نجح فريقٌ دَولي من العلماء في نقل أفكار شخصٍ معين إلى دماغ شخصٍ آخر متواجدٍ في مكان يبعد آلاف الأميال، عبر جمعِه أحدث “الأعاجيب” التكنولوجية مع تقنية الإنترنت.
يُعتبَر هذا الإرسال للأفكار المرة الأولى التي يتواصل فيها دماغان مباشرةً مع أن مسافة مهمة تفصلهما، من غير أن يلفظ المُرسل أي كلمة.
التحيتان Hola وCiao انتقلتا في رحلة تاريخية من الهند إلى فرنسا، عندما تلقّاهُما ولفظهُما باحثٌ متلقي معصوب العينَين ومجهّز بسدادات أذن، مكّنه العلماء من معرفة ما يفكّر فيه زميله البعيد عنه 5 آلاف ميل، من خلال انتقال ما فكر فيه في دماغه إلى دماغه هو، وليس عبر طريقة أخرى.
الدراسة التي نشرَتها صحيفة PLOS One العلمية، أجراها علماء في إسبانيا، والهند، وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، أرادوا أن يبرهنوا أنه حتى مع التكنولوجيا التي قد تبدو غامضة في المستقبل القريب، يمكن دماغَين أن يتصلا ببعضهما البعض بطريقة مباشرة.
تناقُل الأفكار من دماغ إلى آخر هو موضوعٌ يهم العلماء من مختلف أنحاء العالم، وأعلن باحثون من جامعة واشنطن في العام الماضي أنهم أول من اختبر الأمر، إذ حرّك أحد الطلاب إصبعه بطريقة معينة في زاوية من حرم الجامعة، بعد أن فكّر بهذا الأمر طالبٌ آخر في زاوية مختلفة من الحرم الجامعي.
لكن هذا التطور التكنولوجي يتضمن تحذيراً مهماً، ففيما يشكل تناقل الأفكار من دماغٍ إلى آخر تطوراً قيّماً في التطبيقات الطبية خصوصاً الذين يعانون من مشكلات في التواصل، قد يتحول مصدراً علمياً يُستعمَل بطريقة مدمّرة وسيئة. إذ هل يصبح الطريق ممهّداً أمام قراءة عقول الآخرين، حتى من دون موافقتهم؟
فالدراسة خلصت في سطرها الأخير أن الاستعمال الكثيف للتواصل البشري بين الدماغَين عبر اتصال بواسطة التكنولوجيا، سيخلق فرصاً جديدة لترابط الإنسان بالانعكاسات الاجتماعية الواسعة التي تتطلب استجابات أخلاقية وتشريعية جديدة. بمعنى آخر، قد يكون هذا الأمر بدايةً لموضوعٍ كبيرٍ جداً أو سيّئ جداً.
لكن ينبغي التأكيد أنه على الرَّغم من هذه الاحتمالات، فإن المستوى الحالي للبحوث لا يشكل في الوقت الراهن أيّ تهديدٍ من هذا القبيل.
تطلّب نقل الكلمتَين أن يتم وَصل الباعث بالرسالة ومتلقيها بروبوتات وأجهزة متطورة تجعلهما يبدوان كالأسرى في جناحٍ نفسي وليس شخصَين يتبادلان التحية، وتطلب إنجاز البحث التعاون الواعي منهما، بعد أن دُرّبا للقيام بهذه المهمة.
لاحظ جهاز تخطيط أمواج الدماغ النشاط الدماغي عند المُرسل في الهند، وحوّل الرسائل القائمة على الكلمتَين إلى رموز مشفّرة تم إرسالها إلى كمبيوتر قريب ثم عبر الإنترنت إلى المتلقي في فرنسا. التحفيز المغناطيسي لدماغ هذا الأخير عزّز الإشارات الكهربائية في جزءٍ رئيسي منه، ما جعله عالماً بأن رسالةً معينة ستصله قريباً.
هذه التكنولوجيا هي طريقة موسّعة لتغيير الوظائف داخل الدماغ، فالأشعة المرتبطة بالجمجمة تبعث النبضات المغناطيسية، التي بدورها تولّد التيارات الكهربائية التي تحفّز الخلايا العصبية في الدماغ. هي غير مضرّة ولا تشابه علاجات الصدمة الكهربائية، وتُعتبَر واعدة في ما يتعلق بتعديل العواطف والنشاط العصبي.
وقد وافقت عليها مديرية الغذاء والدواء الأميركية عام 2008 لتُستخدَم على المرضى المعانين من الاكتئاب الشديد، لكنها جديدة جداً ولا يُخوَّل استعمالها إلا مع من لا يتجاوبون والأدوية التقليدية.
يختبر هذه التكنولوجيا باحثون آخرون على مجموعة من الاضطرابات العصبية والنفسية بما في ذلك الصداع النصفي ومرض باركنسون.