أكاديمياً، يحمل أسامة الدعَجة شهادة ماجستير في هندسة الحراريات والهيدروليك بتقدير «امتياز»، مع تلقيه عروضاً لإكمال دراسة الدكتوراه في الخارج.
وظيفياً، «المهندس أسامة» الذي لم يتجاوز الثلاثين هو أصغر مدير مديرية في تاريخ شركة الكهرباء الكبرى، ويتقاضى راتباً يبلغ ضعفي إلى ثلاثة أضعاف ما يتقاضاه معظم أقرانه من المهندسين في الأردن.
ومع ذلك، قرر عدم الارتهان لتخصصه الأكاديمي ومساره الوظيفي، والشروع بملاحقة حلمه بأن يصبح مزارعاً، وتحديداً في الزراعة المائية أو «هيدروبونيكس» (hydroponics). وهذه تقنية حديثة تقوم على زراعة شتول النباتات داخل البيوت الزراعية من دون الحاجة إلى تربة، بحيث تكون الجذور عارية في الهواء، وتأخذ حاجتها من المواد الغذائية من الماء مباشرة.
بكلمات أخرى، الزراعة بتقنية الهيدروبونيكس ممكنة في أي أرض متوافرة، بغض النظر عن مواصفاتها: طينية، ترابية، صحراوية، صخرية، أو حتى على سطوح وشرفات المنازل. فالمطلوب فقط «مساحة» للزراعة، وليس تربة مناسبة وخصبة للزراعة.
هناك تطبيقات متعددة للهيدروبونيكس، ولكنها تشترك جميعها في المبدأ نفسه: نظام مغلق من الأنابيب تسيل فيه المياه على مدار الساعة (تسيل ولا تتدفق). وعلى السطح الخارجي لهذه الأنابيب ثقوب على مسافات مدروسة، وفق نوعية النبات، ويتم تثبيت شتول النباتات في هذه الثقوب، بحيث تمتد جذورها العارية في الفراغ داخل الأنبوب وصولاً إلى الماء.
تكون المياه الجارية داخل الأنابيب مزودة بجميع المعادن والعناصر الغذائية الطبيعية اللازمة لنمو النبات. ويعاد ضخ هذه المياه مراراً وتكراراً على مدار الساعة باستخدام مضخات أوتوماتيكية، مع فحص المياه بشكل دوريّ للتأكد من تركيز المعادن والعناصر وإضافتها حسب الحاجة.
ويتم التحكم بتركيز كل عنصر من العناصر الغذائية وفق نوع النبات ومرحلته العمرية، إذ تختلف حاجة النبات الواحد من العناصر الغذائية تبعاً لمرحلة النمو التي يمر بها. وهذا الأمر غير ممكن في الزراعة التقليدية في التربة.
وتناسب زراعة الهيدروبونيكس جميع أنواع الخضر. وهي تعطي معدلات إنتاج مرتفعة للشتلة الواحدة تصل أحياناً إلى 10 أضعاف حجم الإنتاج في الزراعة التقليدية. كما أن الزراعة باستخدام الأنابيب تتيح الزرع في طبقات متعددة، الأمر الذي يضاعف إنتاجية وحدة المساحة.
مزايا وتحديات
تحقق الزراعة بتقنية الهيدروبونيكس العديد من المزايا الاستثنائية، خصوصاً في العالم العربي، ومنها: الاستغلال الأمثل للمياه المتاحة وتقليل الهدر حتى الصفر تقريباً لأن نظام الأنابيب المغلقة يمنع التبخر أو تسرب المياه عبر التربة؛ إمكانية الزراعة في الأراضي غير الزراعية التي تشكل النسبة الأكبر من الأراضي في العالم العربي، الإنتاجية العالية التي تلبي الطلب على الخضر والغذاء بل إعطاء فائض يمكن استغلاله للتصدير وتحقيق المزيد من الربح والعائد، إمكانية استخدام تقنية الهيدروبونيكس للزراعة على السطوح وشرفات المنازل، أو ما يسمى «الزراعة الحَضَرية»، الأمر الذي يساعد الأسر الفقيرة والمجتمعات المحلية النائية على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتأمين حاجتها اليومية من الخضر والغذاء.
الصعوبة الكبرى التي واجهت أسامة الدعجة عند البدء بمشروعه هي أن الهيدروبونيكس تكاد تكون تقنية مجهولة بالنسبة إلى المزراعين والجامعات والمؤسسات الرسمية المعنية بالزراعة في العالم العربي.
والمراجع المحدودة المتوافرة هي مراجع نظرية وقديمة. والتجارب الموجودة – إن وجدت – تجارب بدائية ولا تصلح للتطبيق العملي والتجاري. والمعلومات عبر الإنترنت هي في معظمها عمومية ولا تتطرق إلى التفاصيل.
أما محاولة التواصل مع المزارعين القلائل الذين جربوا الهيدروبونيكس داخل الأردن أو في البلدان العربية فلم تخلُ من صعوبات، إما لعدم رغبة هؤلاء المزارعين بالتواصل، وإما لرغبة البعض بالاحتفاظ بسر الصنعة لأنفسهم.
لتلافـي هذه المـشكلة، قـام الدعجـة بإنشاء بيت زراعي صغير في فناء منزله الخلفي، يسميه «المختبر»، من أجل تطبيق جميع المـعلومات النظرية التـي جـمعـها على مدار شهـور حـول زراعة الخيار ـ وهو الصنف الذي قرر أن يتخصص به ـ قبل الانـتقال إلى مرحلة الإنتاج التـجاري الواسع في المزرعة التي يعكف على إنشائها.
وقد أتاح له «المختبر» اكتساب خبرة عملية قيّمة، وسط إشادة كثيرين، ومنهم مزارعون وتجار خضر، بجودة ثمار الخيار التي أنتجها من حيث الشكل والطعم والرائحة. كما أتاح له المختبر تجريب نظام الأنابيب الذي ابتكره بالتعاون مع أحد أصدقائه الحرفيين، نظراً الى خلو السوق المحلية من تجهيزات وأنابيب الـهـيدروبـونيـكس الـجاهزة، والكـلفة الـعالـية لتصنيعها وفق الطلب أو استيرادها من الخارج.
مزرعة متكاملة
يعكف الدعجة حالياً على استكمال البنية التحتية لمزرعة الهيدروبونيكس التي يؤسسها على قطعة أرض مساحتها 10 دونمات في محيط العاصمة الأردنية عمّان (الدونم 1000 متر مربع). ومن المتوقع، وفق خطة العمل، أن يقوم بزراعته التجارية الأولى في شباط (فبراير) 2014.
أما الحلم النهائي الذي يطمح إلى تحقيقه فهو الوصول إلى مرحلة «المزرعة المتكاملة»، حيث تولد الطاقة الكهربائية باستخدام الألواح الشمسية، وحيث تؤمَّن مياه الري من خلال تجميع ماء المطر، وحيث تربى الأسماك في مياه الري للاستفادة من لحومها ولتصبح فضلاتها غذاء عضوياً للنباتات، وحيث تستخدم مخلفات المزروعات أعلافاً لتربية الدواجن والمواشي من أجل البيض واللحوم والألبان، وحيث تستعمل فضلات الحيوانات كأسمدة أو لإنتاج الوقود الحيوي.