منذ إعلان شركتي «آبل» و«غوغل» أن محتويات الهواتف الجوالة التي تديرها أنظمتهما ستكون مشفرة في المستقبل، يشن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي)، جيمس بي. كومي، حملة ضد هذه الخطوة المرتقبة.
وكلما تحدث عن هذا الأمر، زاد إيماني بنظرية مؤامرة تدور حول أن «إف بي آي» يرغب في غرس اعتقاد بداخلنا بأنه غاضب من التطورات التقنية، لأنها تجعل بياناتنا آمنة، باعتبار أنها الآن ليست كذلك.
بالأمس، ألقى كومي كلمة بليغة داخل «معهد بروكينغز»، مشيرا لحوادث الانتهاكات بحق الأطفال التي ساعدت بيانات على الهواتف في تحقيقها، ولمح لمخاوف «إف بي آي» تجاه العجز عن ملاحقة المجرمين المخضرمين بمجال التقنيات الحديثة.
إنني أرغب حقا في تصديق كومي، بيد أن الأدلة القائمة توحي بأنه ليس محبطا بالدرجة التي يحاول تصويرها أمامنا. وأنصح الجميع بقراءة التحقيق الذي نشرته صحيفة الـ«غارديان» البريطانية حول تطبيق بشبكات التواصل الاجتماعي يدعى «ويسبر»، يمّكن المستخدمين من التواصل على نحو يبقي هوياتهم مجهولة.
وقد واجهت الـ«غارديان» أخيرا مضايقات من سلطات المملكة المتحدة، بسبب دورها في نشر شهادة أحد مرشدي وكالة الأمن الوطني ويدعى إدوارد سنودن، حول المراقبة العامة، وتدميرها بعض أجزاء صلبة تخص كومبيوترات آلية، بدلا من تسليمها للسلطات. من الواضح أن محرري الصحيفة فكروا في إمكانية استغلال «ويسبر» لأغراض صحافية، وبالفعل أرسلت الصحيفة ممثليها إلى مقر الشركة المنتجة للبرنامج في لوس أنجليس. هناك، ادعى ممثلو الـ«غارديان» اكتشافهم معلومات مثيرة للقلق، حيث ذكروا أن «ويسبر» يبقي على بيانات أكثر من تلك التي يمررها للمستخدمين، وينقلها فورا إلى «إف بي آي» ووكالة الاستخبارات الداخلية البريطانية (إم آي 5). وطبقا لما نشرته الـ«غارديان»، فإن «ويسبر» تعاون كذلك مع وزارة الدفاع الأميركية عبر إمداد الباحثين العاملين لديها ببيانات معينة حول مواد منشورة، قد تكون ذات صلة بقواعد عسكرية أميركية.
وإذا كانت الـ«غارديان» محقة، فإن هذا يعني أنه حتى الشركات التي تعتمد قيمتها المقترحة بصورة كاملة على تقديمها اتصالات آمنة مجهولة الهوية، تمكنت من مساعدة أقران كومي عندما لزم الأمر. وإذا كان الوضع كذلك، فإنه من الصعب تصديق أن «آبل» و«غوغل» والشركات الأخرى التي تتشدق أمام المستهلكين باتصالاتها الآمنة، سترفض مساعدة «إف بي آي» أو وكالة الأمن الوطني أو أي من وكالات الاستخبارات وفرض القانون الأخرى. الملاحظ أن شركات تطوير أنظمة الهواتف الجوالة وعدت بتشفير البيانات، لكنها لم تعد بتأمين بيانات المستخدمين.
ومع ذلك، فإن هذا الوضع يتبدل بطبيعة الحال، لو أن الشركات المعنية بتطوير برامج التشفير فتحت بابا خلفيا أمام السلطات للدخول منه. في الواقع، ليس لدى الشركات التقنية الكبرى سبب يدعوها للدخول في مواجهة مع الحكومة، فهي أولا وأخيرا كيانات تجارية، وليست خلايا ثورية. وبالتالي، فإنها ستتعاون مع السلطات حينما يطلب منها ذلك.
ورغم علمه بأن رجاله قادرون على شق طريقهم في التعاون مع أي كيان تجاري، فإن كومي حرص على رفع صوته بالشكوى من استخدام تقنيات أمنية مثل التشفير. في المقابل، كان لدى شركات التقنيات حافز كبير للرد بالدرجة نفسها من الضوضاء والضجيج حول أنها تقدر خصوصية عملائها قبل أي شيء آخر.
ولا شك أن هذا الشعور الزائف بالأمن، يعود بالفائدة الكبرى على الوكالات الحكومية. باختصار إليك ما لا تود الحكومة أن تعرفه: السبيل الوحيد لإبقاء المعلومات الحساسة سرية، هو عدم ائتمان أي مؤسسة خارجية عليها، بما في ذلك شركات التقنية.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»