‘تعالي من تحت’، نصيحة تسمعها المرأة باستمرار، في معاملتها للرجل، سواء كان زوجها أو والدها أو شقيقها أو رئيسها في العمل. وأشك في وجود امرأة بيننا لم تسد لها هذه النصيحة في يوم من الأيام، من قريب أو بعيد.
مغزى هذه النصيحة ‘الثمينة’ هو أن لا تتقوى المرأة على الرجل، وأن تطلب ما تشاء بلطف ولين ورقة، وأن تصبغ على وجهها علامات التذلل والضعف والانكسار وهي تطلب شيئا من حقها، وأن تنتظر اللحظة المناسبة لتفعل ذلك، اللحظة التي يكون فيها الرجل مرتاح البال، هادئا، هانئا، منشرحا، متبسطا. وعليها أن لا تبالغ في الطلب، وأن تجيد صياغة جملة مقتضبة، وتضمنها برقة زائدة، وتزخرف كلماتها بعبارات الثناء على نبله وشهامته، وحرصه على عائلته. وإن تميزت بشيء من الذكاء، عليها أيضا أن لا تبدأ بالطلب مباشرة، بل تلف إليه من جانب ما. فإذا رأت منه صدا أو انطبعت على وجهه علامات عدم الرضى، وجب عليها أن تصرف النظر فورا، على أن تعود اليه في وقت لاحق، عندما يكون، أي الرجل، في جو ألطف ومزاج أرق.
‘تعالي من تحت’ هذه، كانت ‘كوجيتو’ المرأة الذهبي لعقود طويلة. وتبدو من جهة، تكتيك أنثوي جيد لنيل ما تريده من الرجل، دون أن تثير حفيظته أو تشعره بالاستنزاف ونصيحة عملية لتسهيل أمور النساء وقضاء حاجاتهن بيسر، ولا شك أنها نظرية صالحة لكل مكان وزمان، ولكل أنواع الرجال، ولا شك أيضا، أنها توفر الكثير من المشاحنات والصدامات والصراعات داخل الأسرة الواحدة، شرط أن تكون المرأة ‘تحت’.
لكن الواقع الآن يقول أن الكثيرات منا، نحن معشر النساء، تعبنا ومللنا من هذه ‘الوضعية’، ولم نعد نحتمل ‘ثقل’ الرجل فوقنا، وبتنا نطالب بأن ‘يتزحزح’ ولو قليلا من على رفاتنا. ولكي لا ننعت بأننا نتطاول على ذكوريته، ونكسر سلطته، ونعتدي على هيبته وكرامته، فإننا سنبدأ تدريجيا في شرح فكرتنا بشيء من اللين و’من تحت’ أيضا.
الفكرة ببساطة، هي أن أعناقنا باتت تؤلمنا، وظهورنا لم تعد تحتمل أكثر، مما يعرضنا بقوة لهشاشة العظام، التي أثبت الطب الحديث أن المرأة أكثر عرضة لها من الرجل. وأن علامات التذلل والانكسار على وجوهنا اتضح، بالعلم، أنها مضرة جدا ببشرتنا وتتسبب في ظهور التجاعيد مبكرا. أضف الى ذلك أن الحياة العصرية المتمدنة لينت بشرتنا ونعمت أطرافنا ورطبت عظامنا، فلم نعد نقو على حمل الأثقال، كما كنا في السابق. ولو كنا نستطيع، لما تأخرنا. فضلا عن أن متاعب ومتطلبات الحياة العصرية، بما تتسم به من نسق سريع وضغط يومي، خشنت من طباع الرجل وزادت من انفعاله، فلم نعد نجد الفرصة المناسبة، التي يكون فيها مزاجه رائقا، لنطلب ما نشاء.
ومن ‘تحت’ أيضا، نقول: ضغطنا ارتفع وأنفاسنا انقطعت وقلوبنا ستنفجر، فانزاحوا عنا قليلا الى ‘جنب’.