آلام أسفل الظهر… معاناة مدى العمر؟

هوى على مؤخرته في أرض الحمام. شعر بوجع خفيف، لكن هذا لم يمنعه من المشي وممارسة النشاطات الأخرى، ومع ذلك فضّل أن يستشير طبيبه للاطمئنان. فطلب منه الأخير إجراء صورة لأسفل الظهر جاءت نتيجتها ناطقة: شرخ صغير في عظمة العصعص. التمس من الطبيب علاجاً فردّ عليه: لا يوجد علاج لذلك، فالشرخ يلتئم من تلقاء ذاته، وكل ما عليك عمله هو تفادي حمل الأثقال، والامتناع عن الأشغال الصعبة، وتفادي الجلوس طويلاً، وتناول ما يليّن الفضلات البرازية لتفادي عملية الضغط الشديد عند الذهاب إلى المرحاض.

يتألف العمود الفقري من ٣٣ فقرة متراصفة فوق بعضها بعضاً، ٧ رقبية، و١٢ ظهرية، و٥ قطنية، و٥ عجزية، و٤ عصعصية. والفقرات الأربع الأخيرة تلتصق ببعضها بعضاً لتشكل ما يعرف بالعصعص الذي أشارت دراسات الى أنه أول ما يتكون وآخر ما يتحلل تحت التراب، بل إن البعض يقول إنه لا يفنى تحت التراب.

تعتبر آلام العصعص من المشاكل الطبية الشائعة، خصوصاً عند النساء، وقد تكون أحياناً شديدة لا تطاق بحيث تعوق القيام بالنشاطات اليومية. وهناك أسباب متنوعة لهذه الآلام، من أهمها:

١- الرضوض والكسور، وهي من المسببات الشهيرة لآلام العصعص، وتحصل إثر السقوط في الحمام أو على الدرج أو نتيجة حوادث المرور. وتؤدي الرضوض والكسور إلى آلام حادة للغاية. وعند الفحص الطبي للمنطقة يشكو المصاب من آلام قوية بالضغط على أسفل العمود الفقري. ويمكن التأكد من وجود الكسر أو الشِعر في العصعص بعد الفحص بالأشعة أو التصوير الطبقي.

ما العلاج؟ إذا كان الشِعر أو الكسر بسيطاً، فلا حاجة الى التدخل الجراحي، ويتم تطبيق العلاج المحافظ الذي يقوم على استخدام الأدوية المسكنة، واستعمال مخدّة طبية خاصة، وتفادي الجلوس على أسطح ملساء صلبة، وتجنب الجلوس لفترات طويلة.

٢- الالتهابات غير الجرثومية، وهي المسؤول الأول عن آلام العصعص، وتحدث هذه الالتهابات في الأربطة التي تحيط بعظمة العصعص، خصوصاً عند الحوامل والأشخاص الذين تتطلب أعمالهم الجلوس لفترات طويلة على مقاعد ذات أرضية قاسية.

ويعاني الشخص المصاب بالتهابات العصعص غير الجرثومية من آلام حادة أو مزمنة عند الجلوس وكذلك عند النهوض، لكنها تتوارى عند الوقوف أو المشي، وقد تظهر مجدداً عندما يستلقي المريض على ظهره. وخلال الفحص السريري يكتشف الطبيب أن المصاب يعاني من آلام عند الضغط على منطقة العصعص.

ولا يفيد الفحص الشعاعي في تشخـــيص الإصابة، لكنه مطلوب لتأكيد عــدم وجود شرخ أو كسر في العصعص.

ما هو العلاج؟ يشمل العلاج عدداً من الخطوات المسالمة، مثل الأدوية المضادة للالتهابات والمسكنة للآلام، والمغاطس الدافئة، والراحة، وفي بعض الحالات يمكن إعطاء حقن موضعية بأدوية الكورتيزون.

٣- الروماتيزم، إن أمراض الروماتيزم التي تصيب الفقرات أو المفصل الحرقفي العجزي أو أمراض الروماتيزم المناعية يمكنها أن تسبب آلاماً في العصعص وفي أسفل الظهر، وتزيد حدة هذه الآلام مع مرور الوقت. ويتم تشخيص هذه الأمراض بناء على الفحص الطبي والتحريات المخبرية والشعاعية.

ما العلاج؟ يقوم العلاج على مداواة أمراض الروماتيزم التي تثير آلام العصعص، وذلك بوصف مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، وقد يحتاج الأمر إلى حقن الكورتيزون موضعياً.

٤- الناسور العصعصي، ويدعى أيضاً الناسور الشَعري، وهو تجويف يوجد على سطح الجلد أسفل الظهر منذ الولادة، وفي معظم الحالات يكون الناسور صغيراً وسطحياً. ويشكو المصاب به من آلام والتهابات جرثومية تعاوده من وقت إلى آخر، وتتسبب في طرح مفرزات صديدية أو دموية.

ويتم تشخيص الناسور بالفحص السريري، وقد يحتاج الأمر إلى الفحص بالأمواج فوق الصوتية أو التصوير بالرنين المغناطيسي.

ما العلاج؟ إن العلاج ليس ضرورياً في الحالات البسيطة من الناسور العصعصي. في المقابل، إذا كان الناسور العصعصي عميقاً، أي ممتداً في العمق تحت سطح الجلد، أو إذا أُصيب بالتهاب، فهنا لا بد من العلاج.

5- أورام العصعص، وهي على وجه العموم نادرة لكنها قد تحدث في منطقة العصعص وفي المنطقة التي تقع فوقها والمعروفة بعظمة العجز. وتسبب الأورام آلاماً تلازم صاحبها فترة طويلة، وهي تشتد مع مرور الوقت ولا تستجيب العلاجات الكلاسيكية. وتنمو أورام العصعص ببطء شديد، وغالباً ما يتم اكتشافها في طور متأخر.

وتشخص أورام العصعص بواسطة الأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية. وإذا تأكد وجود الأورام، فإن العلاج يتم في مركز متخصص وتحت إشراف طبي.

6- الحمل وآلام العصعص، إن آلام العصعص شائعة عند الحوامل، وغالباً ما تحدث عند الجلوس لفترات طويلة على سطح ناعم وقاس، وتسبب هذه الآلام إزعاجاً شديداً للحامل، وهي تبرز على فترات متقطعة في البداية تصبح دائمة في نهاية المطاف، خصوصاً في نهاية الحمل. وأهم سبب لآلام العصعص في فترة الحمل الإصابات القديمة لعظمة العصعص التي لا تأتي المرأة على ذكرها. وما يزيد الطين بلة أنه في فترة الحمل تحدث تغيرات في مركز ثقل الجسم فينحرف العصعص أكثر عن القاعدة. وإذا جلست الحامل طويلاً على سطح قاس، فإنه يتشكل نوع من الركود الدموي في الحوض فتتورم الأنسجة ويزيد الضغط على الأعصاب والجذور، ما يؤدي إلى المعاناة من الألم في أسفل الظهر.

وهناك عوامل تشجع على إثارة آلام العصعص، من بينها نقص الكالسيوم خلال فترة الحمل، وعدم ممارسة الرياضة، وهورمون الريلاكسين، وزيادة الوزن، والإصابة ببعض الأمراض المزمنة، والجلوس لفترات طويلة.

وتحصل آلام العصعص على شكل نوبات، وهي تزيد عند الوقوف أو الانتقال إلى الوضع الأفقي، أو أثناء العطاس أو السعــال أو التغوط، وغالباً ما ينتشر الألم إلى الفخذ أو الأرداف. وتميل الآلام إلى الاشتداد ليلاً، لكنها تكون متقطعة نهاراً. وفي كثير من الأحيان تركن الآلام وحدها من دون أن تختفي تماماً لتترك شعوراً بحس الثقل والتعب في أسفل الظهر.

ما العلاج؟ يجب تفادي البقاء في وضعية واحدة لمدة طويلة، والانتقال على مهل من وضعية الجلوس إلى الوقوف، واستخدام وسائط داعمة للظهر عند النوم والجلوس، وتفيد التمارين العلاجية التي تهدف إلى تأمين استرخاء العضلات والأربطة، وكذلك التدليك اليدوي.

إن آلام العصعص شائعة نوعاً ما، خصوصاً عند الجنس اللطيف، وهي قد تتحول إلى الإزمان، وقد تبلغ حداً تمنع المصاب بها من ممارسة النشاطات اليومية. من هنا يجب مراجعة الطبيب باكراً ما أمكن من أجل الكشف الدقيق عن السبب المؤدي إليها وعلاجه بالطريقة المناسبة. وفي شكل عام هناك خطوط عريضة لتدبيرها، أهمها:

1- تجنب الجلوس على أسطح صلبة وقاسية.

2- تجنب الجلوس لفترات طويلة متواصلة.

3- النوم على أحد الطرفين.

4- استعمال مخدّة طبية خاصة للعصعص تستعمل في كل الأوقات.

5- استعمال المغاطس الدافئة.

6- على السائقين الذين يقودون لفترات طويلة أن يستعملوا وسادة طبية عند الجلوس.

7- إجراء جلسات معالجة فيزيائية طبيعية.

8- إذا لم تعط الارشادات السالفة نتيجة، فإنه يمكن استعمال الأدوية المسكنة المضادة للالتهاب.

9- إذا فشل العلاج السابق، فإن حقن منطقة العصعص بالكورتيزون يعطي نتيجة إيجابية.

10- في خصوص الحل الجراحي، فإن من النادر جداً اللجوء إليه لأنه لا يعطي نتائج مرضية.

+ -
.