قبل ثلاث سنوات قال أحد الوزراء البريطانيين إن ألكس سالموند، زعيم الحزب الوطني الإسكتلندي، يعتقد أنه سيصبح «أتاتورك إسكتلندا»، فضحك الوزراء بسخرية مستبعدين تماماً فكرة استقلال المقاطعة وتفكيك بريطانيا العظمى بعد أكثر من ثلاثة قرون من وجود الإمبراطورية التي حكمت العالم. لكن اليوم، وقبل أيام معدودة من الاستفتاء، الخميس المقبل، على استقلال إسكتلندا يعيش كبار السياسيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء ديفيد كامرون وجميع وزرائه، أكبر حالة استنفارٍ وقلق بعدما أظهرت جميع استطلاعات الرأي الأخيرة أن المؤيدين للاستقلال والمعارضين له متقاربين لحد استحالة التكهن بالنتيجة.
وامتلأت أحاديث وخطب السياسيين في طول المملكة المتحدة وعرضها بالمخاطر والأضرار والتكلفة المادية والاستراتيجية والتاريخية التي ستلحق بأكبر إمبراطورية في تاريخ البشرية إذا اختار الإسكتلنديون الانفصال وتأسيس دولتهم المستقلة. لكن سالموند بدا واثقاً أمس من فوز معسكره بعدما أظهر استطلاع للرأي أعدته مؤسسة ICM الشهيرة تقدمه بثماني نقاط على خصومه.
وبينما حذرت الأسواق المالية من الكوارث التي يمكن أن تحل باقتصاد «دولة إسكتلندا» الوليدة حذر رجال الاستخبارات من أنه في يوم إعلان الاستقلال ستفقد إسكتلندا الوليدة الاستفادة من خدمات جهازي الاستخبارات الداخلية والخارجية، MI5 و MI6، ما سيعرّض الجزر البريطانية كلها إلى أخطار جسيمة من المنظمات الإرهابية مثل «داعش». ونقلت صحيفة «ذا ميل أون صنداي» عن ألكس كارلايل، المشرف السابق على تشريعات قوانين الإرهاب في بريطانيا، قوله إن جهاز الاستخبارات الجديد لـ «إسكتلندا المستقلة» سيضم نحو 720 جاسوساً فقط، وهو عددٌ غير كافٍ لحفظ الأمن وحماية الحدود. وأضاف أن التعاون الأمني مع الولايات المتحدة قد يكون معقداً لأن واشنطن فقدت ثقتها في الحكومة الإقليمية الإسكتلندية عندما قررت إطلاق سراح الليبي عبد الباسط المقراحي المدان في كارثة «لوكربي» الشهيرة.
وربما يتعزز عدم الثقة الأميركي في «حكمة الإسكتلنديين» بعدما أعلن سالموند أمس أن إسكتلندا، في حال استقلت عن بريطانيا، لن تشارك في أي هجوم عسكري على «داعش» إلا في إطار تفويض دولي من الأمم المتحدة، وهو ما قد يتعارض مع خطط البيت الأبيض. وفي لندن قال «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أكبر بنك معلومات عسكرية في بريطانيا، إن استقلال إسكتلندا سيُخرجها من مجموعة الـ «العيون الخمس» Five Eyes، وهو برنامجٌ لتبادل المعلومات الاستخبارية بين كلٍ من بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.
كما حذّر وزير الأمن السابق، لورد ويست، أن لندن وواشنطن ستضطران إلى التجسس على «دولة إسكتلندا» في اليوم الذي تعلن فيه استقلالها، لقناعة العاصمتين بأن الدولة الوليدة لن تكون قادرة على حماية نفسها وجيرانها من أخطار الإسلاميين المتطرفين.
إلى ذلك، زار الإمبراطور الإعلامي روبرت ميردوخ إسكتلندا أمس ليتعرف بنفسه إلى رغبة الإسكتلنديين قبل أن يتخذ قراراً بتوجيه صحيفة الـ «صن» الإسكتلندية التي يملكها، بدعم أيٍ من المعسكرين. وترددت أنباء في الصحف البريطانية أمس أن ميردوخ أميل لدعم استقلال إسكتلندا، وقد يفعل ذلك في اللحظات الأخيرة، ما قد يؤثر بدرجة كبيرة على نتيجة الاستفتاء.
ويبدي قادة الاتحاد الأوروبي بدورهم صعوبة في إخفاء توترهم إزاء احتمال حصول إسكتلندا على استقلالها خشية أن يتحوّل ذلك إلى عدوى في أوروبا، ويلوحون بالتهديد بعدم قبول إسكتلندا عضواً في الاتحاد. وأثار رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيه مانويل باروزو، غضب مؤيدي الاستقلال في شباط (فبراير) عندما صرح بأنه «سيكون من الصعوبة بمكان، بل من المستحيل» أن تنضم إسكتلندا كدولة مستقلة إلى الاتحاد الأوروبي. لكن «أتاتورك إسكتلندا» يأمل أن ينتزع تعديلاً للمعاهدات الأوروبية تسمح لإسكتلندا، في حال استقلت، بالبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي قبل بدء تنفيذ الاستقلال فعلياً مطلع 2016.