الأتمتة تقتل المهارة البشرية.. لكن هناك حل

طلق مصطلح “الأتمتة” على كل شيء يعمل ذاتيا دون تدخل الإنسان، وقد بدأت أولى موجات الأتمتة في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية مع اهتمام المصانع بتركيب المعدات الضخمة التي زادت فعالية الإنتاج وخفضت تكاليف الأيدي العاملة. وساهم التطور التقني الكبير الذي تشهده البشرية، في إبداع تجهيزات وآليات متطورة قادرة على تنفيذ المهام المعقدة في المصانع بدقة وسرعة عاليتين، فهل تقتل الأتمتة مهارتنا البشرية؟

في عام 1950 أجرى الأستاذ في مدرسة هارفارد للأعمال جيمس برايت بحثا عن آثار أتمتة المصانع على الإنسان، اختتمه بقوله إن التجهيزات التقنية من شأنها أن تُضعف مهارة الإنسان، حيث يمكن لها أن تحوّل العامل الماهر إلى مجرد شخص وظيفته ضغط الأزرار للتحكم في الآلة.

وفي يومنا هذا، أصبحت البرمجيات أكثر قدرة على التحليل واتخاذ القرارات، ولم يعد مصطلح الأتمتة حكراً على تجهيزات المصانع الضخمة، فعلى سبيل المثال، يعتمد الطيارون على الحواسيب أثناء قيادة طائراتهم، كما يستفيد الأطباء من التقنية الحديثة أثناء تشخيصهم للأمراض، ويعتمد عليها المهندسون في وضع تصاميمهم.

ولدى إجرائه أبحاثا عن مدى تأثير اعتماد الطيارين على الحواسيب أثناء الملاحة، أكد خبير الملاحة الجوية البريطاني ماثيو إباتسون تراجع مهارات الطيارين بشكل واضح عن ذي قبل نتيجة اعتمادهم على الحواسيب التي باتت تقوم بمعظم المهام داخل قمرة القيادة.

وفي العام المنصرم، أكد تقرير صادر عن الإدارة الفدرالية الأميركية للطيران وجود علاقة بين حوادث الطيران واعتماد الطيارين الزائد على أنظمة الطيران المؤتمتة، حيث حذرت الإدارة من اعتياد الطيارين في أيامنا هذه على مشاهدة الأشياء وهي تحدث أمامهم دون التصرف بشكلٍ فعال.

وفي المجال الطبي أصبح الأطباء يعتمدون بشكل متزايد على البرمجيات أثناء فحصهم للمرضى، وقد أجرى الأستاذ في جامعة ألباني الأميركية تيموثي هوف مقابلاتٍ مع 75 طبيبا مارسوا جميعهم أعمالهم بالتعامل مع الأنظمة الطبية المحوسبة، وقد أكدوا جميعهم تحسن قدراتهم على فهم الحالات المرضية نتيجة اعتمادهم على التقنيات الطبية، لكنهم بينوا كذلك تراجع قدراتهم على اتخاذ قرارات بشكل مستقل عن التقنية أثناء مراحل التشخيص والعلاج.

ويستفيد المهندسون المعماريون من الحواسيب في وضع تصاميم مبتكرة، لكن عند استخدامها لوضع التصميم في مراحله المبكرة فإن ذلك يؤدي إلى نتائج تفتقر للحس الجمالي، حيث برهنت الأبحاث على قدرة المهندس على بناء تصاميم أكثر أصالة وتنوعا عند اعتماده على نفسه في وضع التصميم، وفقا لأستاذ التصميم لدى الجامعة المفتوحة في المملكة المتحدة لنايجل كروس.

وللتغلب على الآثار السلبية للأتمتة، ينكب الباحثون على تطوير ما وصفوها بـ”الأتمتة المرتكزة على الإنسان”، التي تهدف إلى بناء أنظمة مؤتمتة تحفظ للإنسان دوره باتخاذ القرار والتأثير على النتيجة النهائية، بشكلٍ يُبقي المستخدم بحالة انتباه لتحسين الأداء مما يساعده على تنمية مهاراته.

وتُعتبر “الأتمتة التلاؤمية” من أبرز أمثلة الأتمتة المرتكزة على الإنسان، حيث توظف حساسات وخوارزميات خاصة لمراقبة الحالتين الجسدية والذهنية للمستخدم، ليقوم النظام بالتدخل عند ملاحظته معاناة المستخدم أثناء أداء المهام المنوطة به، أما في الحالة العادية، يتكفل الإنسان بالعمل كاملا وبالشكل الذي يساعده على تنمية مهاراته.

ويخشى مراقبون الاعتماد على الأتمتة بمعناها التقليدي، خوفا من آثارها الجانبية المتنوعة، التي في مقدمتها رفع نسب البطالة في المجتمع نتيجة ازدياد الاعتماد عليها أكثر من الإنسان.

+ -
.