أكدت صحيفة “هآرتس” أن سياسة إسرائيل تجاه الجولان المحتل شهدت في السنوات الأخيرة تغييرا جذريا، حيث انتقلت تل أبيب من التفاوض سرا مع دمشق إلى البحث عن الاعتراف الدولي بسيادتها عليه.
وأشارت الصحيفة، في تقرير مطول نشرته اليوم الجمعة على خلفية اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان، إلى أن كل الحكومات الإسرائيلية تقريبا خلال العقدين الماضيين أجرت مفاوضات سرية مع الحكومة السورية في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام يشمل قضية الجولان، لكن آخر جولة من هذا الحوار انتهت في مارس 2011، مع اندلاع الأزمة السورية.
وحتى في عهد رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو الذي يصر الآن على أنه لم يدرس إمكانية الانسحاب من الجولان، جرت مفاوضات مكثفة أعدّت خلالها خرائط ونماذج إلكترونية تمهيدا لخروج إسرائيل من المنطقة.
لكن بعد 2011، غيرت تل أبيب نهجها وبدأت تكثف جهودها من أجل نيل الاعتراف الدولي بسيادتها على الجولان، وخرجت هذه المساعي الخفية في البداية من الظل أكثر فأكثر لتتوج بتغريدة ترامب الأخيرة التي اعتبرتها الصحيفة “هدية لنتنياهو”.
وفي الانتخابات المقرر إجراؤها في أبريل المقبل، يعول المرشحون لمنصب رئيس الوزراء الإسرائيلي على قضية الجولان كنقطة مهمة في برامجهم الانتخابية، متعهدين بتثبيت سيطرة الدولة العبرية عليه.
وحسب مختلف الوسطاء والمسؤولين المنخرطين في المفاوضات السرية، انطلقت المشاورات بين تل أبيب ودمشق في عام 1992 خلال عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، بعد أن أبلغه وزير الخارجية الأمريكي حينئذ جيمس بيكر بأن الرئيس السوري حافظ الأسد يستعد لإبرام اتفاقية سلام “مثل السادات”.
وأعرب الجانب الإسرائيلي عن استعداده للانسحاب بالكامل من الجولان إلى حدود عام 1967 خلال خمس سنوات، مقابل تطبيع العلاقات مع دمشق وتوقيع اتفاقات أمنية معها.
وخلال السنوات اللاحقة أصبح أرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الوحيد الذي لم يجر مشاورات مع دمشق بهذا الشأن.
وفي العهدة الأولى لنتنياهو، طالب حافظ الأسد رئيس الوفد الإسرائيلي في المفاوضات، رجل الأعمال الأمريكي رونالد لودر، أن يأتي إلى دمشق مسلحا بخريطة سحب القوات الإسرائيلية من الجولان أو لا يأتي بتاتا.
من جانبه، طالب الجانب الإسرائيلي في تلك الجولة من المفاوضات بمنحه السيطرة على جبل الشيخ الحدودي، واعتبرت دمشق ذلك خطة تجسس.
ونقل أحد الوسطاء المشاركين في تلك المفاوضات عن رئيس الوفد الإسرائيلي قوله لحافظ الأسد، ردا على مخاوفه الأمنية بهذا الشأن: “لماذا يقلقك أن يشاهدك أحد في غرفة نومك؟ مثل هذه الأمور لا تقلقني إطلاقا”.
وفي عام 2008، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت على وساطة تركية في المفاوضات، مما أدى إلى وضع خطة تضم ست نقاط، حيث طالب السوريون بنقل الحدود ووافق الإسرائيليون على ذلك، وجرى العمل على رسم حدود جديدة في خرائط عالية الدقة.
لكن جولة الحوار تلك باءت بالفشل مع شن إسرائيل حربها على قطاع غزة عام 2008.
وفي جولة المفاوضات الأخيرة، كان نتنياهو، حسب مصادر مطلعة، مستعدا لدراسة طلب السوريين بالانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 1967، وصولا إلى بحيرة طبريا، لكن ذلك بشرط أن تتخلى دمشق عن تحالفها مع إيران وحزب الله وإبرامها اتفاقيات أمنية جديدة مع تل أبيب.
وشهدت هذه الجولة من الحوار وضع نماذج إلكترونية لإعادة انتشار القوات في المنطقة، وأكدت المصادر أنه لولا اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، لتوصل الطرفان إلى اتفاق نهائي خلال ستة أشهر فقط.
وذكر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، عوزي أراد، أن تل أبيب من تلقاء نفسها تقدمت حينئذ بمبادرة تقضي بإبقاء مستوطنات إسرائيلية في الجولان، مقابل حصول سوريا على أراض أردنية بنفس المساحة.
وكانت الخطة تقضي بتعويض خسائر عمّان من الأراضي السعودية جنوبي العقبة، لكن دمشق رفضت الاقتراح جملة وتفصيلا، على الرغم من موافقة الأردن عليه.
وبرغم تصريحات نتنياهو الجديدة، أكدت المصادر إحراز تقدم ملحوظ في تلك الجولة من الحوار، وما يأتي حاليا على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي حول موقفه الثابت منذ البداية بشأن الجولان ربما مجرد مسرحية، لأن ثمة وثائق وخرائط مختلفة وشهودا دوليين كثيرين على تلك المفاوضات.
وأعرب الوسطاء السابقون عن اعتقادهم بأن الاعتراف الدولي المحتمل بسيادة إسرائيل على الجولان لم يصب في مصلحة تل أبيب، معتبرين أن نهج إسرائيل الحالي يساعد الرئيس السوري بشار الأسد في تحويل مسألة الجولان من قضية إسرائيلية-سورية إلى قضية إسرائيلية-عربية.