اختتام معرض الفنان هشام الصفد، الذي أصيب خلال “مواجهات التوربينات”

اختتم مساء أمس في مركز فاتح المدرس للفنون والثقافة في الجولان معرض الفنان هشام الصفد.

المعرض الفردي الأول للفنان هشام الصفدي كان قد افتتح في السابع عشر من الشهر الجاري، إلا أنه أصيب بعد ذلك، خلال المواجهات التي شهدناها الأسبوع الماضي، احتجاجاً على “مشروع المراوح”، إصابة بالغة في وجهه، وقد أجريت له عملية جراحية مركبة، وهو لا يزال يرقد في المستشفى تحت العناية الفائقة، مغيباً عن الوعي لأسباب طبية.

وعن المعرض كتب الفنان وائل طربيه من مركز فاتح المدرس للفنون والثقافة:

بورتريه شخصيّ
المعرض الفرديّ الأول للفنّان هشام الصفدي
في مركز فاتح المدرس للفنون والثقافة

اختار الفنّان هشام الصفدي لمعرضه الفرديّ الأوّل سلسلة خاصّة من أعماله الفنيّة التي انشغل بها لمدّة تزيد على أربع سنوات، واختار أن يسمّيها “بورتريه شخصي”.. وهي فعلاً تبني صورة شخصيّة له، تتداخل فيها هويّتان متجذِّرتان في كيانه؛ هويّة الفنّان وهويّة العامل المكافح. البناء على هذا التداخل ليس عزفاً على التنميطات المألوفة لشخصيّة الفنّان وشخصيّة العامل، وإنّما وصف لممارسات حقيقيّة في حياته اليوميّة.

العمل الشاقّ في بناء التصميمات الداخليّة، لم يُثنِ هشام عن التفكير بالفنّ ورسم اللوحات، والآلام الجسديّة التي تزداد وطأتُها مع مرور السنين، بسبب ضراوة العمل في البناء، لم تقنعه بتكريس الساعات القليلة المتبقّية من نهاره للراحة بدل الجلوس أمام اللوحة.. في كدّه اليوميّ في ورشة العمل يتصرّف كفنّان؛ قمّة في الحرفيّة وهوس بالدقّة والكمال والجمال، وأمام اللوحة تسعفه خبرة العامل البنّاء بأدواتها ومعرفتها بالخامات والتقنيّات.

ربما لا ينشغل هشام كثيراً بالتفكير بـ “المفاهيم”، بقدر ما يتتبّع إحساسه، أو بتعبير أدقّ، يتبع حدسه. لقد بنى “هنري برغسون” نظريّة متكاملة حول الحدس وعلاقته بالفنّ وعلم الجمال، ومن بعض توصيفاته للحدس أنّه “.. فهم غامض للذات والأشياء معاً، يستند إلى نوع من الإدراك الجوّاني، وهو نوع من التعاطف والمشاركة الوجدانيّة مع الأشياء والموجودات.. وفي حين تبدو اللغة عاجزة عن نقل هذه الإدراكات الوجدانيّة، فإنّ العمل الفنيّ قادر على ذلك”. هشام ينتمي لهذا الصنف من الفنانين الذين لا يجيدون الكلام عن أعمالهم، على الرغم من أنّ كلّ ما يرسمه، يرسمه بحبّ وشغف وحماس وهوس. وفي هذا الاتصال الحميم (الماديّ والروحيّ)، بين التجربة المعاشة والعمل الفنيّ، علاقة أصيلة تمنح أعماله الفنيّة جماليّتها وصدقيّتها.

في المجموعة المعروضة في صالة مركز فاتح المدرس للفنون والثقافة، يرسم هشام الفنّان هشاماً العامل مع رفاقه في حالات واقعيّة متنوّعة؛ ينتقيها من بين عشرات الاحتمالات الممكنة.. ينتقيها مستعيناً بعين غير عينه ليرى كيف تبدو صورته من خارج ذاته.. ينتقيها بناءً على حدس أو يقينٍ داخلي غير قابل للجدل، بأنّ هذه “اللقطة – اللحظة” قويّة ومعبّرة وتحمل معنىً. منبع هذا الإيمان، في أحيان كثيرة، ليس وجاهة الاعتبارات الفنيّة بقدر ما هو إحساس ذاتيّ عميق بالتجربة المعاشة وانحياز صلب لها. تتنوع هذه الحالات في أعمال المعرض بين لحظات الحركة والفعل الجسديّ ولحظات التفكير والشرود ولحظات الراحة الثمينة والقليلة. لم يعطِ الفنان أسماءً للوحاته، فهي تحكي عن نفسها بنفسها. يمكن أن نرتجل لها أسماءّ وصفيّة بكلّ يُسر: لوحة “استراحة السيجارة” مثلاً أو لوحة “غفوة الخمس دقائق بعد الغداء” أو “لوحة التحديق في العدم”، أو لوحة “ورق السنفرة والأظافر المتآكلة”..

وفي اختياره لخامات العمل، استخدم هشام بلاط السيراميك الأسود محلّ القماش، والضرب بالرمل محلّ الرسم بالفرشاة والألوان. العمل بالخامات التي تُستخدم في أعمال البناء، يمنح العمل معنى وربطاً مضافاً بموضوعه، ويلبّي رغبة الفنّان وهاجسه في إنتاج العمل الفنيّ بخامات تتّصل بموضوعه (هذا على الرغم من مشقّة تنفيذ أعمال واقعيّة بهذه الخامات والأدوات). كما أن لهذه الخامات والأدوات، بحدّ ذاتها، دلالاتها الرمزيّة التي يمكن التفكير فيها..
تقوم تقنيّة الضرب بالرمل على تهشير السطح العلويّ الرقيق للطبقة المزجّجة، والتي تعمل كمرآة مُعتِمة، فتكشف طبقات فاتحة وبدرجات مختلفة، ما يسمح بتشكيل مساحات وخطوط.. النتيجة البصريّة هي “أطياف” تتداخل مع الانعكاسات المرآويّة لسطح السيراميك؛ تحتاج أن تميل يميناً ويساراً حتى تتمكّن من التركيز في التفاصيل التي ثبّتتها نقرات الرمل على السطح الصقيل..

يُخَيَّلُ وكأن هذا الحفر الرقيق في قشرة السواد يكشف صوراً كانت مخبّأة في جوفه! أو يثبِّت صوراً كانت سائلة في مرآته! ربما لهذا السبب يضيف هشام قطعاً مستقلّة من السيراميك الأسود الخالص – الذي لم تمسّه حبّات الرمل – كجزء مكمّل لقسم من الأعمال، أو كفضاء ممتدّ يفتح أفق المعنى على احتمالات التخيّل والتأويل. وقد يكون رصف العمل المركزي للمجموعة على أرض الصالة، أقوى تعبيرات هذا الاستخدام.

في العمل المركزيّ (والأخير من حيث انتاجه) نجد بورتريه شخصيّ لجسد العامل المتهالك من التعب، بالحجم الطبيعيّ، مستلقياً، نصفَ عارٍ على الأرض، في وضعيّة النائم وهو يغطّي وجهه بذراعيه. يتوزّع الجسد على عدد كبير من مربّعات السيراميك وتغطّي خلفيّة العمل كلّ المساحة، من الجدار إلى الجدار في مدخل الصالة. حتى تدخل الصالة وتصل إلى باقي أعمال المعرض، لا بدّ من أن تمرّ من مكان ما، وتدوس على البلاط المرصوف على الأرض.. لا بد أن تعبر على جسد هذه اللوحة!
تثير هذه المجموعة من أعمال الفنان هشام الصفدي أسئلة شيّقة حول موضوعة العمل وشروط العيش والتصوّر عن الذات ومعنى تحقيق الذات الفرديّة، وكذلك أسئلة عن الفن وأدوار الفنان في دوائره الخاصّة والعامّة.. وهذه واحدة من وظائف الفنّ.. أن يحرّك فينا الأسئلة.

صور من اختتام المعرض:


تعليقات

  1. الفنان هشام الصفدي قامة جولانية رائعة تجتمع في شخصه أسمى وأرقى الصفات الانسانية والابداعية نتمنى له الشفاء العاجل والعودة السريعة سالما الى أهله وذويه ومحبيه والله ولي التوفيق .

التعليقات مغلقة.

+ -
.