
قد يكون من الصعب جدا الحفاظ على قرارات نتخذها عند بداية العام الجديد، نظرا لأن العام الأرضي يستمر 365 يوما، وهي مدة طويلة جدا للعيش من دون تناول شيكولاتة بداية العام، أو من دون مشاحنات مع الأقارب.
لعل سكان الكواكب الأخرى، إذا كانوا موجودين في الأساس، كانوا ليتبنوا مواقف مختلفة تجاه الوعود التي يقطعونها في بداية كل عام. ذلك لأن مدة العام على بعض الكواكب تكون أقصر بكثير من عام الأرض، وعلى كواكب أخرى تكون أطول بكثير من عام الأرض.
فلماذا هذا الاختلاف الهائل في أطوال السنين؟ حجم النجم له بعض التأثير، لأن النجوم الأكبر حجما تدور كواكبها حولها بسرعة أكبر مقارنة بالنجوم الأقل حجما. كما أن المسافة المدارية تلعب الدور الرئيسي في ذلك.
يقول ديفيد كبنغ، من مركز “هارفارد سميثونيان” للفيزياء الفلكية في كيمبردج ماساتشوستس في الولايات المتحدة: “يتم تحديد طول سنة الكوكب بناء على مدى بعده عن النجم.”
في نظامنا الشمسي، الكوكب الأقرب إلى الشمس هو عطارد، والذي لا يستغرق العام فوق سطحه سوى 88 يوما أرضيا. وربما لا تزال هذه المدة طويلة جدا للتشبث بقرارات رأس السنة، فمن الغريب حقا أن سنة عطارد أقصر من اليوم الواحد على سطحه.
والسبب هو معدل دوران عطارد البطيء، فيوم واحد هناك يعادل 167 يوما أرضيا، أي أن اليوم على سطحه يعادل طول العام الواحد مرتين.
في المقابل نجد نبتون، الكوكب الأكثر ابتعادا عن نظامنا الشمسي، وذلك بعدما تم استبعاد بلوتو وتصنيفه ككوكب قزم.
يزيد بعد نبتون عن الشمس حوالي 30 مرة عن بعد الأرض عن الشمس، ويحتاج إلى 165 سنة أرضية ليتم دورة واحدة.
إذن متى تصادف ليلة رأس السنة على هذه الكواكب؟ بعبارة أخرى، أي لحظة في دورة نبتون يمكن اعتبارها لحظة منتصف الليل في 31ديسمبر/كانون الأول؟
على الأرض، يعتبر خيارنا للأول من يناير/كانون الثاني كأول يوم من العام عشوائيا بعض الشيء، لكن هناك طريقة لربطه بشكل أكبر بمدار الكوكب، وذلك لأن مدارات الكواكب ليست دائرية تماما، بل بيضاوية.
وذلك يعني أن هناك نقطة في مدار كل كوكب يكون الكوكب فيها أقرب إلى الشمس. ويمكننا أن نعتبر هذه النقطة التي تسمى “الحضيض” هي علامة حلول السنة الجديدة.
وهذا يعني أن أهالي نبتون، في حال وجودهم، سيحتفلون برأس السنة المقبل في عام 2042، أما أهالي عطارد فما عليهم إلا أن ينتظروا حتى 22 يناير/كانون الثاني 2015، أما نحن أهل الأرض فعلينا أن ننتظر حتى الرابع من يناير/ كانون الثاني 2015، علما أن الموعد يختلف من سنة لأخرى.
ولكن كون سنة نبتون هي الأطول في نظامنا الشمسي، لا يعني أن هذا الكوكب هو صاحب الرقم القياسي في المجرة مهما ابتعد خيالنا.
ومع ذلك، تظل مسألة أي الكواكب يحمل ذلك اللقب أمرا جدليا، ويقول آدم كروس، من جامعة تكساس في أوستن في الولايات المتحدة، “تدخل مسألة السنة الأطول (على الكواكب) ضمن النقاشات الدائرة حول الكتلة التي يمكن اعتبارها كوكبا.”
وقد تأكد وجود ما يقارب 2,000 كوكب خارج النظام الشمسي، مع احتمال وجود نحو 3,000 كوكب آخر. وتقول ماري إيف نود، من جامعة مونتريال في كندا، “ليس هناك تعريف رسمي حتى الآن للكوكب الموجود خارج المجموعة الشمسية.”
ومع ذلك، يمكننا التركيز على مجموعة محددة. أولا، نستبعد الكواكب التي تزن 13 مرة أكثر من كتلة كوكب المشتري، لأن مثل هذه الأجسام الثقيلة تعتبر عادة شبه نجوم، وتدعى “الأقزام بنية اللون”. ثم نصر على أن كواكبنا جميعا هي نجوم حقيقية ذات مدارات، أو على الأقل هي البقايا الميتة للنجوم بدلا من أقزام بنية.
وفي تلك الحالة، يذهب اللقب إلى النجم الذي يدعى “جي يو بيسيوم بي”، حسب قول نود التي قادت فريقا علميا توصل إلى هذا الاكتشاف في وقت سابق من العام الماضي. وتضيف نود أن ذلك النجم الذي يعتبر مداره أكبر بسبعين مرة تقريبا من مدار نبتون، يبلغ العام على سطحه نحو 163,000 سنة أرضية حسب تلك التقديرات.
وعلى الجانب الآخر تماما، يكون من السهل التقيد بقرارات السنة الجديدة على كوكب “بي إس آر 1719-14بي” صاحب أقصر عام معروف على الإطلاق. فمع القليل من الإرادة، بإمكانك أن تلتزم بالأخلاق الحميدة لمدة سنة كاملة، وربما فترة أطول على سطح ذلك الكوكب. إذ يدور “بي إس آر 1719-14بي” دورة كاملة حول النجم في زمن يزيد قليلا عن ساعتين أرضيتين فقط، مما يجعله صاحب أقصر سنة معروفة في هذا العالم الغريب.
ويعود ذلك إلى كون هذا الكوكب أقرب إلى نجمه بمائتين وخمسين مرة مقارنة بقرب الأرض من الشمس. ويدور ذلك الكوكب حول كتلة فضائية تدعى “النجم النابض” لأنه يحدث نبضا إشعاعيا شديد السرعة.
وهذه ليست مجرد أخبار تافهة حسب كبنغ الذي يقول، “إن سنة الكوكب هي واحدة من أهم معايير القياس للكواكب الواقعة خارج النظام الشمسي، وهي تعلمنا عن مدى بعد كوكب ما عن نجمه، وهذا يكشف درجة حرارة الكوكب.”
“فبالنسبة لكوكب عطارد، يمكنك معرفة أنه كوكب ساخن جدا بحيث لا يمكن أن توجد حياة على سطحه، وبالنسبة إلى كوكب المشتري، يمكنك معرفة أنه شديد البرودة.”
نظريا، يمكن لكوكب ما الدوران بعيدا جدا، وحتى أبعد من كوكب “جي يو بيسيوم بي”، ويمكن حدوث ذلك أيضا في نظامنا الشمسي حسب قول كبنغ. ويعود سبب ذلك إلى أن الشيء الوحيد الذي يقيد دوران الكوكب هو النجوم الأخرى التي بإمكانها إن تسحبه بجاذبيتها.
ويوضح كبنغ أن النجوم تتحرك، لكن حاليا، يعد النجم الأقرب إلى الشمس هو “بروكسيما سنتوري” الذي يبعد حوالي 4 سنوات ضوئية. لذا فأي شيء أقرب من نصف تلك المسافة-حوالي 4,000 ضعف مدار نبتون- قد يدور حول الشمس، حسب كبنغ. وفي الواقع، فإن النظام الشمسي محاط بقشرة من الأجسام المجمدة التي تمتد إلى تلك المسافة تقريبا.
ونظريا، قد توجد كواكب ضمن مدار عطارد، لكنها لا يمكن أن تقترب من الشمس أكثر من ذلك. ويقول سكوت كنيون من مركز “هارفارد سميثونيان” للفيزياء الفلكية إن الصخور تبدأ بالتبخر عند درجة 1,200 مئوية، لذا فإن عطارد يبدأ بالتبخر إذا كان أقرب من ذلك بأربعة أضعاف.
وفي مدارات أضيق من ذلك، يمكن لقوة سحب الجاذبية للشمس أن تدمر الكوكب. ويقول كبنغ، “هناك قدر محدد من الضغط الذي يمكن أن تتحمله الصخرة قبل أن تنكسر”. ويدعى هذا البعد “حد الصخرة”، وبالنسبة لكوكب صخري مثل عطارد فإن هذا الحد يقارب 1 في المئة من بعد مدار عطارد عن الشمس.
يقول كبنغ “نعتقد أننا نرى بعض الكواكب الخارجية التي على وشك أن تتأثر بذلك”. فعلى سبيل المثال، يدور كوكب “كيبلر-78 بي” دورة كاملة حول مضيفه بحوالي 8.5 ساعة، ويدور حول نجمه بسرعة تبلغ 1 في المئة من البعد الدوراني للأرض.
وقد يكون هذا الكوكب هو الكوكب الخارجي الذي تعتبر سنة دورانه حول نجم عادي لا يزال مشعا هي الأقصر من بين جميع الكواكب، بحسب ويليام بوروكي، رئيس السفينة الفضائية كيبلر للبحث عن الكواكب التابعة لوكالة الفضاء الأميركية ناسا.
وآخر نقطة في هذا السياق هي أنه إذا لم تتمكن من التقيد بقرارات السنة الجديدة الآن، فتذكر أن السنة الأرضية قد تكون أطول مرتين في المستقبل. وهذا مرده إلى أنه خلال 5 بلايين سنة أو ما يقارب ذلك، فإن الشمس ستنتفخ لتصير نجما أحمرا هائلا. وقد تبتلع الأرض بالكامل، ولكن قد يمكن تفادي ذلك كما يتوقع البعض إذا ما تناقصت نصف كتلة الشمس في الرياح قبل التمدد.
وإذا حصل ذلك، كما يقول كروس، فسوف تدور الأرض في فلك خارج مدار المريخ الحالي. وسوف تستغرق حينها سنتين تقريبا لتدور حول الشمس. وقد تشعر أن تلك فترة طويلة دون تناول شيكولاتة العام الجديد.