مثل نيويورك ولندن وحتى ميلانو، اتفق مصممو باريس أن تكون الرومانسية عنوانا عريضا لتشكيلاتهم لربيع وصيف 2014. نعم اختلفت الألوان والتصاميم لكن ظلت الحبكة متشابهة، تلعب على العاطفة والوجدان مع تقديم باقات من الورد لنيل رضا المرأة.
ولأن إرضاء جميع الأذواق يعتبر من التحديات الصعبة، إضافة إلى الضغوط المتزايدة لتحقيق النجاح التجاري بأي شكل في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، كان لا بد من التنوع الذي وصل في بعض الأحيان حد المبالغة، مما ضيع على البعض فرصة الإمساك بكل الخيوط والتحكم فيها.
«نينا ريتشي».. رومانسية حتى العظم.
المصمم بيتر كوبينغ، مصمم دار «نينا ريتشي» كاد يقع في مأزق التنوع المشتت لولا أن روح «نينا ريتشي» الرومانسية أنقذته. كوبينغ ارتأى أن يقدم للموسمين القادمين، قطعا متنوعة بأساليب مختلفة تستهدف مخاطبة المرأة في كل أنحاء العالم، أيا كان ذوقها وأسلوبها. ورغم أن النظرة الأولى أعطت الانطباع بأنها مثيرة بشكل مبالغ فيه، من حيث شفافيتها، فإن نعومتها الحالمة شفعت لها الكثير. فالمعروف أن الرومانسية متأصلة في جذور «نينا ريتشي» منذ تأسيسها، ويبدو أن بيتر كوبينغ وجد فيها ضالته مما جعله يعود إليها في كل موسم، إلى حد أنه أقنعنا تماما بأن امرأة «نينا ريتشي» تعيش في عالم يقطر أنوثة وعذوبة. ودائما يدعونا لدخوله من باب التصاميم المنسابة والأقمشة الناعمة مثل الموسلين والدانتيل، مبررا الأمر بأنه احترام لإرث «نينا ريتشي»، التي يرى أن دوره يتركز على تطويرها لا على تغييرها بشكل جذري وإحداث خضات كبيرة. ومع ذلك يمكن القول إن هذه التشكيلة من أكثر ما قدمه لحد الآن شجاعة، لأنه دخل فيها مجالا لم تتطرق له «نينا ريتشي» كثيرا من قبل، وهو الاستلهام من خزانة الرجل وتأنيثه، سواء في معاطف أو جاكيتات مفصلة قال إنه استوحاها من «أزياء رجل من القرن الـ18 اسمه السيد دارسي، بطل رواية جاين أوستن» (كبرياء وتحامل) الشهيرة». وبما أن السيد دارسي رومانسي للغاية، فقد كان لا بد أن تتجسد هذه الصفة في فساتين من «البوبلين» أخذت شكل قمصان طويلة وجاكيتات مفصلة إلى جانب القمصان البيضاء التي تكررت في العرض كثيرا، علما بأن هذه المجموعة لم تكن سوى جزء من كل، فقد كانت هناك مجموعات أخرى طرز بعضها بأحجار الكريستال، مما أدخلها مناسبات السهرة والمساء من أوسع الأبواب، وإن كان قد اعتمد فيها هي الأخرى على أقمشة مثل القطن المطرز على الطريقة الإنجليزية، كما على الكشاكش والبليسيهات التي ظهرت في عدة إشكال. من ناحية الألوان، ظل الأبيض ومشتقاته، هو الغالب، لأنه بالنسبة للمصمم أكثر تأثيرا وقوة.. كانت هناك أيضا مجموعة مطبوعة بالورود بدرجات ألوان مائية كان هدف كوبينغ منها أن يذكرنا بأنها تشكيلة موجهة للصيف وأجواء السفر والبحر، من جهة، وأن يكسر بها صفاء اللون الأبيض حتى يتجنب الوقوع في مطب الكليشيهات والملل، من جهة ثانية، لكن الأهم أنه واكب بها الموجة التي سادت معظم عروض الأزياء العالمية، وهي موجة تقول إن الورود ستكون حاضرة في خزاناتنا.
«ديور».. الورد أبلغ لغة
لم يكن هناك أكثر من «ديور» قدرة على ترجمة الرومانسية بباقات متفتحة. فمنذ أن دخلها البلجيكي راف سيمونز وغاص في تاريخها وإرثها وهو يستعمل لغة الورد للوصول إلى قلب المرأة. فالورد، وعلى الرغم من أنه من الكليشيهات، يبقى أسهل لغة تضعف مقاومة المرأة وأبلغها في الوقت ذاته، لهذا نراه يستعملها بسخاء غير عادي منذ التحاقه بالدار، ليس من باب الاستسهال بل من باب استعمالها كوسيلة لإسكات المشككين في رومانسيته، حتى يتمكن من التركيز على ما يتقنه أكثر، ألا وهو التفصيل وابتكار أشكال حداثية يصوغها بفنية عالية. لا يختلف اثنان أن التحدي بالنسبة له كان كبيرا منذ البداية، فهو ينتمي إلى المدرسة الحداثية التي ترفع شعار «القليل كثير»، و«ديور» لا تعترف بالقليل وتؤمن بالسخاء في كل شيء عدا أنها رومانسية حتى النخاع. لم تمر سوى بضعة مواسم، حتى أثبت أنه أفضل من يمكنه أن يكتب فصلا جديدا من تاريخ الدار ويحول مجد الماضي إلى مستقبل واعد. فقد نجح في ترتيب الأوراق، وكتابة عدة صفحات ممتعة زادت من قوة جاذبية الدار بدليل ارتفاع مبيعاتها. أدرك راف سيمونز بسرعة أن هناك ثلاثة عناصر تشكل شخصية الدار هي الرومانسية وعشق المؤسس للورود واهتمامه بالهندسة بحكم دراسته. وهذا تحديدا ما يعمل على تجسيده في كل مرة من خلال باقات الورد التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من ديكورات عروضه تقريبا والأشكال الهندسية التي يعتمدها. ومما لا شك فيه أن الثقة التي اكتسبها أخيرا بفضل النجاحات التجارية التي حققتها تشكيلاته، عززت مكانته وشجعته أن يكشف عن جانب حاول في المواسم السابقة إخفاءه خوفا من الخروج عن النص الذي كتبه المؤسس، كريستيان ديور في منتصف القرن الماضي. جانب أكثر جرأة وقوة وحداثة يعبر عن أسلوبه الخاص، من دون المساس بالأساسيات. فجاكيت «البار» المحدد عند الخصر، مثلا، لا يزال قطعة أساسية وإن أخذت طولا أقصر مقارنة بما كانت عليه في 1947، كما أضاف إليها طيات وتفاصيل جديدة عند الخصر تحديدا. نفس الشيء يمكن أن يقال على التنورة المستديرة والفخمة، فرغم أنها لا تزال تستحضر رومانسية الزمن الجميل، فإن أحجامها خضعت لبعض التغيير، في إشارة واضحة إلى أنه أخذ على عاتقه أن يبسط الفخامة ويتخلص من الدراما مرة واحدة. والنتيجة كانت تصاميم هندسية لم تطمس أسلوب المؤسس، كريستيان الدار، الذي كان يعشق تطبيق نظرياته الهندسية في تصاميمه، من خلال التلاعب على الأحجام والأشكال المتنوعة. سيمونز، احترم كل هذا وأضاف إليه أسلوبه الحداثي وألوانه المفضلة حتى تكون القصة محبوكة من كل الجوانب، وربما لهذا السبب أرسل في آخر العرض سربا من العارضات في مجموعة متكاملة ومستقلة في الوقت ذاته عما قدمه في البداية، تستحضر أناقة الخمسينات من القرن الماضي، وركز فيها على الجاكيتات المفصلة والتنورات المستديرة الفخمة.
«لانفان».. بريق في بريق
عرض ألبير إلبيز لدار «لانفان» كان مختلفا، لأنه أخذ شكل عرس غلبت عليه الألوان المعدنية المتوهجة، التي كادت تزغلل العيون لولا براعة المصمم في جعلها تتراقص على إيقاعات عصرية. ما يثير الإعجاب في ألبير إلبيز دائما، إن ثقته بنفسه وقدراته تزيد في كل موسم، ومعها تزيد جرعات الجرأة في تصاميمه. لهذا بعد 11 سنة في دار «لانفان» لم يشعر بالرهبة من دخول مجال محفوف بالخطر، يتمثل في الألوان المعدنية المشعة التي يصعب على المرأة تقبلها بسهولة. والأدهى من ذلك أنه لم يختر أن يقدمها بجرعات خفيفة وبالتدريج، بل العكس، فضلها بجرعات قوية، قد تكون صادمة للوهلة الأولى لكنها لحسن الحظ ليست قاتلة، يبدو أنه يغازل بها الأسواق الآسيوية والروسية. نظرة إلى مشتريات هذه الأسواق تؤكد أنهن سيستقبلنها بالأحضان. كانت نظراتهن تبرق حماسا طوال العرض، وابتساماتهن تتسع إعجابا مع كل إطلالة، إلى حد أن عدوى الحماس والإعجاب انتشرت في صفوف الأوروبيات الجالسات في الجهة المقابلة ممن يتخوفن في العادة من صراخ الألوان. ما سيضاعف من إمكانية تسويقها، اسم الدار واسم مصممها، لأنهما كافيان لتذويب أي مقاومة، شئنا أم أبينا. صحيح أن ارتداءها من الرأس إلى أخمص القدمين سيشكل بعض الصعوبة، إلا أن قطعة واحدة، يتم تنسيقها مع لون حيادي يمكن أن يكون بداية تمهد لدخول لعبة البريق، الذي سيكون اتجاها قويا في المواسم القادمة إلى جانب الورود المتفتحة. باستثناء البريق، فإن كل شيء في التشكيلة كان مبهرا ومثيرا خصوصا وأنه استعمل الكثير من الحرير والساتان واللاميه، مما أضفى عليها رقيا. أما من حيث التصاميم فليس هناك أدنى شك في أن ألبير إلبيز يفهم حاجات المرأة وما يناسبها لكي تحافظ على تميزها ورونقها، وهو ما أكسبه ثقتها أساسا. وهنا أيضا لم يخب أملها وقدم لها تنورات وفساتين بطول يغطي نصف الساق، سيزيدها رشاقة وأناقة، وبنطلونات بخصر عال، وجاكيتات من التويد يمكن ارتداؤها مع تنورات مستقيمة وبخصر عال، أغلبها بالأسود، لمظهر كلاسيكي من شأنه أن يخفف من صراخ الألوان ويهدئ من روع كل متخوفة من لمعانها وبريقها.
رولان موريه.. اتجاه أنثوي جديد
أي متابع لمسيرة موريه يشعر أن هناك تغيرا ملحوظا في أسلوبه. غابت الفساتين الضيقة التي تتتبع تضاريس الجسم وتزيده أنوثة وحلت محلها تصاميم مفصلة من دون أن تشد الجسم، زادت حيويتها. موريه أعاد سبب هذا التغيير إلى رحلة قام بها إلى اليونان، شارحا أنه حين كان مسترخيا على الشاطئ مستمتعا بالهدوء، أطلق أحدهم موسيقى صاخبة بإيقاعات التكنو والريغي. لم يستحملها في البداية وكاد يغادر المكان هربا من صخبها، إلا أنه تراجع في آخر لحظة وقرر أن يبقى لكي يتقبل الاختلاف وأن يتغير. وأضاف: «شعرت أنه علي أن أفتح أبوابا جديدة لم أطرقها من قبل، وألا ألعب على المضمون فقط». ولكي يكتمل السيناريو، اختار أغاني لريهانا كخلفية لعرضه، ليؤكد لنفسه ولزبوناته أنه من رحم الاختلاف يولد الإبداع وموجات جديدة تشكل أذواقنا وتوجهاتها. أحيانا يكون الملهم فيها ثقافة الشارع. وهذا ما يجعل التشكيلة التي قدمها في الأسبوع الماضي واقعية تخاطب امرأة شابة تعيش الحياة ببساطتها وأضوائها دون قيود، مثل المغنية «ريهانا» تماما.
بيد أنه على الرغم من أن التشكيلة ترقص على نبض الشارع فإن المصمم رولان موريه لم ينس أن جزءا من عمل المصمم أن يكون فنانا. من هذا المنطلق أعطى للأبيض والأسود بعدا فنيا باستلهامه الكثير من الخطوط الهندسية من الفنان المعاصر دانيال بورين، الذي سبق له التعاون مع مارك جايكوبس منذ بضعة مواسم. ومع ذلك لا يمكن القول إن إبداع موريه اقتصر على الأبيض والأسود والخطوط المتوازية وما شابهها من نقوشات دون الإشارة إلى اختياره الذكي للألوان التي استقاها من الطبيعة لتشكيل ما يشبه الكولاج أو «الباتشوورك» بتقنيات عصرية ساهمت في التخفيف من قوة الألوان وإعطائها بعدا واقعيا.
وراء الكواليس
انفصال مارك جايكوبس عن «لوي فويتون»؟
أقوى الإشاعات كانت حول قرب خروج المصمم النيويوركي، مارك جايكوبس، من دار «لوي فويتون» بعد 16 سنة. وزاد من مصداقية الإشاعة ما نشرته وكالة «رويترز» بأن مصمم «بالنسياجا» السابق، نيكولا كيسغيير، مرشح لاستلام المشعل منه. ورغم أن مصادر أخرى تؤكد ألا شيء تقرر بعد، فإن أوساط الموضة تعرف جيدا أنه لا دخان دون نار، وسواء أعلنت «لوي فويتون» الخبر هذا الموسم أم لا، فإن الفراق حاصل والإعلان عنه مسألة وقت فقط. مما لا شك فيه أن مارك جايكوبس برهن على عبقرية فنية وتجارية فذة بدليل نجاحه في أن يجعل من الدار الفرنسية واحدة من أهم بيوت الأزياء العالمية بفضل حقائبه من جهة وتعاونه مع فنانين عالميين من جهة ثانية. لكن لكل شيء نهاية، ويبدو أن الدار ستدخل مرحلة جديدة تريد فيها التركيز على الأزياء عوض الاكتفاء بالإكسسوارات وحدها، وهذا يعني أن الأزياء تحتاج إلى خضة كبيرة ودم جديد حتى تستطيع أن تنافس الإكسسوارات في سوق المبيعات.
ماركو زانيني من «روشاس» إلى «سكياباريللي»
قدم ماركو زانيني آخر تشكيلة له لـ«روشاس» الأسبوع الماضي، وأعلن خبر التحاقه بدار «سكياباريللي» بعد الانتهاء من عرضه. ومعروف أن دار سكياباريللي، اشتراها المليونير الإيطالي، دييغو ديلا فالي عام 2006 على أساس إنعاشها ونفض غبار الزمن والنسيان عنها، إلا أنه لم يجد المصمم المناسب حتى الآن. خليفة زانيني في دار «روشاس» هو الإيطالي أليساندرو ديل أكوا، المعروف بميله إلى الصوف الذي ينسجه بطريقة تجعله مثل الزئبق يلاعب جسد المرأة فيضفي عليه أنوثة، مما سيجعل التحاقه بدار أسستها إيطالية مبدعة تعشق الفن، وجريئة في تصاميمها وتعاوناتها، مثيرا للانتباه والفضول على حد سواء.