
في عام يُعدّ الأشد جفافًا منذ بدء تسجيلات المناخ في إسرائيل، تعاني أنهار الشمال – البانياس، الدان، واليرموك – من تراجع غير مسبوق في منسوب المياه. هذا الانخفاض الحاد يهدد البيئة الطبيعية والسياحة، ويثير جدلاً حادًا بعد إعلان “سلطة المياه” عن خطة لتحويل أكثر من نصف المياه المتدفقة في هذه الأنهار لصالح الزراعة، على حساب الطبيعة.
الدكتور أساف تسوهر، مدير قسم البيئة في “سلطة الطبيعة والمتنزهات”، يحذر قائلاً: “نهر البانياس يجف بوتيرة مقلقة، ونهر الدان لم يشهد تدفقًا بهذه الندرة منذ قرن على الأقل”. ويضيف: “حتى نهر الأردن الجبلي، الذي يعتبر شريان حياة للمنطقة، يتدفق اليوم بمستوى منخفض جدًا، لم نعهده حتى في نهاية الصيف”.
خطة سلطة المياه أثارت غضب جماعات البيئة، وعلى رأسها “جمعية حماية الطبيعة”، التي وصفت الخطوة بأنها “ضربة قاضية للطبيعة”، واتهمت الدولة بتكرار أخطاء الماضي، وتحديدًا في خمسينات القرن الماضي عندما جففت مستنقعات الحولة دون وعي بيئي.
الخطة تشمل تقليص الحد الأدنى لتدفق المياه في الأنهار من 1.3 متر مكعب في الثانية إلى 0.8 متر مكعب فقط – تقليص يقارب الثلث. وتؤكد جهات بيئية أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى دمار واسع للنظم البيئية، بما في ذلك النباتات، الحيوانات، والكائنات المائية التي تعتمد على هذه الأنهار.
الدكتورة دانا تباتشنك، مديرة قسم الأنهار في “جمعية حماية الطبيعة”، تنتقد القرار بشدة، قائلة: “أن تقرر الدولة تخفيض نصف مياه نهر الأردن الجبلي من دون أي دراسة بيئية أو تقييم للعواقب هو أمر غير مسؤول وغير مقبول”.
أحد الأسباب الرئيسية للأزمة، بحسب تسوهر، هو أن منطقتي الجليل الأعلى والجولان لا ترتبطان بشبكة المياه الوطنية ولا توجد فيهما محطات تحلية مخصصة للزراعة. بالتالي، يعتمد المزارعون هناك بشكل كامل على مياه الأنهار لري محاصيلهم.
المزارعون أنفسهم يعانون من الوضع الراهن. عوفر غيرشوفيتش، مدير شراكة زراعية في “شركة تطوير الجليل”، يوضح: “اضطررنا لتقليص زراعة الحقول بنسبة تفوق 60%، ولم نُبقِ إلا على زراعات ضرورية لتغذية المواشي. نحن بحاجة للمياه لإنقاذ بساتين الفاكهة من الجفاف”. ويشير إلى أن نهر الدان يشهد اليوم نقصًا بنسبة 80% في تدفقه مقارنة بنفس الفترة في السنوات الماضية – وضع لم يسبق له مثيل.
الأزمة لا تهدد الزراعة فقط، بل تضرب السياحة كذلك. الشركات التي تقدم خدمات التجديف بالقوارب، وهي من المعالم السياحية البارزة في الشمال، أوقفت نشاطها بسبب انخفاض منسوب المياه إلى مستويات غير كافية.
“جمعية حماية الطبيعة” تشير إلى أن أزمة الجفاف ليست جديدة، وتستذكر قرارًا حكوميًا صدر في 2018 لربط مناطق مثل الجولان وأعالي الجليل بشبكة المياه الوطنية كحل طويل الأمد، لكن هذا القرار لم يُنفذ قط، مما يفاقم الأزمة اليوم.
تباتشنك تؤكد أن “الطبيعة هي مستهلك للمياه مثلها مثل الزراعة، لكنها بلا صوت أو تمثيل، لذا تُؤخذ حقوقها دائمًا بسهولة. نقدر المزارعين، ولكن الدولة يجب أن تعوضهم بدلاً من المساس بالأنهار التي لا يمكن استرجاعها بمجرد أن تجف”.
في المقابل، تقول “سلطة المياه” إن الجفاف القاسي أدى إلى تراجع كبير في تدفق الينابيع والأنهار، ما أجبرها على تقليص المياه المخصصة للزراعة بأكثر من 20 مليون متر مكعب، وتجفيف عشرات آلاف الدونمات من المحاصيل الموسمية. وأكدت أنها تسعى لتحقيق توازن مؤقت بين احتياجات الطبيعة والقطاع الزراعي في سنة استثنائية وصعبة كهذه.
عن موقع Y-Net