بقلم نزيه بريك – الجولان المحتل
حدَّثتني بائعةُ ورود، حدَّثتها بائعة فواكه:
التفاحةُ اعترفتْ
تحت أسنانِ الميثولوجيا، بأنها
تاريخ ميلاد الصراع البشري
حدَّثني ناسك هندي، حدَّثهُ “كريشنا”:
الحياة خطوتين إلى الوراء
والموت
خطوة إلى الأمام
وعليك أن تهزم نفسك، كي تصل مُنتصراً
حدَّثني مولانا الرومي، حدَّثهُ التبريزي:
ليس كل دمع سائلاً
وليست كل نار من أصول
أحفورية
بعض الحرائق سببها
“النيرفانا”
حدَّثني مهندسُ ميكانيك ألماني، حدَّثه الحلاج:
الصوفية تمتلك محركات نفاثة
و”نيوتن” سرق منها
القانون الثالث للحركة
حدَّثني قمرٌ صناعي، حدَّثتهُ نجمة الصُبح:
الأرضُ سريرُ أطفال،
والبشرُ
حشراتٌ منفوخة من لعقِ الدماءِ
حدَّثني حفار قبور، حدَّثهُ خبير في البيئة:
الموت ليس سوى مُولِّدات لإنتاج
الطاقة النظيفة
خالية من المراوح…
حدَّثني مُدير المعارف، حدَّثهُ الشيخ الأكبر ابن عربي:
الأسئلة فيتامينات تُقوّي
عظام المعرفة،
والشك
عوارض ضرورية
حدَّثني عباسُ بن فرناس، حدَّثهُ جلال الدين الرومي:
الأرضُ؛ غير صالحة للطيران،
وفقط
للهبوط العمودي
حدَّثني نهر الدجلة، حدَّثهُ ملائكٌ،
أنه وَجدَ الله
يسبحُ
في دم الحلاج
حدَّثني بائع أسماك، حدَّثهُ نهرٌ من الشمال،
أن أسماكَ السلمون
من أتباعِ
الصوفيةِ
حدَّثني ناسكٌ من التبت، حدَّثهُ جبل “كايلاش”:
الوِحدة؛ مشروعُ استخراجِ
مياه الشربِ
من باطنِ الروحِ
حدَّثني خبير في الماء، حدَّثهُ جابر بن حيان:
الجليدُ؛
وسيلةٌ لتعذيبِ الماءِ
والبخارُ
طريقُ الحرية
حدَّثني حكيمٌ، حدَّثهُ مُجَرِّبٌ:
الحياةُ، الموتُ
الصوتُ، الصمتُ
الوطنُ، المنفى
ليسوا إلا
وحدات قياسِ حرارةَ الوقتِ
حدَّثني لاجئ، حدَّثهُ رسامٌ تشكيليٌ:
إن لم تصفع اللون على وجهه
وتترك ندبةً في القماشِ
لن تخرجَ أبداً
من إطار اللوحةِ
حدَّثني قرمطي، حدَّثتهُ قارئة فنجان:
إن دهسّتَ قطة بغير قصد
وشعرتَ
بدمِكَ يتخثر من الوجع،
إن رأيتَ شجرة تحترقُ
وأحسستَ
بالبرد ينخرُ عظامك،
ستكون حياتك صعبة،
وما بَعدها
سيكون أجمل
حدَّثني مزارع، حدَّثهُ جُندبٌ،
أنه رأى النملَ يمشي
خلف الله
ويلتقط
حبيباتَ السكر المتساقطة
من خطواتهِ
حدَّثني كافرٌ …، حدَّثهُ متقمصٌ،
أنه لم يرَ عند الله كرسياً،
ولا حُرّاساَ يحملون السلاح،
بل رآهُ
يقرأُ
ويبتسم
حدَّثني طفلُ الرصيفِ، حدَّثتهُ أمه بائعة الأمل،
أن الله
أصدرَ مرسوماً بشقِ طريق سريعٍ
بين الأرض والسماء
لإرسالِ شحنات من الأحذية،
كي يتمكنوا من قطع الطريق…
حدَّثني الجاحظ، حدَّثهُ الجرجاني،
أن فراشة وقعتْ
في حب زهرة، فاتهمها
التأويلُ الديني
بالمِثلية
حدَّثني مأمور الأحراش، حدَّثتهُ الصحراء:
الجبال كانوا شعراء، وبلغوا
مرتبة الصمتِ
من شدّة الاحتكاكِ
بالميتافيزيقيا
حدَّثني خبير عطور، حدّثهُ ابن بطوطة:
قيمةُ التراب؛
تكمنُ
في رائحة المكانِ
حدَّثني عالم أنثروبولوجي، حدَّثهُ “داروين”:
القرد كان يفكر
بالانتقال إلى مرتبة الإنسان، لكنه
عَدَلَ عن المخاطرةِ بحياته
واختار جنَة الغابة
حدَّثتني زجاجة عذراء، حدَّثها نادل في الجنة:
قوس القزح كان لونه
أسود-أبيض،
حتى شرب الخمرة
ورفع
نخبَ التعددية
حدَّثني طيّارٌ متيمٌ، حدَّثه عمر ابن أبي ربيعة:
الأنثى
يمكنها بإطلاقِ نظرة خَرّقَ
حاجز الصوت
دون أن تُصيبَ الأذن بأذى
حدَّثني ابن الهيثم، حدَّثهُ جندي عاد من الجبهة:
في الحرب
تتسعُ العينان وتَتحَجَّر
وفي الحب
يحدثُ العكس تماماً
حدَّثني عاشقٌ، حدَّثهُ خبير في عناصر الكيمياء
أن الحبُّ كالماء،
يمكنك لمسَهُ والاغتسال به، لكنه
سيهربُ
إن حاولت القبضَ عليه
حدَّثني شاب من الحيّ، حدَّثتهُ رابعه العدوية
في العشقِ
يتَّسعُ الطريقُ
والشباكُ يستحيلُ سريراً للنوم
في العشقِ
تتَّسعُ الدارُ
وصعودُ الدرج يُمسي أسهلَ من نزولهِ
حدَّثني صوتُ عاشقٍ، حدَّثتهُ عينٌ فوقَ البنفسجيةِ
بعضُ النساء
استخرجها الله
من مقالع أحجار الرخام
حدَّثني مؤرخ مخضرم، حدَّثهُ القائم بأعمال المكان:
الذكرياتُ، بعضها من ذواتِ الدمِ الحار
تسيرُ في الشوارع مغمضة العينينِ
تذهبُ ليلاً إلى المقاهي لتفرغَ حمولتها…
تعودُ أول الفجر، وتفتحُ
بابَ البكاءِ
حدَّثني ابن البيطار، حدثته شهرزاد:
زهرة اللوتس
فتاةٌ اختبأت في الماء،
فَنَجَتْ من سيف شهريار
وتناسلتْ
حدَّثني صياد لؤلؤ، حدّثهُ أخصائي DNA:
جزر السيشيل كانت قصيدة، وسقطتْ
من سفينة أبو النواس
وهو مخمور،
ثم تبعثرتْ بيوتها
بين الكاريبي والمالديف
حدَّثني فرس البحر، حدّثهُ القرش الأبيض:
ما كان البحر ليولد، لو لم يصادق
الماءُ والملحُ
على ميثاقِ العيش المشترك
حدَّثني كاتبٌ صحفيٌ، حدّثته الجبالُ والتلالُ:
البحيرة الصافية مصوّرَةٌ مُحترفَةٌ
وشفافةٌ،
ترفضُ وسائلُ الإعلام توظيفها
حدَّثني الجندي المجهول، حدّثهُ مقاتل في قوات الأدب
أن السيّاب استقالَ من كتيبة البحور، كي
يركض حراً
في حقول النثر
حدَّثني العكاز، حدَّثتهُ طريق الألف دمعة:
حذائي الذي ورثته عن جدّي
-وما زال صالحاً للفقر والقهر-
أصغر سناً من الحاكم الذي
ورثناهُ بالدم
حدَّثني مربي أغنام، حدَّثهُ البند الأول من دستور القطيع:
من حق الحمار أن يكون رئيساً
للحظيرة،
والكلب مديراً
لشؤون المراعي
حدَّثتني ابنةُ الجغرافية، حدَّثها حفيدُ التاريخ
أن مناهج التدريس ينقُصها
مادة الذكريات،
وفِقهِ
صراع البقاءِ
حدَّثني نجار القصر، حدَّثه الناطق باسم الأثاث:
الكرسي لم تعرفَ الحبَّ بسبب
مؤخرات الذئاب، التي
تركتْ الندوبَ على وجهها
حدَّثني ساعي بريد، حدَّثه بيتُ العنكبوت:
الحاكم طمأنهُ،
أن أصحابَ البيوت
لن يعودوا
من المنفى
حدَّثني “المسخ”، عضو المذهب العبثي في الأدب، حدَّثه “كافكا”:
كثيرا ما يحدث،
أن بعض الحشرات تتحوّل
إلى رُؤساء دولٍ
حدَّثني صيادٌ عربي لاجئ، حدَّثه ابن خلدون:
بعض الأوطان مثل العصافير البرية
إن اقتربتَ منها
تفِرُّ مذعورة
وتقطع الحدود
حدَّثني كلبُ الحنين، حدَّثه مجنونُ غربة:
الشوق؛
حين يتسلق على الجدران
يهِزُّ بِذيلِه، ويحُكُّ
جَسدَه بجَسدِك
حدَّثني لاجئ كافرٌ، حدَّثتهُ زرقاء اليمامة:
خيانة التطبيع خرجت
من الحجِر الصحي
والآتي أوسخ
حدَّثني “جلجامش”، حدَّثهُ صاروخ حراري يتعقب أتباع الشعر،
أن المتنبي رفض الصعودَ
إلى سفينة نوح
واختار السباحةَ بين المجرّات، حتى
دخل بقاربه
نهر الخلود
حدَّثني أبو العلاء، حدَّثتهُ وَرّد،
أن صوت الأنثى
كان مصيدة لديك الجن،
وكلما حرقته أنثى،
خرج من قساطل قصائده
دخان أبيض كثيف
حدَّثني حارس “بولدير”، حدَّثته سنيه صالح:
الماغوط وصل مرهقاً
ودخل الجنة
من باب النثر
حدَّثتني امرأة من الزعفران، حدَّثتها نادلة من القرنفل:
علي الجندي وُلِد في المقهى
من زجاجة خمرٍ
وترعرع
في كأس أبو النواس
حدَّثني ضابط التحقيقات الأدبية، حدَّثهُ “زرادشت”:
نيتشه كان مخموراً وأخطأ بقوله:
“على هذه الأرض ما يستحق الحياة”،
لكن درويش رفضَ الاتهامَ
حدَّثني شرطي الآداب، حدَّثهُ “شيلنغ”،
أن “هيجل” كان يتلصص من غرفته
على كبار الصوفية حين وضع
قوانين الديالكتيك
حدَّثني عود ثقاب خرج من الزنزانة، حدَّثهُ خازن النار
أن “دانتي” مكث طويلا في طبقات الجحيم
قبل أن يستقرَّ نهائياً
في الجنة
حدَّثني برج مراقبة حركة الطيران، حدَّثهُ “برونتيو لاتيني”
أن مركبة “الكوميديا الإلهية” اصطدمتْ
بكوكب “رسالة الغفران”،
مما أدى إلى تغيير مسارها
نحو الكنيسة
حدَّثني قناصٌ، حدَّثته درجة الحرارة
أن الرصاصة
لا تُحب
ذوات الدم البارد
حدَّثتني فيروز، حدَّثها “الفيتو”
أن أغنية
“يا الله تنام ريما”
لم تمنع الحرب
من مدِّ يدها إلى الأطفال
حدَّثني رجل دين، حدَّثهُ ماركس
أن “الفيمِنزم”
وسيلة إنتاج طوَّرها
رأس المال
حدثني مجنون، حدثة عاقل
لا تستطيع ان تحارب الكراهية بالكراهية
وانما تستطيع ان تحارب الكراهية بالمحبة