تنقسم التكهنات حول نتائج خروج اليونان من منطقة اليورو إلى فئتين: واحدة تعتبر خروجها بداية انهيار لليورو، وأخرى تفيد بأنه سيضر بدول اليورو لكن الخيرة تتخطى سلبياته خلال فترة قصيرة.
ومع تحديد الخامس والعشرين من الشهر الجاري موعداً لإجراء الانتخابات المبكرة، واحتمال فوز حزب اليسار «سيريزا» فيها وتشكيله حكومة بمفرده أو بدعم من أحزاب أصغر، تدور شكوك كثيرة حول السياسة الاقتصادية التي يريد الحزب تطبيقها، ومدى تأثيرها على مسيرة أثينا الأوروبية.
المراقبون بدأوا يلاحظون حملة تهويل من طرف رئاسة الوزراء اليونانية والمسؤولين الأوروبيين من احتمالات فوز «سيريزا». إذ اعتبر رئيس الوزراء أدونيس ساماراس، أن «سيريزا» يريد تحويل اليونان إلى «كوريا شمالية ثانية». في المقابل، أفادت وكالة «بلومبرغ» بأن المستشارة الألمانية أنغيلا مركل «باتت تعتبر خروج اليونان من اليورو خطراً يمكن التعامل معه، ولن يؤثر في عملة اليورو. وتعلق الوكالة على هذه النظرية بأنها «خاطئة في أحسن الأحوال».
صحيفة «كاثيميريني» أوردت في طبعتها الورقية الصادرة أول من أمس، أن البنك المركزي الأوروبي أصدر تحذيرات لأثينا بضرورة التوصل الى اتفاق مع الدائنين بعد الانتخابات مباشرة، بحيث يستمر تأمين السيولة للبنوك اليونانية. ونقلت الصحيفة عن حاكم المصرف اليوناني المركزي، أن المصرف الأوروبي «مستعد للحفاظ على الاستثناءات التي تضمن استمرار تدفق السيولة لليونان، في حال استمرت في تطبيق البرامج المتفق عليها وستؤدي واجباتها».
يُذكر أن المقالات والمقابلات الكثيرة حول احتمال خروج اليونان من حزمة اليورو، أثرت سلباً على الحركة التجارية في انتظار نتائج الانتخابات المقبلة لتنجلي الأمور في شكل أوضح. كما نقصت الإيداعات في البنوك اليونانية خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي بقيمة 250 مليون يورو، وتراجعت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي 300 مليون يورو. فيما تفيد المصادر المصرفية بأن الإيداعات في كانون الأول (ديسمبر) الماضي تراجعت 2.5 بليون يورو.
ويرى غير مراقب أن انخفاض قيمة اليورو أو اعتماد عملة أخرى في اليونان متدنية القيمة أمر لا يخلو من الفوائد لمصلحة أثينا، إذ اعتبر رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة في اليونان كوستاندينوس ميخالوس، أن «تراجع أسعار النفط إلى ما دون 50 دولاراً وكذلك سعر صرف اليورو أمام العملات العالمية، هما عاملان يدعمان تنافسية الاقتصاد اليوناني خصوصاً البضائع اليونانية المعدة للتصدير». فيما لفت إلى أن «انخفاض سعر اليورو يدعم السياحة اليونانية ويجعلها أكثر جاذبية». وأشار في بيان إلى أن « 50 في المئة من صادرات اليونان تتجه إلى خارج الاتحاد الأوروبي، ما يجعل انخفاض قيمة اليورو حدثاً إيجابياً لأثينا»، مؤكداً أن «توقعات وصول اليورو إلى 1.12 دولار، ستدعم تنافسية الاقتصاد اليوناني في شكل أكبر.
وقال أستاذ الاقتصاد والتنمية في جامعة أثينا عبد اللطيف درويش، إن برنامج «سيريزا» يقضي بـ «شطب جزء كبير من الدين الخارجي اليوناني، وبحسب اقتراح الحزب تصل النسبة المقترح شطبها الى 70 في المئة». وذكّر بـ «شطب 70 في المئة سابقاً من قيمة السندات المالية التي كان يملكها أفراد، واليوم يطالب حزب «سيريزا» بعملية عكسية أي شطب الديون الرسمية».
وأوضح درويش في تصريح إلى «الحياة»، أن «الديون التي يُحكى عن شطبها ليست حقيقية بل هي مركبة ناتجة عن تراكم الفوائد، وهي لم تكن تذهب إلى التنمية بل إلى التسليح وخدمة الديون ذاتها». ولفت إلى أن «سيريزا» يستند في الأساس إلى أن «المواطن اليوناني خسر عملياً 70 في المئة من دخله بفعل خفض الرواتب والعلاوات وارتفاع الأسعار. كما انخفضت المبالغ التي يحصل عليها اليونانيون كأجور بنسبة تزيد على 40 في المئة، وهكذا يحصل المواطن اليوناني عملياً على 30 في المئة من دخله الذي كان يحصل عليه قبل الأزمة». ولم يستبعد انهيار السوق العقارية في اليونان «في حال عدم استجابة الدول الأوروبية لمطالب خفض الديون، بسبب وجود نحو 600 ألف قرض عقاري مصنفة حمراء، أي أن أصحابها عاجزون عن تسديدها، ولن تكون البنوك قادرة كذلك عن استعادة أموالها».
وفي حال استمرار الوضع الحالي «لن يكون المواطن اليوناني قادراً على تسديد قروضه، ما يؤدي إلى إيجاد مشكلة سيولة لدى البنوك. أما في حال شطب جزء من تلك الديون فسيكون المواطن قادراً على تسديد البقية» بحسب درويش، الذي اعتبر أن على «سيريزا» استعادة الاستثمارات ورؤوس الأموال التي خرجت من اليونان بسبب الضرائب المرتفعة». وقال: «في حال خروج اليونان من حزمة اليورو وعدم قدرتها على الوفاء بتعهداتها فستخسر ألمانيا نحو 76 بليون يورو من فوائد الديون، أما في حال الاستجابة لتقليص الديون فستكون خسارتها 40 بليوناً من تلك الفوائد». كما ستنهار مصارف أوروبية صغيرة خاصة نتيجة عدم قدرة اليونان على تسديد قروضها لها. في المقابل يخشى الأوروبيون أن تطالبهم دول أخرى، مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال بشطب جزء من ديونها أسوة باليونان.
على الصعيد الداخلي، يعتقد درويش أن «سيريزا» سيعيد «تأميم مؤسسات ومصارف تمّ تخصيصها أو تفكيكها سابقاً». فيما اعتبر أن الأوروبيين «سيرضخون في النهاية لمطالب «سيريزا» على أساس: إما أن تغرق معي وإما أن تنقذني». وأشار إلى أن الحزب «يدعو إلى تكتل لدول جنوب أوروبا في مقابل دول الشمال».
وخلُص درويش إلى «احتمال أن تعيش اليونان في حال خرجت من حزمة اليورو، ازداوجية عملية، أي التعامل بالدراخما داخلياً واليورو خارجياً، وسيعيش الاقتصاد اليوناني في هذه الحالة اضطرابات لمدة أشهر، ثم ستشهد انتعاشاً للاقتصاد بفعل انخفاض قيمة العملة المحلية مع ندرة في المواد المستوردة».