كيف تسهم مواقع البحث على الإنترنت في الحد من خياراتنا

أصبحت المجموعات الرقمية المعروفة باسم الخوارزميات، المستخدمة خلال البحث على مواقع الإنترنت، تخطط لنا حياتنا من خلال ما تقترحه علينا من نتائج محددة سلفا.

باتت الخوارزميات التي تتنبأ بالنتائج بناء على معلومات مختزنة مسبقًا على مواقع الإنترنت تخطط لنا حياتنا، وتجعلنا نرى الأمور من منظور ضيق، مما يؤدي في النهاية إلى الحد من خياراتنا.

وبما أننا نعيش في عصر تُجمع فيه البيانات، ويُختار منها ما يُعرض من بين مجموعة كبيرة من الاحتمالات، أصبح الإنترنت يساعدنا في العثور على ما نريده، من خلال الخوارزميات التي تتنبأ بما نبحث عنه، أو نشتريه، أو نستمع إليه، أو نقرأه، أو نشاهده، أو حتى بالأشخاص الذين نفضل الخروج معهم، وشركاء حياتنا.

إعلان

هذا إن كان ما نريده الآن يشبه ما اخترناه سابقًا. وهذا هو بيت القصيد، فإن هذه الخوارزميات القوية التي تدخل في كل صغيرة وكبيرة على شبكة الإنترنت تجعلنا لا نرى إلا القليل من كل ما هو جديد ومختلف وغير معتاد، على الرغم من أنها صممت خصيصًا لدعم اهتماماتنا.

لكن في الحقيقة، لا يمكن أن نتعلم ولا نفهم ولا نبتكر من دون معرفة كل ما هو جديد، ومختلف، وغير معتاد. فهذه الثورة الرقمية بدلًا من أن تساعدنا على الخروج من منطقة الأمان التي نحاط فيها بكل ما هو مألوف، جعلت كلًا منا يعيش في عالمه الخاص، غير عابئ بما يحدث خارجه، وبذلك تفوت علينا كل الفرص للإبداع والعفوية والتعلم.

كيف تحدد لنا الخوارزميات اختيارتنا؟
يحدث ذلك لأننا نتهافت على موقع أمازون لنشتري ما ترشحه لنا تلك الخوارزميات، ونقرأ الأخبار التي تدعم الآراء التي نؤمن بها بالفعل، ونعتمد على مواقع التعارف والمواعدة التي تبحث لنا عن أشخاص لهم مواصفات مشابهة لمواصفاتنا.

لا يمكن الاستهانة بتبعات العيش في قالب نمطي تضعه لنا خوارزميات البحث، فنحن ندفع الثمن فكريًا واجتماعيًا.

ولنأخذ مثالًا على ذلك من الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، حيث قيل إن حالة الاستقطاب السياسي الحاد ترسخت وأصبحت جلية للعيان، وذلك لأنه كلما بحث الناس عن أدلة إثبات لتؤيد ما تأصل لديهم من معتقدات، وجدوا أنفسهم في دائرة مغلقة من الأفكار والمعلومات الداعمة لأفكارهم.

وانقسم الأمريكيون على أنفسهم، وبات كلٌ شخص يفسر الأمور في البلاد من منظوره الخاص. فإذا اعتدنا زياره بعض المواقع الإخبارية دون غيرها ولم نقرأ إلا لبعض الخبراء والمحللين، فستصبح البيانات التحليلة للأحداث الجارية المختارة والمنطمة بناء على اختيارتنا مختلفة تمامًا عن البيانات التحليلية لغيرنا من مستخدمي الإنترنت من ذوي الآراء والخبرات المختلفة في الحياة.

إن إشكالية ضيق الأفق تؤثر أيضًا على التجارة والريادة. وقد أوضحت الأبحاث مرارًا وتكرارًا أن سعة الأفق تبعث على الرضا والسعادة، والأهم من ذلك أنها ترشدنا إلى اتخاذ القرارات الصائبة.

بالتأكيد هذا ما يميز أفضل رؤساء العمل، هؤلاء الزعماء الاستثنائيون الذين استطاعوا أن يؤسسوا شركات مزدهرة من خلال نشاطهم في العمل وقدرتهم على الابتكار في الأساليب الإدارية والممارسات التجارية، على حد سواء.

وتوضح ورقة بحثية نشرت مؤخرًا في دورية “الإدارة الاستراتيجية” أهمية التركيز على المعطيات العامة للوصول إلى التفاصيل الدقيقة، والتركيز على التفاصيل للوصول إلى الأفكار العامة، وذلك لإدراك الفرص الجديدة واقتناصها.

فعلى الرغم من أن التركيز على المعطيات العامة للوصول للتفاصيل، مثل الاستناد إلى المعلومات والتجارب السابقة، يحظى بقدر من الأهمية، إلا أنه يحجب عنا ما يطرأ في المجال من تغيرات غير متوقعة.

وفي المقابل، يسمح لنا التركيز على التفاصيل من أجل الوصول إلى الأفكار العامة، مثل ملاحظة التغييرات في البيئة رغم ما لدينا من معلومات سابقة، بالاهتمام بالفرص غير المتوقعة التي تمثل أهمية للمنافسة واغتنامها.

ما هي منطقة الأمان؟
مازالت أمامنا الفرصة للخروج من سطوة الخوارزميات، لئلا نصبح نحن وأفكارنا قيد تجاربنا واختيارتنا السابقة.

وعلى عكس ما قد يظن البعض، ليس من الصعب أن نوسع مداركنا وآفاقنا وأن نتقبل الأفكار الجديدة على المستوى العملي والشخصي.

ولنبدأ في مكان العمل بالأشخاص الذين يجري توظيفهم. فإذا اخترت موظفين غير معتادين من بين المرشحين للمنصب، أي أشخاصٌ يفكرون بطريقة مختلفة عن سائر أفراد الفريق، فسوف تستفيد في الغالب من وجهات النظر المختلفة التي سيعرضها هؤلاء، وهذا سيساعدك في الخروج بحلول أو أفكار مبتكرة.

وبينما تبحث الخوارزميات في السير الذاتية عن كلمات أو عبارات استرشادية، فماذا لو قضيت بعض الوقت في قراءة كل سيرة ذاتية على حدة، أو حاولت أن تبحث عن كلمات استرشادية مختلفة؟ والأفضل من ذلك، اذهب بنفسك لاكتشاف المواهب أينما تجدها.

وإن كنت تمسك بزمام الأمر في الشركة، من الأفضل أن تتبنى مبدأ التغيير لكي تصقل قدرتك على الابتكار على المدى الطويل.

فبدلًا من أن تبني مؤسسة أو تشكل فريقًا باتباع الطريقة النمطية، من الأجدى أن تقيم المؤسسة على مجموعة من المبادئ، وتطلب من الموظفين أن يقترحوا أساليب جديدة للعمل في المؤسسة، على ألا تتعارض هذه الأساليب مع المبادئ التي تقوم عليها المؤسسة، ولكن لا مانع من أن تكون مختلفة عنها تمامًا.

وهذا ما يميز الرؤساء الاستثنائيين عن غيرهم، مثل جاي شيات، مؤسس وكالة “شيات/ داي” للإعلان، والذي تقلد منصب الرئيس التنفيذي بالوكالة لفترة طويلة. إذ كان شيات يكافيء الموظفين عندما يتبعون أساليب مختلفة في تنفيذ الأعمال، حتى لو لم تحقق جهودهم النتيجة الموجوة.

والأهم من ذلك، كن صريحًا مع نفسك، فإذا كنت ترى أنك ضيق الأفق، عليك أن تفكر جديًا في المواظبة على اختيار الأفكار التي تخرج عن إطار الأفكار المعتادة.

ففي المرة القادمة، عندما تخرج مثلًا لتناول الطعام، فلتجرب أحد المطاعم التي لا تقبل عليها في المعتاد. ولتشاهد فيلمًا يختلف تمامًا عن نوعية الأفلام التي اعتدت مشاهدتها. ولم لا تنضم إلى مجموعة من قراء الكتب للقراءة معًا؟

وإذا كنت تنوي حضور حفل أو مناسبة اجتماعية، فلتخصص بعض الوقت للتحدث إلى شخص يتبنى وجهات نظر مختلفة عنك قدر الإمكان، واطلب منه أن يقترح عليك بعض الكتب أو الأكلات أو الأفلام.

ويمكنك الاستعانة ببعض المواقع والتطبيقات، مثل موقع (Procon.org)، الذي يعرض الآراء المتعارضة في المواضيع المثيرة للجدل.

كما تتيح لك بعض التطبيقات، مثل “إيربيتس” فرصة استكشاف مقطوعات موسيقية جديدة بالضغط على الأنواع المختلفة من الموسيقى، بدلًا من عرض المزيد من المقطوعات الموسيقية المشابهة للمقطوعات التي نالت إعجابك بالفعل.

ربما يتطلب البحث عن كل ما هو جديد بذل بعض الجهد، ولكن مع اقتراب العام الجديد، فكر في الأمور على النحو التالي: بما أن الخوارزميات والذكاء الاصطناعي أصبحا أكثر كفاءة في التنبؤ باحتياجاتنا، وتضييق أفقنا، فقد بات لزامًا علينا أن نصمد ونتعلم كل ما هو جديد، من أجل الحفاظ على القيم التي تميزنا كبشر عن غيرنا، سواء في مضمار العمل أو في الحياة العامة. وتأكد أن هذه الجهود ستؤتي ثمارها.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital .

+ -
.