود. وفي بداية نيسان، سيطرت فصائل «الجبهة الجنوبية» في «الجيش الحر» على معبر نصيب بين الأردن وسورية بالتزامن مع طرد ميليشيات إيرانية من مدينة بصرى الشام معقل حلفاء إيران في ريف درعا. كان الأردن إلى ذلك الوقت يلعب لعبة مزوجة: يدعم «الجيش الحر» للبقاء على قيد الحياة، لكن لا يقطع أقنية مع دمشق. بعد خسارة معبر نصيب الأردني، لم يبق مع النظام سوى البوابات الحدودية مع لبنان. وبات لبنان نافذة الحكومة إلى العالم.
وفي أيار (مايو)، سيطر «جيش الفتح» على آخر معاقل النظام في محافظة إدلب بعد معسكرات المسطومة، فقطعت المعارضة بسيطرتها على أريحا وأورم الجوز خط الإمداد بين اللاذقية وحلب وباتت حلب أقرب إلى «جزيرة معزولة» في بحر من مقاتلي المعارضة و «داعش».
حديث المعارضة وحلفائها الإقليميين، كان: الوجهة إلى الغرب أم إلى الجنوب؟ إلى اللاذقية معقل النظام والطائفة العلوية أم إلى ريف حماة نقطة تقاطع حلب ودمشق واللاذقية. أما حديث أروقة النظام، فكان ترتيب الأولويات. أجريت دراسة نقاط الاشتباك بين القوات النظامية والمعارضة واتخذ قرار بالانسحاب إلى النقاط الاساسية والدفاع عنها. خفضت جبهات القتال إلى المنتصف. وفي منتصف تموز (يوليو)، قال الرئيس بشار الأسد أن الجيش يعاني من قلة «الموارد البشرية» وأنه سيدافع عن المناطق ذات الأولوية. وأجريت محاولات عدة لإقناع الشباب بالذهاب إلى القتال بدل المهجر. وسربت وسائل إعلام رسمية أكثر من مرة أن عناصر من إيران سيأتون إلى سورية كي ينتشروا في ريف إدلب بين حلب واللاذقية وأن معارك استعادة إدلب آتية. كما أن وزير الدفاع السوري فهد الفريج زار طهران في نهاية نيسان، طالباً تفعيل اتفاق الدفاع المشترك الذي وقع قبل نحو عشر سنوات. المطلوب، إرسال قوات نظامية إلى سورية للدفاع عن النظام.
أما إيران، فإنها في مكان آخر. كانت في مستوى آخر من اللعبة يتعلق بمفاوضات الاتفاق النووي والدور الإقليمي في الشرق الأوسط. أميركا تحجم وإيران لا تريد ما يعكر تلك المفاوضات الاستراتيجية. لكن طهران أبدت اهتماماً بوراثة قاعدة طرطوس من روسيا. ونصحت النظام بالدفاع عن النظام، وليس عن الجغرافيا. ورويداً رويداً باتت نظرية «سورية المفيدة» تتعزز وتتمأسس. شريط من جنوب دمشق إلى القلمون إلى حمص إلى طرطوس. شريط كاف لحماية مصالح إيران في توفير خط الإمداد لـ «حزب الله» وترك جبهة الجولان مفتوحة وحماية مزارات شيعية في دمشق ووضع أقدامها في مياه البحر المتوسط الدافئة.
«هذه لنا وتلك لكم»
«سورية المتبقية»؟ صحيح أن «داعش» خسر ١٤ في المئة من أراضيه بينها عين العرب (كوباني) وتل أبيض، لكنه سيطر في أيار على مدينة تدمر الأثرية ومناطق في ريف حمص. كما أن فصائل المعارضة وسعت رقعتها الجغرافية. أما أكبر خاسر للأراضي بين الأطراف المتنازعة في سورية، فكانت القوات النظامية التي خسرت 16 في المئة من الأراضي، ولم يتبق لها الآن سوى نحو 30 ألف كلم مربع أي أقل من نصف المناطق التي يسيطر عليها «داعش»، وفق تقارير دولية.
أما الأكراد، فإنهم أكبر الرابحين الذين زادت مساحتهم ١٨٠ في المئة في ٢٠١٥. وباتت الإدارات الذاتية في أقاليم الجزيرة وعين العرب وعفرين مدعمة أيضاً بتل أبيض على حدود تركيا الذي لم ترتح له أبداً أنقرة.
في «سورية المفيدة»، بات الحديث عن «الهندسة الجغرافية» وتغيير الديموغرافية أمراً واقعاً، وكانت من معالمه رعاية إيران لاتفاق مقايضة بين شيعة في الفوعة وكفريا مقابل سنة في الزبداني. ودعم هذا الحديث في آب (أغسطس) بموجة غير مسبوقة من الهجرة السورية إلى الخارج. من سورية إلى دول الجوار. ومن دول الجوار إلى أوروبا. خمسة ملايين سوري باتوا لاجئين في القوائم الدولية. مناطق النظام لم تعد آمنة. مناطق المعارضة لم تعد تطاق. الأمل بالحل لم يعد موجوداً.
واشنطن التي كانت سعيدة في رعاية تقدم المقاتلين الأكراد في استعادة عين العرب (كوباني) من «داعش» في نهاية كانون الثاني، لم تكن سعيد جداً من انتصارات حلفائها أو حلفاء حلفائها في «جيش الفتح» ولم تكن سعيدة بنكسات «خصمها» وخصوم حلفائها. سرت في أروقة البيت الأبيض معالم قلق من «انهيار النظام» وانتصارات المعارضة. وقيل أن أجهزة استخبارات «رصدت» اتصالات هاتفية أفادت بأن «داعش» الموجود في جنوب دمشق (العناصر أنفسهم الذين عقدوا صفقة للخروج إلى الرقة) على وشك الدخول إلى العاصمة وأن «انهيار النظام قاب قوسين أو أدنى».
أعيدت الحرارة إلى الاتصالات الديبلوماسية لاختبار معاني كل هذا على طاولة المفاوضات. عقدت لقاءات أميركية – روسية ولقاءات بينهما مع دول المنطقة الفاعلة.
وبعد فشل تجربة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بعقد اجتماعات اللجان الأربع، تبنى مجلس الأمن الدولي بياناً رئاسياً في ١٨ آب بتشجيع حوارات النظام والمعارضة وتشكيل «مجموعة اتصال دولية» توفر المظلة السياسي للحل. كان الرهان أن يتم هذا بعد إنجاز الاتفاق النووي الإيراني، بحيث يمكن الحديث مع إيران بالسياسة الإقليمية بعدما كان «محرماً» خلال المفاوضات النووية.
… انتقام
مع اقتراب انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول، الملف السوري أساسي: قلق في صفوف النظام. معنويات مرتفعة في صفوف المعارضة. ضبابية في الأفق. قلق أوروبي من ملف اللاجئين السوريين. قلق غربي من تصاعد تهديدات «داعش».
مهدت الدول الغربية لاجتماعات نيويورك بأنها تخلف عن تنحي الأسد كشرط مسبق لانطلاق العملية الانتقالية في سورية. حاولت هذه الدول «إغراء» موسكو وإيران بالعودة إلى طاولة التفاوض. وفي ٢٩ أيلول، التقى الرئيس باراك أوباما مع نظيره الروسي في نيويورك. كانت لدى واشنطن مؤشرات عن انخراط عسكري روسي أكثر. أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأميركية القوة الأكبر في العالم، قال رأيه لبوتين: لن تستطيع إنعاش النظام وأنه لا بد من عملية سياسية انتقالية. بعد فترة، ستعود إلى المنطق السياسي. بوتين رئيس روسيا الفيديرالية، الخارج من جروح انهيار الاتحاد السوفياتي، كان قد عزم على أمر التدخل… والانتقام.
في ٢٠٠٨، تدخل في جورجيا ولم يردعه أحد. وفي ٢٠١٤، تدخل في أوكرانيا ولم يردعه أحد. فلِمَ لا يتدخل في سورية في ٢٠١٥. من سيردع روسيا عن العودة إلى الشرق الأوسط؟ قبل ذلك، كان خبراء روس وصلوا إلى مطار اللاذقية. استلموا المطار «من بابه إلى محرابه» من الجيش السوري. بات قاعدة روسية. وبعد نحو ٣٠ ساعة من لقاء أوباما – بوتين، أقر مجلس الدوما بدقائق اقتراح إرسال قوات إلى سورية لمحاربة «داعش». القرار الروسي، لم يأتِ بعد القمة الأميركية – الروسية فحسب، بل بعد زيارات عدد من قادة الدول العربية روسيا.
٣٠ أيلول، موعد التدخل الجوي الروسي. وكان الرهان، بعيداً من خطاب أن التدخل ضد «داعش»، سيوفر الغطاء الروسي لحافاً كافياً لتقدم قوات النظام. أولى الغارات، لم تكن على «داعش»، بل كانت على «صقور جبل الزاوية» في بلدة حاس بريف إدلب. «الصقور» أحد الفصائل المدرجة على القوائم الأميركية. الغارة الثانية، كانت على تركمان ريف اللاذقية المدعومين من تركيا. إذاً، واقع الحال أن الروس جاؤوا لوقف انهيار النظام ووقف تقدم المعارضة. تلحفت القوات النظامية بالغارات الروسية وحاولت التقدم في ريف حماة في تشرين الأول (أكتوبر). لم تكن النتائج في مستوى التوقعات. قوبلت بمئات صواريخ «تاو» الأميركية التي سلمت إلى مقاتلي المعارضة. أجريت محاولة ثانية في سهل الغاب بين ريفي إدلب واللاذقية. لم يكن نصيب النجاح أكثر.
في ٢١ تشرين الأول، استيقظ سوريون ومراقبون على نبأ زيارة الأسد إلى موسكو. ما قيل علناً من وسائل الإعلام الرسمية وصور اللقاء عن زيارة الأسد من دون مساعديه إلى العاصمة الروسية، أنها تناولت التعاون في «محاربة الإرهاب». وبدا أن بوتين يريد خطاً سياسياً مع الخط العسكري، فيما تفضل دمشق الأولوية لـ «دحر الإرهاب واستعادة الأراضي» قبل بدء العملية السياسية.
لكن ما سرب، أن بوتين لم يكن راضياً عن أداء القوات النظامية و «المفاجأة» في عدم التقدم كما كان متوقعاً. أما الأمر الثاني، فهو أن التدخل الروسي لم يكن لإنقاذ أشخاص، بل لإنقاذ النظام والدولة والجيش. والأمر الثالث، بضرورة الاستعداد للعملية السياسية.
جاء بعد اللقاء، الاجتماع الوزاري لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» في فيينا في ٣٠ تشرين الأول. الاجتماع، أقر مبادئ الحل السياسي و «سورية المستقبل». الجديد في هذه المنصة، أنها ضمت إيران والدول الإقليمية الفاعلة. بعد المؤتمر حصل تطور غير مسبوق. اعتداء إرهابي في باريس له علاقة بـ «داعش» وسورية. لم يمنع انعقاد المؤتمر الثاني لـ «المجموعة الدولية لدعم سورية» في ١٤ تشرين الثاني (نوفمبر)، بل إن المشاركين أقروا خريطة طريق للحل السياسي في سورية. تفاهم أميركي – روسي على ترك «عقدة» الأسد جانباً ورسم معالم المرحلة الانتقالية عبر إجراء المبعوث الدولي مفاوضات بين الحكومة والمعارضة لتشكيل حكومة تضع دستوراً جديداً وتجري انتخابات بإدارة ورقابة الأمم المتحدة خلال ١٨ شهراً.
أما الاجتماع الثالث، فكان يتطلب «مرونة» أميركية أكثر وحل عقدة أخرى. في ٢٤ تشرين الثاني، أسقطت تركيا قاذفة روسية كانت اخترقت أجواءها في الحادثة الأولى من نوعها، يتم فيها إسقاط طائرة روسية أو سوفياتية منذ عقود. قابلته روسيا بأن استعجلت إرسال منظومة صواريخ «إس – ٤٠٠» وعززت وجودها العسكري في البحر المتوسط والشرق الأوسط. التوتر بين روسيا في «الملعب السوري» و «حلف شمال الأطلسي» (ناتو) في الملعب التركي سيكون أساسياً في المرحلة المقبلة، لكنه كشف مدى التزام أوباما بالتدخل العسكري بالحد الأدنى.
في المقابل، كانت إدارة أوباما تبحث عن «إنجاز» ديبلوماسي خلال ترؤسها دورة مجلس الأمن. أرادت عقد مؤتمر «المجموعة الدولية» في نيويورك في ١٨ كانون الأول (ديسمبر). موسكو كانت تعارض. كان الحل عند وزير الخارجية الأميركي جون كيري بزيارة الكرملين في منتصف كانون الأول والتقى بوتين. أعلن بعد ذلك تخلي واشنطن عن «تغيير النظام» السوري وأن مصير الأسد يقرره السوريون، بل إنه اقترب من الرأي الروسي في كيفية رؤية المعارضة. قبل ذلك، كانت الرياض استضافت مؤتمراً موسعاً للمعارضة السورية بين ٩ و١٠ كانون الأول، انتخب هيئة عليا للمفاوضات.
نجح الجهد الأميركي – الروسي، تفاهم الحد الأدنى، في توفير أرضية كافية لصدور القرار الدولي ٢٢٥٤ في ١٨ كانون الأول، هو القرار الدولي السياسي الأول الذي أُضيف إلى سلسلة قرارات تتعلق بالجانب الإنساني والملف الكيماوي السوري. وعلى رغم «الألغام» الكثيرة في هذا القرار بينها عدم التفاهم على قائمة «التنظيمات الإرهابية» والمعارضة الشرعية، فإن هذا القرار رسم معالم الطريق وخريطة الحل وإطاره الزمني وأنعش آمال المبعوث الدولي بعقد جلسة جديدة من المفاوضات بين الحكومة والمعارضة في ٢٥ الشهر المقبل.
بين السماء والأرض
هذا في الديبلوماسية، أما في الأجواء، فإن طائرات أميركية وبريطانية وفرنسية وتركية ومن التحالف الدولي، باتت تسرح وتمرح في أجواء سورية، إلى جانب الطائرات الروسية. وإلى التفاهم السياسي، كان لا بد من تفاهمات عسكرية لترتيب خطوط الطيران بين القاذفات لمحاربة «داعش» الذي زاد عدد مقاتليه الأجانب في سورية والعراق إلى ٣٠ ألفاً خلال ٢٠١٥.
في أرض المعركة، ينتهي العام بخمسة أحداث: الأول، اتفاق لخروج عناصر «داعش» وعائلاتهم من جنوب دمشق إلى الرقة معقل التنظيم، علماً أن «القلق من سقوط دمشق في أيدي داعش»، كان المحرك الخطابي في أسباب الوجود العسكري الروسي. الثاني، غارة روسية تقتل قائد «جيش الإسلام» ومؤسسه زهران علوش قبل أن يجف حبر الاتفاق – المرجعية الذي أنجرته المعارضة السياسية والعسكرية في الرياض لخوض المفاوضات مع الحكومة بموجب «بيان جنيف» والقناعة بالحل السياسي بدلاً من العسكري. الثالث، اتفاق غامض بسحب عشرات من عناصر «جبهة النصرة» من ريف درعا إلى محافظة إدلب معقل «جيش الفتح» الذي تشكل «جبهة النصرة» أحد اركانه. الرابع، بدء تنفيذ اتفاق نقل جرحى من بلدتي الفوعة وكفريا في ريف إدلب ونقل جرحى وعائلات من الزبداني في شمال دمشق. طائرة تركية تنقل الجرحى في الاتجاهين برعاية إيرانية. الخامس، اغتيال سمير القنطار في ضواحي دمشق بغارة يعتقد أنها اسرائيلية. القنطار الذي عمل على تأسيس بنية تحتية في الجولان وربط جبهتي الجنوب السوري والجنوب اللبناني مع إسرائيل. اغتيال جاء بعد إعلان موسكو أنها أقامت «خطاً أحمر» بين القاعدة الروسية في مطار حميميم في اللاذقية غرب سورية والجيش الإسرائيلي في تل أبيب.
ستبقى هذه التسويات والاغتيالات عناوين ما يمكن أن يُجرى في عام ٢٠١٦ بغطاء روسي يوفره نحو مئة قاذفة ومقاتلة وتحميه صواريخ «إس – ٤٠٠». صواريخ لم تشكل قلقاً لإسرائيل التي كانت قلقة سابقاً من نشر الجيل السابق لها، وهو «إس – ٣٠٠». لكن الثابت، أن التدخل الروسي غيّر جميع قواعد اللعبة في سورية ويخطط لاستئصال المنطقة الوسط بين النظام و «داعش». والثابت أيضاً، أن التفاهمات الأميركية – الروسية الغالبة على الطموحات الإقليمية رهينة للسنة الأخيرة من عمر إدارة أوباما… وأن سورية مستنقع مليء بالمفاجآت.