تتسم السياسة الغربية تجاه سوريا بأنها بالتقلب، فهل يمكن أن يكون توقيت التحرك العسكري الروسي في هذا البلد مناسبا أكثر؟
لابد أن عملية نقل عشرات الطائرات المقاتلة ومئات الجنود لمساعدة الرئيس، بشار الأسد، حصلت على الضوء الأخضر قبل عدة أسابيع، بالنظر إلى ما كان يحدث خلال الأيام الـ 10 الماضية، في ضوء التقارير التي تشير إلى أن ظهور الروس في قاعدة جوية بالقرب من معقل الأسد في مدينة اللاذقية.
وفي ضوء تعثر السياسة الأمريكية والجدل المثار حول قدرة الحملة الجوية التي تشنها واشنطن على إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية، قرر مبعوث الرئيس المكلف بتنسيق عمليات التحالف الدولي ضد التنظيم الجنرال المتقاعد، جون ألين، وعدد من كبار المسؤولين الآخرين التنحي.
وكان الجنرال ألين يعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تكون أكثر صرامة في موقفها بشأن الإطاحة بالرئيس الأسد، وضرورة وجود منطقة آمنة في شمال سوريا – لكن يبدو أن الأمور تتحرك بعيدا عن ما كان يطالب به.
وخلال الأسبوع الماضي، أدلى الجنرال الأمريكي الذي يدير القيادة المركزية، وهي ذراع وزارة الدفاع الأمريكية في الشرق الأوسط، بشهادة مهينة أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ اعترف خلالها بأن عدد المعارضين السوريين الذين تدربوا في البرنامج الأمريكي الذي وصلت تكلفته إلى 500 مليون دولار والذين شاركوا بالفعل في العمليات القتالية في ميدان المعركة لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، وأن خطط فرض منطقة آمنة في شمال سوريا لحماية المدنيين لن يكون لها معنى من دون قوات برية، لكنه لا يوصي بإسناد مثل هذه المهمة لجنود أمريكيين.
أما بالنسبة لبريطانيا، فكان مجلس الأمن القومي يدرس الأسبوع الماضي مقترحات طموحة بتفويض قوات للمساعدة في حماية المدنيين في شمال سوريا.
وخلال الأسبوع الجاري، يواجهون احتمال أن تصبح الطائرات التي تقصف المناطق التي يسيطر عليها المعارضون، في القريب العاجل، روسية وليست سورية..
أما البلدان الأخرى – فرنسا، هولندا، وأستراليا – فهي إما تفكر في شن هجمات على أهداف في سوريا تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” أو أنها بدأت بالفعل في شن مثل هذه الهجمات في الآونة الأخيرة.
هل سيفترض كثير من السوريين الآن أن هذه المهام كلها جزء من نفس الجهد المبذول من جانب روسيا لإنقاذ حكومة الرئيس الأسد؟
لقد دخلت جميع الحسابات في المنطقة في حالة من الفوضى بسبب سرعة وحجم انتشار القوات الروسية.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي صباح الثلاثاء لاحظت أن اثنين من الأساتذة البارزين للدراسات الاستراتيجية يناقشان “الشعور بالغيرة من بوتين” بين زملائهما الغربيين.
كان واضحا منذ أواخر أغسطس/ آب الماضي أن إسرائيل تتوقع نشرا وشيكا لأسراب مقاتلة روسية – لجأ الأمريكيون إلى المماطلة لبضعة أيام قبل إعطاء أي رد على هذه الأنباء المبكرة، إدراكا منهم أن الرئيس بوتين كان على وشك أن يفعل ما كان يخشى الرئيس أوباما القيام به على الأرض منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية قبل أربع سنوات.
وبداية من 20 أغسطس/ آب بدأت 20 شاحنة تنقل المعدات من موانئ البحر الأسود، عبر مضيق البوسفور، إلى ميناء طرطوس السوري.
جاءت هذه العملية بعد نمط عسكري منطقي: تأمين مطار اللاذقية، وتحسين مرافقه، وإنشاء دفاع ضد أي هجوم جوي محتمل، وأخيرا، أن يكون لديك الطائرات المقاتلة الخاصة بك.
ثم بدأت عشرات الرحلات الجوية لطائرات شحن من طراز أنتونوف الثقيلة تتجه نحو سوريا.
واعتبارا من صباح الثلاثاء أرسل الروس 28 طائرة مقاتلة (12 قاذفة من طراز سوخوي سو-24، و12 طائرة هجوم أرضي من طراز سوخوي سو-25، و4 مقاتلات متعددة المهام من طراز سوخوي سو-30)، ونوعين من الطائرات بدون طيار، و20 طائرة هليكوبتر (مزيج من طائرات وناقلات الجنود).
وتشير بعض التقارير إلى أن انتشار القوات الروسية كان كبيرا بحيث أنه سيكون في حاجة إلى أكثر من مطار واحد لاستيعاب العمليات، وبالفعل تشير أحدث صور الأقمار الاصطناعية في المنطقة الساحلية السورية إلى أن المطارات الأخرى تستعد لمزيد من القوات.
وقال مسؤولون في البنتاغون يوم الاثنين إن طائرات بلا طيار بدأت العمل بالفعل، ومن المفترض أنها تبحث عن أهداف، ويمكن أن تقوم بعمليات جوية هجومية “في غضون أيام”.
لقد نقل الروس في غضون أسبوعين قوة هجومية تعادل تقريبا عدد الطائرات القليلة المتبقية في سوريا – ولكن مع مزيد من الأسلحة الموجهة الحديثة وأنظمة المراقبة.
تشبه هذه المبادرة تماما تحركات الكرملين في أوكرانيا العام الماضي.
ثمة اختلافات واضحة في الرؤية بين البيت الأبيض وبعض الحلفاء الأوروبيين الذين يستقبلون مئات الآلاف من اللاجئين من سوريا.
وقال موقع “ديلي بيست”، الذي يسعى لمعرفة رأي المسؤولين الأمريكيين، يوم الاثنين: “بصفة خاصة، بدا أن كثيرين يرحبون بالتدخل الروسي إذا كان ذلك سيخفف العبء على الولايات المتحدة فيما يتعلق بالحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.”
وفي بريطانيا، حيث تسعى الحكومة لمعرفة رأي البرلمان بشأن التدخل العسكري، وفي ضوء الاقتراب من الإعلان عن دعم لندن لفرض منطقة حظر جوي لوقف القصف السوري في شمال البلاد، يبدو العمل الروسي مثيرا للقلق الشديد.
وكانت عمليات القصف من جانب الأسد هي سبب سقوط معظم الضحايا في الحرب، بل والملايين الذين فروا من منازلهم.
ولكن مع احتمال إضافة القوة الروسية إلى ذلك، يمكن أن تشهد بريطانيا المزيد من اللاجئين، علاوة على أن فرض منطقة حظر جوي ضد القوات الجوية لبوتين بات بمثابة تصعيد خطير له مخاطر هائلة.
إن الحاجة لمنع كل طرف من إسقاط طائرات الطرف الأخر عن طريق الصدفة هو ما جعل الأمريكيين والإسرائيليين ينسقون أو “يتجنبون المواجهة” بسرعة مع روسيا.
يعد وصول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع رئيس هيئة الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية إلى العاصمة الروسية موسكو الاثنين لعقد مناقشات غير مسبوقة مع الجيش الروسي مقياسا على أي مدى يستحق تحرك الكرملين مصطلح “مغير قواعد اللعبة”، الذي يبالغ البعض في استخدامه في كثير من الأحيان.
وإذا كان هناك إعجاب على نطاق واسع بين الخبراء الاستراتيجيين ورجال الجيش في الدول الغربية بالحس التكتيكي للرئيس بوتين واستعداده لقبول المخاطر ورغبته في إظهار خواء الخطاب السياسي الغربي، فهناك أيضا مجموعة تعتقد أنه لا يملك خطة أكبر وأن أفعاله على مدى الـ 18 شهرا الماضية قد أدت إلى مقتل آلاف الأرواح في أوكرانيا، وتكبيد روسيا تكاليف اقتصادية هائلة.
ما هي نهاية اللعبة؟ هل ستكون سوريا هي أفغانستان بوتين؟
لقد أعطى بوتين تفسيرات عامة حول ما يحاول تحقيقة. وقال وهو يجلس بجانب نتنياهو أمس: “هدفنا الرئيسي هو حماية الدولة السورية”.
وردا على المخاوف الإسرائيلية من نية سوريا رعاية هجمات لمتشددين عبر مرتفعات الجولان، قال بوتين لضيفه إن الجيش السوري ليس في وضع يمكنه من فتح جبهة ثانية.
يتمثل هدف الكرملين، الذي أعلن عنه بوضوح، في منع انهيار الدولة السورية – أو ما تبقى منها. وقال بوتين الأسبوع الماضي إنه يعتزم منع انهيار كامل لسلطة الحكومة بالشكل الذي حدث في ليبيا، بعد تدخل حلف شمال الأطلسي هناك عام 2011.
إنها رسالة ذكية تلقي الضوء على الجرم الغربي فيما حدث منذ الإطاحة بالعقيد القذافي.
وأكثر من ذلك، تلقى فكرة الحفاظ على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية السورية، في الوقت الذي يتم فيه العمل من أجل تشكيل حكومة انتقالية أو التوصل لعملية سلام، بعض الدعم في الدول الغربية، وقد حدث تحول في السياسية الأمريكية بشكل ملحوظ خلال الأيام الأخيرة للسماح للرئيس الأسد بالبقاء في السلطة في الوقت الحاضر، مما يجعل الإطاحة به من السلطة هدفا لاحقا بعد سحق تنظيم “الدولة الإسلامية”.
جماعات المعارضة السورية تتجاهل بالفعل الأبعاد الخفية لهذه الرسالة – خوفا من أن يكون تحول واشنطن والتنسيق العسكري مع روسيا علامات على أنها تقف الآن فعليا مع الأسد.
لكن الشيء الذي لا يعرفه أحد هو ما إذا كانت روسيا ستواصل إرسال قوات برية إلى سوريا – ونشر تلك القوات بأهداف هجومية أكثر من مجرد حماية المجال الجوي والمرافق البحرية.
تشير تقارير بالفعل إلى أن الروس يقاتلون على الخطوط الأمامية، لكن حتى الآن بأعداد صغيرة لا تكفي لإحداث فارق كبير.
ربما سيعطينا خطاب بوتين في الأمم المتحدة بنيويورك الأسبوع المقبل فكرة عن خطته الأوسع نطاقا – بل وإلى أي مدى قد أذعنت الولايات المتحدة وغيرها لذلك.
ولكن الآن، يمكننا مشاهدة الأحداث على أرض الواقع، وطرح هذه الأسئلة خلال الأسابيع المقبلة: متى تبدأ الضربات؟ ما الذي نستنتجه من أهداف هذه الضربات؟ كيف سيكون رد فعل روسيا إذا ألقى القبض على أفرادها؟ وهل سيتم نشر قوات برية أكبر؟