آينشتاين.. صاحب النسبية ورائد الفيزياء الحديثة

في 14 مارس/آذار 1879 في مدينة أولم بألمانيا، ولد ألبرت آينشتاين -أشهر علماء العصر الحديث- الذي أصبح اسمه مرادفا لمعنى “العبقرية”، رغم أنه فشل في امتحان الالتحاق بمعهد البوليتكنيك السويسري قبل أن ينجح في ذلك في العام التالي وعمره 17 عاما.

تخرج آينشتاين من ذلك المعهد عام 1900، وبعد ذلك بعامين أصبح موظفا صغيرا لفحص براءات الاختراع في مكتب براءات الاختراع السويسري في بيرن، حيث تخصص في الأجهزة الكهربائية.

وفي عام 1905 تجلى نبوغ آينشتاين في أبهى صوره قبل أن يتجاوز عمره 26 عاما، لدرجة أن أطلق عليه “العام المعجزة” بالنسبة لآينشتاين، ففيه نشر أربع أوراق بحثية غيرت شكل الفيزياء إلى الشكل الذي نعرفه بها اليوم.

الأوراق الأربع
التأثير الكهروضوئي، وتفسر هذه الورقة التأثير الكهروضوئي -وهو من قواعد الإلكترونيات اليومية الحديثة- بتطبيقات عملية كالتلفزيون. وساعدت ورقته هذه في إفساح المجال أمام ميكانيكا الكم من خلال التأكيد أن الضوء جسيم وموجة في الوقت ذاته، وعن هذا العمل بالذات تم منح آينشتاين لاحقا جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921.

الحركة البراونية، وفيها يؤكد آينشتاين أن حركة الجزيئات التي تبدو عشوائية في السائل (الحركة البراونية) هي جزء يمكن التنبؤ به وقياسه من حركة الذرات والجزيئات. وساعد ذلك في تأسيس نظرية الحركية الجزيئية للحرارة. فإذا سخنت شيئا فإن الجزيئات داخله تهتز. وفي الوقت ذاته قدم آينشتاين تأكيدا قاطعا بأن الذرات والجزيئات موجودة في الواقع.

النسبية الخاصة، وفي هذا العام أيضا نشر آينشتاين نظرية النسبية الخاصة. فقبل هذه النظرية كان المكان والزمان والكتلة أمورا مطلقة، وهي واحدة للجميع، لكن آينشتاين أظهر أن الناس يعون الكتلة والمكان والزمان بشكل مختلف، غير أن هذا التأثير لا يظهر حتى يبدأ الشخص بالتحرك تقريبا بنفس سرعة الضوء. وعندها ستجد على سبيل المثال، أن الزمن في سفينة فضائية تتحرك بسرعة يبطئ، بينما تزيد كتلة السفينة.

ووفقا لآينشتاين، فإن السفينة الفضائية التي تسافر بسرعة الضوء ستملك كتلة لانهائية، والجسم الذي يملك كتلة لانهائية يملك أيضا مقاومة لانهائية للحركة، ولهذا “لا يمكن لأي شيء أن يتسارع إلى سرعة أسرع من الضوء”. وبسبب نظرية النسبية الخاصة، يُنظر إلى الضوء الآن على أنه مطلق في كون من قيم متحولة من المكان والزمان والمادة.

تكافؤ المادة والطاقة، ونصت هذه الورقة على أن الكتلة والطاقة متكافئان، وهذه النظرية يمكن تمييزها في المعادلة E=mc2 المعروفة. وتعني هذه المعادلة أن الطاقة (E) تساوي الكتلة (m) مضروبة في مربع سرعة الضوء (c)، وهي تعني ببساطة أن المادة والطاقة شيء واحد. لكنها رغم ذلك نظرية عميقة لأن سرعة الضوء عبارة عن رقم ضخم، فوفقا للمعادلة يمكن لمقدار صغير من الكتلة أن يتحول إلى مقدار ضخم من الطاقة.. على غرار القنبلة الذرية.

لكن آينشتاين لم يتوقف هنا، ففي مطلع عام 1911 تنبأ بأن الضوء الذي يمر قرب كتلة ضخمة -مثل نجم- قد ينحني، وهي الفكرة التي قادت إلى وضع نظريته الأشهر وهي نظرية النسبية العامة عام 1916. وهذه الورقة البحثية أسست للنظرية الحديثة للجاذبية، وأعطتنا مفهوم “الفضاء المنحني”. ففيها أظهر آينشتاين مثلا أن الكتل الصغيرة -مثل الكواكب- تشكل ما يشبه الدمامل في الزمكان بحيث بالكاد تؤثر في مجرى ضوء النجوم، لكن الكتل الضخمة -مثل النجوم- تنتج فضاء منحنيا قابلا للقياس.

وحقيقة أن الفضاء المنحني حول شمسنا يمكن “قياسه” دفعت علماء آخرين لإثبات نظرية آينشتاين، ففي عام 1919 صورت حملتان نظمهما آرثر إدينغتون النجوم قرب الشمس خلال الكسوف. وقد أظهر نزوح تلك النجوم بالنسبة إلى مواقعها الحقيقية في الكرة السماوية أن جاذبية الشمس تؤدي فعلا بالفضاء إلى أن ينحني، بحيث إن ضوء النجوم الذي يمر قرب الشمس ينثني عن مساره الأصلي. وأكد هذا الرصد نظرية آينشتاين وجعل منه اسما مألوفا.

إشكاليات
لكن المثير للاهتمام أن نظريات آينشتاين تضمنت عناصر لم يكن نفسه يقبلها، فقد كان في بعض النواحي كارها لأن يكسر كثيرا من نظريات نيوتن/ماكسويل التي بنى عليها أعماله.

كما أنه لم يقبل بعض مبادئ ميكانيكا الكم، مثل فكرة اللاتحديد (اللاتعيين). لكن مع نهاية عشرينيات ذلك القرن، انتقلت ميكانيكا الكم إلى واجهة الفيزياء الحديثة، ومع ذلك لم يتقبل آينشتاين بشكل كامل كثيرا من النظريات الجديدة، وخرج بتصريحه الشهير أن “الله لا يلعب النرد”.

إلى جانب ذلك فإن نظرية النسبية العامة اقترحت أن الكون إما يتمدد أن ينكمش. لكن آينشتاين لم يكن يتقبل هذه الفكرة، ولهذا فإنه في عام 1917 أدخل تعديل “الثبات الكوني” في نظريته، بحيث تجعل الكون ثابتا. لكن في عام 1929 حصل الفلكي الأميركي إدوين هابل على أدلة رصدية بأن الكون آخذ بالاتساع فعليا، وبذلك أجبر آينشتاين على مراجعة نظريته، واعتبر أن إدخال “الثبات الكوني” إليها كان أكبر أخطائه.

ويوضح هذا الجانب من شخصية آينشتاين أحد أسباب أسطورته وشعبيته الواسعة، فقد كان بإمكان هذا العبقري تصور آليات الكون بطرق يجد كثيرون منا صعوبة حتى في استيعابها، ومنحتنا مخيلته إجابات لأسئلة لا يفكر معظمنا حتى في طرحها، لكنه مع ذلك كان عرضة للتحيز والضعف، لأنه كان -مثل بقيتنا- بشريا تماما.

حمل آينشتاين الجنسيتين السويسرية والأميركية، وكان يفضل التركيز على عمله والابتعاد عن الخوض في السياسية، لدرجة أنه رفض -وهو المولود لوالدين يهوديين- عرضا لتولي منصب رئيس دولة إسرائيل.

توفي هذا العالم يوم 18 أبريل/نيسان 1955 في مدينة برينستون بولاية نيوجرسي الأميركية وله من العمر 76 عاما، وترك خلفه ثلاثة أبناء هم إدوارد وهانس وليسثرل.

+ -
.