نحن نقوم بإرسال الرسائل الإلكترونية، ونرسل التغريدات أيضا، ونستخدم «فيس بوك»، و«غوغل»، إنه عصر مدهش من التقنيات، وأجهزتنا الكومبيوترية تبدو أحيانا أنها قد تحكمت في حياتنا اليومية، ابتداء من كيفية شرائنا لحاجياتنا، إلى كيفية العثور حتى على شريكات حياتنا. فكيف إذن تقوم هذه الشاشة بالتأثير على أدمغتنا؟
في كتابه الاستفزازي الذي نشره عام 2010 بعنوان «السطحيات: ماذا تفعل الإنترنت بأدمغتنا؟»، كتب المؤلف نيكولاس كار «الإنترنت نظام للمقاطعة والإعاقة، فهو يستحوذ على اهتماماتنا فقط، لكي يقوم بتشتيتها».
هذا القول لا يبدو جيدا، أم أن عالم الشبكة قد يساعدنا على التأقلم لنصبح متعددي الأعمال، كل ذلك ونحن ما نزال نحتفظ بمهارات فكرية مهمة. مع كل ذلك، فالدماغ قطعة بلاستيكية مرنة تتغير مع سلوكنا وتجاربنا.
* تأثيرات الإنترنت
* لكن عندما نصل إلى التقنيات، فما السلوك الذي نمارسه، وكيف يؤثر ذلك على عقولنا؟ فيما يلي خمس حقائق عجيبة وغريبة:
* الحقيقة الأولى: الإنترنت قد توفر لك «دماغا إدمانيا». لقد أظهر التصوير بالرنين المغناطيسي أن عقول مستخدمي الإنترنت الذين يلاقون صعوبة في التحكم بتوقهم الشديد إلى التواصل الدائم مع الإنترنت، تتعرض لتغيرات شبيهة بتلك التي ظهرت في أدمغة الأشخاص المدمنين على المسكرات والمخدرات. وكانت صحيفة «التلغراف» اللندنية قد أفادت أن دراسة أجريت عام 2011 أظهرت أن الانقطاع عن هذه التقنية ليوم واحد فقط، أظهر عوارض انسحاب وانكماش جسدية وعقلية لدى بعض مستخدمي الشبكة.
وتقول الدكتورة هنريتا باودن جونس الأخصائية النفسية في معهد «إمبريال كوليدج» في لندن، التي تدير عيادة لمعالجة مدمني الإنترنت والمقامرين، في تصريح لصحيفة «الإندبندنت» اللندنية «إن غالبية الأشخاص الذين نراهم من الذين يعانون إدمانا شديدا للإنترنت، هم من ممارسي الألعاب الذين يقضون فترات طويلة في ألعاب متنوعة، مما تسبب في إهمال التزاماتهم».
* الوحدة والانتحار
* الحقيقة الثانية: قد تشعر بالوحدة والحسد.. لكن مواقع التواصل الاجتماعي قد تسهل عليك التواصل مع الآخرين. بيد أن بحثا أخيرا أجراه علماء ألمان أشار إلى أن التطلع باستمرار في صور الآخرين أثناء تمضية عطلاتهم، وإنجازاتهم الشخصية وغيرها، من شأنه ظهور شعور قوي من الحسد، وحتى الحزن. وقد وصف الباحثون هذه الظاهرة بـ«كآبة الفيس بوك».
ونقلت وكالة «رويترز» عن حنا كراسنوفا الباحثة في جامعة هامبولدت في برلين: «لقد دهشنا من عدد الأشخاص الذين لهم تجربة سلبية من فيس بوك، مع حسد شديد، تركهم يشعرون بالوحدة والإحباط والغضب».
* الحقيقة الثالثة: استخدام الإنترنت قد يرفع مخاطر الانتحار في بعض الفتية في العاشرة من أعمارهم، فبعد إجراء مراجعة لأبحاث ودراسات سابقة تناولت الصبية، استنتج الباحثون في جامعة أوكسفورد في بريطانيا أن الفترة التي يجري قضاؤها على الشبكة تترافق مع مخاطر كبيرة للانتحار وإيذاء الذات، بين المراهقين المعرضين لذلك.
ويعلق على ذلك الدكتور بول مونتغمري أستاذ التدخل النفسي والاجتماعي في الجامعة بقوله: «نحن لا نقصد هنا أن جميع الشباب الذين يتوجهون إلى الإنترنت تزداد عندهم خطورة الانتحار وإيذاء الذات، بل نحن نتحدث هنا عن الشباب الصغار المعرضين لذلك الذين يتوجهون إلى الشبكة خصوصا لمعرفة المزيد عن إيذاء الذات، أو لأنهم شرعوا يفكرون في الانتحار سلفا». والسؤال هنا هو ما إذا كانت محتويات الشبكة تطلق مثل هذه الاستجابات، لكي يلحقوا الأذى بأنفسهم، أو ينتحروا، وقد وجدنا أن هناك رابطا كهذا».
* معلومات متدفقة
* الحقيقة الرابعة: من المحتمل أن مشكلات الذاكرة لها دور في ذلك. إذ إنه حتى جلسة نموذجية من التصفح بمواقع التواصل الاجتماعي قد تؤدي إلى تحميل زائد في المعلومات، مما يجعل من الصعب ترتيب المعلومات وتنظيمها في الذاكرة، استنادا إلى الدكتور إريك فرانسن أستاذ علوم الكومبيوتر في المعهد الملكي «كيه تي إتش» للتقنيات في السويد. وقد أظهرت دراسة صدرت علم 2009 من جامعة «ستانفورد» في أميركا، أن عقول الأشخاص الذين يتعرضون إلى سيل لا ينقطع من المعلومات الالكترونية، ابتداء من الرسائل الفورية إلى المدونات، قد يجدون صعوبة ماسة في التركيز، ويقومون بالتنقل من عمل إلى آخر بكفاءة.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور أنطوني واغنر الأستاذ المساعد في علم النفس في جامعة «ستانفورد»: «عندما تكون هنالك مواقف حيث مصادر المعلومات المتعددة تصدر من العالم الخارجي، أو من الذاكرة، بحيث لا يمكن ترشيح غير السديد منها بالنسبة إلى هدفهم، فهذا الفشل يعني إبطاءهم عن تحقيقه».
* الحقيقة الخامسة: ولكن الأمور ليست بهذا السوء، فالاعتدال باستخدام الإنترنت من شأنه تعزيز الوظائف الدماغية. وقد أظهرت دراسة عام 2008 أن استخدام محركات البحث في الإنترنت من شأنه تحفيز النشاط العصبي، والوظائف الدماغية لدى البالغين الكبار.
«وتعتبر نتائج الدراسة هذه مشجعة لكون التقنيات الكومبيوترية التي تبرز قد يكون لها تأثيرات نفسية، وفوائد ممكنة بالنسبة إلى متوسطي الأعمار والبالغين الكبار»، كما ذكر معد الدراسة الدكتور غاري سمول أستاذ العلوم العصبية والسلوك البشري في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس (يو سي إل إيه)، «فأبحاث الانترنت تفرض نشاطا دماغيا معقدا قد يساعد على تمرين الدماغ وتحسين وظائفه».