تسبب وباء الطاعون في وفاة الملايين من الأشخاص على مدار قرون من الزمن. وبالرغم من أن هذه الجرثومة لم تكن خطيرة بهذا القدر، إلا أن تغيرات وراثية طفيفة كانت السبب في تحولها من كائن متوسط الخطورة إلى كائن فتاك.
كبدت بكتيريا “يرسينيا بيستيس” الجنس البشري كماً هائلاً من البؤس والتعاسة على مدار قرون من الزمن إذ أبادت ما يقدر بنحو 200 مليون شخص ونشرت أوبئة مروعة إبان القرنين السادس والرابع عشر. غير أن هذه الجرثومة لم تكن دوماً بهذا القدر من الخطورة، إذ أعلن علماء أمس الثلاثاء (30يونيو/ حزيران 2015) أن تغييرات جينية طفيفة جرت قبل عدة قرون تضمنت إضافة جين حدثت له طفرات فيما بعد، قد حولتها من كائن دقيق متوسط الخطورة إلى كائن فتاك.
وتسببت بكتيريا “يرسينيا بيستيس” في وباءين شرسين خلال التاريخ البشري، الأول هو طاعون جوستينيان في القرن السادس إبان حكم الإمبراطور البيزنطي جوستينيان، الذي أصيب بالمرض ولكنه شفي منه، والثاني هو طاعون “الموت الأسود”. وتتسبب البراغيث والفئران في نقل جرثومة المرض للبشر.
وأجرى الباحثون تجارب على الفئران والجرذان لرصد التغيرات الجينية الفتاكة التي طرأت على هذه البكتيريا، واستخلصوا سلالة قديمة من البكتيريا لا تزال موجودة في العالم تم عزلها من إحدى قوارض منطقة آسيا وأدخلوا عليها جين يتسبب في إذابة جلطات الدم، الأمر الذي أدى إلى إضفاء قوة فتك جبارة للبكتيريا تسببت في إصابة رئوية قاتلة.
وأدت إضافة هذا الجين على مر العصور إلى تحويل بكتيريا “يرسينيا بيستيس” من كائن مسبب للأمراض منها عدوى بسيطة في المعدة والأمعاء إلى نوع قاتل يسبب مرضاً تنفسياً وبائياً شرساً يسمى الالتهاب الرئوي الطاعوني. ووجد العلماء أيضاً أن طفرة معينة من نفس الجين، وهي طفرة موجودة في السلالات الحديثة من هذه البكتيريا، مكنت الجرثومة من الانتشار داخل جسم الإنسان واختراق الغدد الليمفاوية، مثلما يحدث في مرض الطاعون الدبلي.
وقال وندام لاثيم، عالم الميكروبيولوجيا بكلية طب شيكاغو، والذي أشرف على البحث الذي أوردته دورية “نيتشر كومينيكيشنز”، إن التقديرات تشير إلى أن طاعون جوستينيان أباد من 25 إلى 50 مليوناً من البشر، في ما أهلك طاعون “الموت الأسود” 150 مليوناً على الأقل.
وأضاف لاثيم: “تركت بكتيريا ’يرسينيا بيستيس’ بصمات واضحة على مسيرة الحضارة الإنسانية”، موضحاً أن من الصعوبة بمكان أن نعرف على وجه الدقة متى حدثت الإضافة لهذه البكتيريا، التي اكتسبت ثم فقدت جينات عديدة على مر الزمن، ولكنه رجح “أن يكون ذلك قد حدث منذ أكثر من 1500 عام على الأقل”، ما يعني أنه ربما يكون قد جرى قبل استفحال طاعون جوستينيان في القرن السادس الميلادي.
وتابع لاثيم بالقول إنه “أمر يجب أن نضعه في الحسبان ونحن ندرس البكتيريا الأخرى المسببة للأمراض. الأمر لا يتطلب سوى حدوث تغير بسيط ثم قد نفاجأ على حين غرة بوباء عالمي جديد من نوع ما”.