أزمة منطقة اليورو مستمرة

لا تزال أزمة الاقتصادات الأوروبية مستمرة على رغم بيانات حديثة تؤشر إلى تحسن في أداء اقتصادات في منطقة اليورو مأزومة مثل الاقتصادين الإسباني واليوناني. فاستناداً إلى بيانات أخيرة من المفوضية الأوروبية سيحقق الاقتصاد الإسباني معدل نمو بحدود واحد في المئة خلال 2014. وإسبانيا في صدد خفض الضرائب على أصحاب الدخول المتوسطة والدنيا وإعفاء من تقل مداخيلهم عن 12 ألف يورو سنوياً. وتأتي هذه القرارات بناء على التحسن في أداء الاقتصاد الإسباني بما يؤكد أهمية دفع النشاط الاقتصادي إلى الانتعاش بفعل الإنفاق الحكومي والخاص والشخصي بدلاً من آليات التقشف المعتمدة منذ أكثر من عامين لخفض العجز في الموازنة.

ولكن ممثلي المعارضة في البرلمان ومراقبين اقتصاديين أثاروا ملاحظات تؤكد ان إسبانيا لا تزال في طور النقاهة وأن أمامها طريقاً طويلة للتعافي، فمعدل البطالة لا يزال عند 26 في المئة، مقارنة بـ 12 في المئة في الاتحاد الأوروبي. ويبلغ معدل بطالة الشباب في إسبانيا 40 في المئة. ومن أهم عوامل التفاؤل البيانات المتعلقة بالمالية العامة. فالتوقعات تشير إلى انخفاض معدل العجز في الموازنة إلى 5.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

ويمكن اعتبار تحقيق فائض مقداره 1.5 بليون يورو في موازنة الحكومة اليونانية من أهم الأخبار الجيدة هذا العام. وتمكنت الحكومة من بلوغ الفائض عاماً قبل الموعد المتوقع ما يعني ان السياسات المالية التقشفية التي تبنتها تحت ضغوط الدائنين بدأت تحقق النتائج المرجوة. ولكن على رغم ان الاقتصاد اليوناني تراجع بنسبة 25 في المئة عن المستوى القياسي للناتج المحلي الإجمالي الذي تحقق في 2007 فإن ثمة مؤشرات إلى تحقيق نمو موجب العام الجاري، قد يصل إلى 0.5 في المئة.

وتشير بيانات السياحة في اليونان إلى تحسن في الإيرادات التي تجاوزت 12 بليون دولار عام 2013، وقد تتحسن بنسبة 3.2 في المئة العام الجاري. وتساهم السياحة بنسبة 6.5 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي. وإذا أخذنا في الحسبان مساهمات قطاع السياحة والسفر غير المباشرة ترتفع مساهمة القطاع الإجمالي إلى 30 بليون دولار بما يعني 16.4 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي. ولا شك في ان هذا القطاع يعتبر أساسياً في عملية الإنعاش الاقتصادي نظراً إلى كونه مشغلاً كبيراً لليد العاملة ففيه نحو 800 ألف وظيفة. لذلك تأمل الحكومة اليونانية في ان تؤدي الزيادة في تدفق السياح إلى التغلب على مشاكل البطالة إلى حد كبير.

والتركيز على إسبانيا واليونان لا يعني ان مشاكل بلدان أخرى مثل إيطاليا أو البرتغال أقل أهمية، بل هي مهمة ولا تزال تتطلب معالجات هيكلية أساسية. ولكن المفوضية الأوروبية ترى ان أوضاع البلدان الأعضاء تشير إلى تحسن، وهي أشارت إلى إمكانية تحقيق معدل نمو في بلدان مجموعة اليورو بنسبة 1.2 في المئة العام الجاري. ويؤكد مسؤولون في الاتحاد الأوروبي ان معدل العجز في موازنات الاتحاد الأوروبي قد تنخفض خلال هذا العام إلى 2.7 في المئة وربما إلى 2.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لبلدان مجموعة اليورو.

هل يعني هذا التعافي ان السياسات التي اعتمدت في البلدان المأزومة، مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال وإرلندا وقبرص، يمكن تعديلها أو على الأقل تخفيف حدة التقشف المطبق في آليات الإنفاق؟ ربما تحسّن حكومات بالتوافق مع الدائنين معدلات الإنفاق على الخدمات الاجتماعية الموجهة إلى الفئات المهمشة والفقيرة، وتحفز الإنفاق العام من أجل تطوير أعمال تؤدي إلى إيجاد وظائف.

ولا بد من ان تعتمد البلدان الأوروبية على سياسات تحفز الاستهلاك المحلي في شكل أكبر من الماضي من دون فقدان الحماسة إلى تعزيز الصادرات إلى خارج نطاق الاتحاد الأوروبي. وغني عن البيان ان زيادة الصادرات تتطلب اعتماد آليات جديدة ونوعية للتمكن من التغلب على معوقات التنافسية في الأسواق الدولية، مثل السيطرة على تكاليف العمال وتحسين جودة المنتجات الأوروبية. وهذه تحديات مهمة أمام بلدان الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بلدان منطقة اليورو، وربما تتطلب كثيراً من الإصلاحات البنيوية.

تعاني القارة العجوز منافسة بلدان آسيا وأميركا الشمالية والجنوبية. وتواجه معضلة نمو الاستهلاك داخل البلدان الأعضاء التي تمر بفترة ركود في النمو السكاني إذ يقدَّر معدل النمو السنوي بحدود 0.21 في المئة. وتتزايد أعداد كبار السن في الدول الأوروبية وتبلغ نسبتهم من إجمالي السكان، أي الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة، 18.2 في المئة، ومعلوم ان مستوى الاستهلاك الشخصي ينخفض مع تقدم العمر. وربما تعوض أوروبا انخفاض معدل النمو السكاني الطبيعي بتدفقات الهجرة، وإن كانت هناك معارضات حادة للهجرة البينية أو تلك المقبلة من خارج الحدود الأوروبية.

مهما يكن من أمر تشير الإدارات الاقتصادية، سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي أو في البلدان ذاتها، إلى جهود حثيثة للتغلب على كل المعضلات التي تعانيها بلدان الاتحاد، وهي لا شك جهود ستحقق نتائج ملموسة خلال السنوات المقبلة.

 

+ -
.