نشر المعهد الذي يعنى بقضايا الشرق الأوسط، تقريراً مفصلاً الجمعة الماضي، عن الحملة العسكرية التي تشنها القوات الحكومية السورية وحلفاؤها، والمترافقة مع الحملة الجوية الروسية، في محافظة حلب شمال البلاد.
وقال التقرير إن الوقائع على الأرض من عمليات عسكرية «هي المبدأ الأساسي الذي يحدد من خلاله الشروط النهائية لأي تسوية سياسية تهدف إلى انهاء الحرب في سورية، وليس عبر السياسات التي تضعها القوى العظمى». وأضاف أن الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاءه الروس والإيرانيين «استوعبوا هذا المبدأ الأساسي، رغم أن واشنطن وعواصم غربية أخرى علقت آمالها على مفاوضات جنيف، التي تعثرت بعد يومين من انطلاقها في الأول من الشهر الجاري».
وأفاد المعهد في تقريره، بأن القوة الجوية الروسية والقوة البرية الإيرانية «ضمنتا للأسد تطويق مدينة حلب»، أكبر مركز حضاري في سورية، ومعقل المعارضة منذ العام 2012.
وحققت الحملة العسكرية المستمرة حالياً في حلب، تقدماً عجز عنه النظام في حملته السابقة في بداية العام 2015. وأوضح التقرير أن تطويق مدينة حلب قد يسفر عن كارثة إنسانية، بالإضافة إلى تحطيم معنويات المعارضة، «والأهم من ذلك تحدي الطموحات الاستراتيجية التركية، وسياسياً سحب أهم ورقة تفاوض من يد المعارضة».
وبدأت الحملة الحالية في تشرين الأول (اكتوبر) 2015 على مراحل عدة. وشنت القوات الحكومية مدعومة من روسيا وإيران هجمات على طول جبهات محافظتي حلب وإدلب، بهدف إرباك وإجهاد المعارضة.
وأجرى النظام عمليات في ريف حلب الجنوبي والشرقي والشمالي لتحديد أماكن تواجد قوات المعارضة ودفعها إلى الخروج إلى المناطق الريفية، تمهيداً لحصار المدينة.
ووفقاً للتقرير، فإن التهديد المباشر لقوات الأسد على المعارضة في مدينة حلب وأجزاء أخرى من شمال سورية، يشكل تحدياً بالغ الأهمية للمصالح الاستراتيجية الأميركية.
ولا يستبعد أن يدفع تجدد الضغوط المعارضة إلى عقد تحالفات مع تنظيمات مثل «جبهة النصرة» ذراع تنظيم «القاعدة» في سورية، ومع مجموعات سلفية أخرى مثل «جيش الفتح»، و«كل هذا التعاون سيعود بالنفع على النظام وجعل سورية ساحة لخصوم الولايات المتحدة في الأشهر المقبلة».
وقال التقرير إن رغبة طرفي النزاع السوري في مواصلة الحرب سيؤدي إلى المزيد من سفك الدماء وتفاقم الأوضاع الإنسانية.
وأفاد مسؤولون في الأمم المتحدة بأن حوالى 40 ألف مدني فروا من ريف حلب الجنوبي بعد حملة النظام العسكرية في تشرين الأول (اكتوبر) 2015، بينما فرّ 70 ألف مدني على الأقل من موجة العنف الأخيرة في ريف حلب الشمالي.
وكشف التقرير أن النظام اتخذ كذلك سلسلة من الاجراءات في وسط البلاد وجنوبها، لفرض مزيد من الضغوط على جيوب المعارضة المتبقية، «وذلك باستخدام الحصار والتجويع كسلاح من أسلحة الحرب، ما أسفر عن عدد كبير من النازحين الذي سيشكلون مزيداً من الضغط على الدول الإقليمية عبر تأجيج مزيد من الاستياء والتطرف وسط السكان اللاجئين في هذه الدول».
وبحسب التقرير، سيشكل حصار مدينة حلب معضلة استراتيجية لتركيا، «فالرئيس التركي زوّد المعارضة السورية بالسلاح والإمدادات، بالإضافة إلى الملاذ الآمن، وكل ذلك من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية لتركيا، بما في ذلك تشكيل (حكومة إسلامية سنية) تحل مكان الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن خسائر المعارضة الكبيرة والمتزايدة في محافظة حلب يقوض هذه المصالح الاستراتيجية الأساسية، ويحقق في المقابل مكاسب عسكرية للروس، الذين باتوا لا يبعدون 40 ميلاً عن الحدود السورية – التركية».
وتوصل التقرير إلى أن تركيا «ستستجيب لهذا التطوارات من خلال القوة العسكرية، فالرئيس التركي قد يتخذ خيارات عسكرية ذات مخاطر عالية لتأكيد سيطرته على الصراع، والذي من الممكن أن يشمل تزويد المعارضة بأنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف أو عبر التدخل العسكري البري في شمال سورية».
وقد تشعل هذه العمليات، وفق التقرير، خطر اندلاع حرب بالوكالة بين دول إقليمية أو مواجهة مباشرة بين تركيا وروسيا، «فالحملة العسكرية الحالية التي يقوم بها الرئيس الأسد وحلفاؤه في موسكو وطهران ستقود إلى اضطرابات طويلة الأمد في سورية ومنطقة الشرق الأوسط».