لقد اكتشف الإنسان أعماق البحار والمحيطات وحفر الأنفاق تحتها، إلا أنه يظل يطمح إلى تنفيذ مشاريع لأفكار أكثر تطورا وخيالا. في الوقت الذي تقرأ هذه السطور، سيبدأ العمل في شق قناة جديدة كبيرة تربط بين المحيطين الأطلنطي والهادي عبر نيكاراغوا، يبلغ طولها 278 كيلومترا، وتتطلب جرف مليارات الأطنان من التربة والصخور بكلفة 50 مليار دولار أميركي. ولدى الانتهاء من المشروع ستكون هذه القناة أعمق من قناة بنما، وأطول منها بـ3 أضعاف. ويقول محبذو هذا المشروع الجبار إنه «سيكون أكبر عمل هندسي في التاريخ، وإن كان ليس الأكبر من المشاريع التي راودت أفكار البعض». «فجميعنا يعيش في أماكن جرى تصميمها وهندستها»، كما يقول خبير العمليات الهندسية الكبرى ستانلي برون من جامعة كنتاكي في أميركا، لذا فمن الطبيعي أن نفكر جميعنا «بشكل كبير ».
قد يكون هذا الأمر صحيحا، لكن بعض المشاريع تبدو كما لو أنها من أفلام جيمس بوند، مثل غمر «ديث فالي» (وادي الموت) في ولاية كاليفورنيا في أميركا بمياه الفيضان، أو تعديل شريط (برزخ) بنما الضيق بلغمه بالمتفجرات النووية، وغيرها، كحجز بحار كاملة خلف سدود عملاقة لتوليد الطاقة الكهربائية.
* مشاريع عالمية
وفيما يلي 7 من أكبر المشاريع العالمية، التي قد يمكن المضي بها:
1 – سدود على الأطلنطي: يمكن تشييد حاجز عبر مضيق جبل طارق، مما يعني تحويل الأطلنطي إلى خزان هائل من المياه. وكان هذا العمل قد جرى اقتراحه لأول مرة من قبل المهندس المعماري الألماني هيرمان سورجيل في العشرينات من القرن الماضي، مما يقلل من تدفق المياه إلى البحر الأبيض المتوسط لتبدأ مياهه بالتبخر، وهذا يجعل مستوى البحر ينخفض بمقدار 200 متر، وبالتالي تنكشف مساحة 600 ألف كيلومتر مربع من اليابسة الجديدة.
لكن الآثار البيئية الناجمة عن ذلك مفزعة، منها رفع مستوى مياه البحر والمحيطات في بقية أنحاء العالم بنحو 1.35 متر. ويقول ريتشارد كاثكارد مستشار العقارات في بيربانك في كاليفورنيا المحبذ للمشاريع الكبيرة، الذي كتب الكثير من المقالات والكتب في ذلك، «إن الأكاديميين يخشون عادة الخوض في أفكار مثل هذه».
ومع توقع ارتفاع مستوى البحار والمحيطات عشرات الأمتار خلال القرون المقبلة بسبب التسخين الحراري، يعتقد كاثكارد، كما نقلت عنه مجلة «نيوساينتست» البريطانية، أن فكرة السد جديرة بالدراسة، ولكن بدلا من تخفيض مستوى مياه المتوسط، يمكن جعل السد يحافظ على مستواه الحالي، ومنع غرق المزارع والأراضي المنخفضة مثل مدينتي البندقية والإسكندرية. بيد أن مصر بالذات ستستفيد من مشروع كهذا، لأن ارتفاع منسوب البحر بسبب التسخين الحراري سيغرق مساحات واسعة من دلتا النيل، ويشرد ملايين من أهاليها في عام 2100.
2 – قناة لمرور الماء عبر الأطلنطي. إن شمال أفريقيا بحاجة إلى المياه النقية. وأقرب مصدر لها هو نهر الكونغو، ثاني أكبر نهر في العالم، لكنه ينساب عبر مناطق خطرة جدا. إذن لماذا لا نحتجز مياه الأمازون أكبر نهر في العالم بدلا منه؟ فكل ما نحتاجه هو أنبوب طويل جدا. ونقل المياه هذه عبر الأطلنطي، عن طريق أنبوب، فكرة راودت هنريخ هيمر في عام 1993، فقد تصور أنبوبا يمتد بطول 4300 كيلومتر حاملا 10 آلاف متر مكعب بالثانية، مما يكفي إلى ري 315 ألف كيلومتر مربع من الأرض. طبعا المشروع يتطلب مد الأنبوب بعرض 30 مترا على عمق 100 متر من سطح الأطلنطي، فضلا عن 20 محطة ضخ بكلفة تقدر بـ20 تريليون دولار.
3 – غمر منخفض القطارة
غمر المناطق المنخفضة بالمياه: في عام 1905 قام مهندسو الري في كاليفورنيا عن طريق الخطأ بإغراق منخفض من الأرض بالمياه، وكانت النتيجة بحر سالتون أكبر بحيرة في هذه الولاية. من هنا برز الكثير من الاقتراحات عبر العقود، لغمر المناطق المنخفضة الأخرى في العالم بالمياه. والمرشح الأكبر هنا منخفض القطارة في شمال غربي مصر، الذي يقع تحت سطح البحر بنحو 130 مترا، وتبلغ مساحته 19 ألف كيلومتر مربع من الكثبان الرملية، والمستنقعات المالحة. والفكرة هي غمره بمياه المتوسط، الذي يقع 50 كيلومترا إلى الشمال مولدا تيارا كهربائيا، وهو الغرض الأساسي. فإذا ظل عامل تدفق المياه يعادل مستوى التبخر، فإن توليد الطاقة الكهربائية سيستمر إلى ما لا نهاية.
ومن المؤكد أن بحر القطارة هذا إذا ما تكون، سيكون مالحا جدا، لكن المناطق المحيطة به قد تستفيد من الطقس البارد الذي قد يسببه. والفكرة هذه تدور منذ عام 1912، وكانت الحكومات المصرية قد نظرت فيه في السيتينات والسبيعينات. والمشكلة هنا هي التلال التي تفصل المنطقة عن البحر، التي تتطلب شق أنفاق تحتها، والتي قد تتطلب بدورها الاستعانة بالمتفجرات النووية، وهذا ما عجل في استبعاد الفكرة، التي كانت قد برزت مجددا بفضل خطة «ديسيرتيك» التي تقضي بإنشاء محطة للطاقة الشمسية في شمال أفريقيا تقوم بضخ مياه البحر عبر أنبوب إلى مرافق تخزين تقام فوق التلال التي تنساب نزولا إلى المنخفض، لتدير توربينات توليد التيار الكهربائي. والفكرة هذه خرج بها مجدي راغب المهندس النووي في جامعة الينوي، التي لا تحتاج إلى شق أي أنفاق.
أما غمر وادي الموت في كاليفورنيا من شأنه أيضا أن يساعد في التقليل من آثار ارتفاع منسوب البحار والمحيطات، بسبب التسخين الحراري. لكن يبدو أنه حتى غمر جميع الأراضي المنخفضة في العالم بالمياه، لن يترك أي أثر على هذه الكارثة المقبلة، وهذا ما جعل هذه الفكرة غير جديرة بالتطبيق.
4 – سدود المضايق
ربط آسيا بأميركا الشمالية: المكان الصالح لربط أميركا الشمالية بآسيا هو مضيق بيرينغ، أي بين القسم الشمالي الشرقي من روسيا، وألاسكا. ويبلغ عرض المضيق 82 كيلومترا، ولا يتعدى عمقه 50 مترا. وفكرة إقامة مثل هذا الجسر تعود إلى عام 1890 ليشكل أطول جسر في العالم. لكن الأحوال المناخية القاسية في منطقة القطب الشمالي هذا من شأنها أن تسبب تحديا كبيرا. وهذا ما جعل روسيا تفكر بشق نفق بدلا من ذلك. فقد أعلنت في عام 1907 عن «تي كيه دي ورلد لينك» الذي هو عبارة عن خط سكة حديد بين سيبيريا وألاسكا عن طريق هذا النفق. لكن بعد 8 سنوات، لا أثر لهذا النفق، خصوصا بعد تردي العلاقات الأميركية الروسية. لكن الصين قد تأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن، بعد الإعلان أن المهندسين الصينيين وضعوا خططا لمد خط سكة حديد سريعة تربط بين الصين وأميركا، عبر روسيا ومضيق بيرينغ وألاسكا وكندا.
5 – سد على المحيط الهندي: تدور الفكرة هنا على إقامة سد يقع بين منطقة في المحيط ينخفض فيه مستوى مياه البحر بفعل التبخير، والفرق الناجم هنا بين المنسوبين قد يستخدم في توليد التيار الكهربائي. وأبرز اقتراحين هنا يعود أحدهما إلى المهندس الهولندي رويلوف شولينغ في عام 2005، المتحمس للمشاريع الكبيرة، الذي اقترح إقامة سد على الخليج العربي، والذي ينفتح بدوره على المحيط الهندي، وذلك عند مضيق هرمز الذي يبلغ عرضه 39 كيلومترا. ومن شأن ذلك توليد 2500 ميغاوات من الكهرباء عن طريق تخفيض منسوب مياه الخليج إلى ارتفاع 35 مترا فقط. لكن شولينغ طالب بعدم تطبيق الفكرة هذه في وقت قريب، بسبب مرور الناقلات وخطوط ملاحتها عبر الخليج، ناقلة النفط إلى أرجاء العالم. أما المشروع الآخر، فهو إقامة سد على البحر الأحمر في المنطقة القريبة من اتصاله بالمحيط الهندي، عبر مضيق باب المندب. وهذا يتطلب سدا بطول 100 كيلومتر من اليمن إلى شمال أرتيريا. وقدر شولينغ أن مثل هذا السد يولد 50 ألف ميغاوات من الكهرباء، لكن قد يترتب على ذلك نتائج بيئية وخيمة.
6 – جزر صناعية
جزر صناعية: تشييد جزر صناعية أو شبه جزر، كالتي شيدتها دبي على سبيل المثال، يتطلب محاجر وحفرا عميقة. لكن شولينغ يعتقد بوجود أساليب أرخص لإنتاج أراض صناعية، عن طريق ضخ حامض الكبريتيك إلى حجر الكلس (الجيري)، ليحوله إلى جبس ينتفخ إلى ضعف حجمه الأصلي، لذا حيث يوجد حجر كلسي قريبا من سطح البحر، يمكن إقامة جزر صناعية عليها. وأحد هذه المناطق هو شريط «أدامز بريدج» الضيق ذو المياه الضحلة، الذي يمتد 35 كيلومترا، بين الهند وسريلانكا، مما يمكن من إقامة جسر متهاود الكلفة جدا.
7 – ربط المحيطين الهادي والأطلنطي: تدمير مضيق (برزخ) بنما الشريط الضيق من الأرض، الذي يربط بين الأميركيتين الشمالية والجنوبية، من شأنه توحيد المحيطين الأطلنطي والهادئ. ومن شأن تفجيرات وألغام نووية تحت الأرض، أن تقوم بهذه المهمة لإزالة الأرض الفاصلة بين المحيطين. وحال إتمام ذلك وإنجازه بالكامل يعود التيار المائي الذي كان ينساب سابقا حول الخط الاستوائي إلى سابق عهده، ليستقر المناخ العالمي. لكن بعض العلماء لا يقرون ذلك قائلين، إن إغلاق هذه الهوة قبل 3 ملايين سنة أرغمت المياه الدافئة في المناطق الأطلنطية الاستوائية على التدفق شمالا، معززة الرطوبة وسقوط الثلوج في المناطق القطبية، وإلى تشكل الطبقات الثلجية الشمالية الكبيرة، فإن زال هذا الشريط الأرضي فهذا من شأنه تسريع فقدان الغطاء الثلجي في غرينلاند.