تمثل المخلفات البلاستيكية التقليدية مشكلة بيئية معقدة، نظرا لثباتها ومقاومتها التحلل البيولوجي
غرد النص عبر تويتر
، فهذه المخلفات تبقى في الأرض عشرات السنوات دون أن تتحلل، كما أن بعض أنواع البلاستيك مثل “بي في سي” وغيره يمكن أن تطلق غازات ضارة، كغاز الكلور الخطير والسام عند تعرضها للأشعة فوق البنفسجية، كذلك فإن بعضها يحتوي على عناصر ثقيلة ومركبات كيميائية سامة تشكل خطرا حقيقيا على الإنسان وبقية الكائنات الحية، كالحيوانات عند تناولها تلك النفايات، أو خطرها على الكائنات البحرية كالأسماك وغيرها التي أصبحت حاليا تواجه خطرا داهما على سلامتها وحياتها بسبب تراكم ملايين الأطنان من المخلفات البلاستيكية في بحار ومحيطات العالم.
ويواجه إنتاج البلاستيك التقليدي المستخرج من النفط الخام معضلة عجز الكائنات الحية الدقيقة الموجودة في الطبيعة عن تحليله إلى مركبات بسيطة، كما هي الحال بالنسبة للمخلفات العضوية وألياف السيليلوز وغيرها، لكن هذه المخلفات الخطرة تتكسر إلى أجزاء صغيرة، مما يتسبب في تراكمها في مقالب النفايات أو البحار والمحيطات سنوات طويلة، وهذا يشكل خطرا على بيئة كوكب الأرض، إذ إن ما تتم إعادة تدويره منها قليل جدا بالمقارنة مع الكميات المهولة من تلك المخلفات الملقاة في الطبيعة.
بلاستيك قابل للتحلل الحيوي
يعتمد إنتاج البلاستيك القابل للتحلل الحيوي على استخدام مخلفات بعض المنتجات الزراعية في صناعته، كمخلفات الأرز وقصب السكر وفول الصويا والذرة، كما تستخدم بعض المخلفات الناتجة من تصنيع بعض المواد الغذائية في إنتاجه، كقشور البطاطس وغيرها، حيث يتحلل هذا النوع من البلاستيك إلى ماء وثاني أكسيد الكربون وبعض المواد العضوية ومواد أخرى غير عضوية.
لقد اهتمت عدة شركات عالمية بتصنيع البلاستيك القابل للتحلل الحيوي، ومنها شركة “بيوتك” وشركة “نوفا صونت” وشركة “باير” وشركة “باسف” وشركة “كاربوكيمكال” وشركة “مينا بولكس”، وتم استثمار عدة ملايين من الدولارات لتطوير هذا النوع من البلاستيك، مستفيدة من التجارب التي تم القيام بها في عدد من مراكز الأبحاث في العالم، كمعهد “ماساشوسيتس للتكنولوجيا” الشهير، الذي استطاع إنتاج إنزيمات خاصة لتصنيع أحد أشهر أنواع البلاستيك القابل للتحلل الحيوي وهو “بولي هيدروكسي بيوترات”.
كذلك، فقد استطاع فريق من الباحثين من قسم الكيمياء والهندسة الحيوية في المعهد الفدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ بسويسرا إنتاج بلاستيك حيوي باستخدام متعدد حامض اللبن الذي يتم الحصول عليه من الغليسيرول منخفض الجودة، والمتكون كمنتج ثانوي خلال صناعة الديزل الحيوي.
وهذا الغليسيرول غير نقي ولا يصلح للصناعات الدوائية أو الكيميائية، وقد تمكن فريق البحث من إنتاج هذا النوع من البلاستيك الحيوي بعد أن استطاعوا تطوير محفز ذي كفاءة عالية من الزيوليت المتضمن مسامات مجهرية تساعد في إتمام التفاعلات الكيميائية بشكل مناسب.
وهذا النوع من البلاستيك الحيوي سوف يستخدم لإنتاج الأكياس وأكواب الشرب لمرة واحدة ومواد التغليف وغيرها، ومما يميز هذه الطريقة في إنتاج البلاستيك الحيوي أنها ذات إنتاجية عالية وصديقة للبيئة وغير مكلفة.
وفي الواقع فإنه يوجد أكثر من نوع من البلاستيك القابل للتحلل حيويا، بعضها يتحلل حيويا في الماء، والآخر يتحلل بفعل إضافة مواد خاصة تعمل على تكسير السلاسل الطويلة للهيدروكربونات بفعل جذور حرة تتحد مع الأكسجين، مما يؤدي إلى تحلل البلاستيك جزئيا بعد مضي نحو عام ونصف العام على تصنيع هذا البلاستيك وتعرضه لحرارة أشعة الشمس، وأنه يتحلل بشكل كامل بعد مضي عامين أو أربعة أعوام، حيث يتحول إلى ماء وثاني أكسيد الكربون ومواد أخرى غير سامة.
استخدامات مهمة
يستخدم حاليا البلاستيك القابل للتحلل الحيوي في تصنيع كثير من المنتجات التي كان يتم تصنيعها سابقا من البلاستيك التقليدي، ولعل من أهم استخدامات هذا النوع غير التقليدي من البلاستيك استعماله في المجالات الطبية، كصناعة الخيوط الطبية المستعملة في العمليات الجراحية لتخيط الجروح ثم تتحلل تلقائيا بعد فترة من الزمن، وقد استعملت هذه الخيوط لأول مرة في أميركا منذ ستينيات القرن الماضي ويتم إنتاجها من حامض البولي جليكول وحامض اللاكتيك.
كذلك يستعمل البلاستيك القابل للتحلل الحيوي في صناعة مسامير تثبيت العظام، التي تعمل على تدعيم العظام المكسورة حتى تلتئم ثم تتحلل تلقائيا دون الحاجة لنزعها كما في المسامير التقليدية، أيضا من الاستخدامات المهمة، في مجال جراحة وتثبيت الأسنان وفي صناعة الأدوية، حيث يتم تغليف المواد العلاجية بكبسولات مصنوعة من البلاستيك القابل للتحلل الحيوي بحيث يتحلل بشكل بطيء ليعطي الجسم جرعات ثابتة من المادة العلاجية.
منتجات صديقة للبيئة
يكتسب البلاستيك القابل للتحلل الحيوي أهمية خاصة في صناعة عدد كبير من المنتجات الصديقة للبيئة، كالمنسوجات والأقمشة التي تستخدم لمرة واحدة، كملاءات أسرة المرضى والمناشف والأوراق والفوط الصحية وأكياس التغليف والأغطية الزراعية التي تستخدم في تغطية بذور النباتات التي تعمل على حفظ رطوبة التربة وتمنع نمو الأعشاب الضارة.
كذلك يستعمل هذا النوع من البلاستيك في إنتاج الأقمشة الخاصة بالرياضيين والصناعيين، ويمكن تحسين صفاته من خلال خلطه -بنسب محددة- مع بعض الألياف الطبيعية كالحرير والصوف وغيرهما.
إن إنتاج البلاستيك القابل للتحلل الحيوي يواجه حاليا تحديات اقتصادية تتمثل في ارتفاع كلفة إنتاجه، فضلا عن تحديات تصنيعية نظرا لقلة إنتاجه عالميا، وعدم تمتعه بكافة الصفات المعروفة للبلاستيك التقليدي.
لكن الخبراء يتوقعون أن يتم تذليل كافة تلك التحديات خلال السنوات القليلة القادمة، مما يسهم في تقليل كلفة إنتاجه وتحسين صفاته، وبالتالي تقل كمية البلاستيك التقليدي الخطر بيئيا، وهذا سيفتح المجال أمام صناعات جديدة تعتمد على المخلفات الزراعية التي يُحرق جزء كبير منها، مما يتسبب في تلويث البيئة وإضافة مزيد من الغازات الضارة لهواء الأرض المثقل بالملوثات الكيميائية الضارة.