الانتخابات الامريكية – أيمن أبو صالح

بقلم المهندس أيمن أبو صالح

الانتخابات الامريكية
جرت الانتخابات الأمريكية الأخيرة في 3/11/2020 في أجواء انقسام سياسي وشحن غير مسبوق. لم يتوقع أحد أن تصل الأحداث إلى ما وصلت إليه بعد فرز الأصوات ومعرفة النتائج، خاصة في الولايات المتأرجحة. لم يعترف الرئيس ترامب بالنتائج؛ واعتبرها عملية مزورة، مثل انتخابات العالم الثالث، وبدأ التصعيد.
أمريكا دولة مؤسسات راسخة عبر التاريخ، كما هو معروف؛ نظامها السياسي وانتخاباتها محكومة الدستور. يتطلع العالم كله لمجاراتها والتعلم منها، بصفتها من أقدم الديمقراطيات الحديثة، قبلة العالم الرأسمالي وقائدة حضارته العظيمة. فهل يعقل أن تزور الانتخابات في هذه الدولة!
من ناحية أخرى هناك رئيس منتخب لهذه الدولة يشكك في صحة الانتخابات، ومعه كثيرون من الحزب الجمهوري؛ فمهما بالغ الإعلام والمحللون في وصفه بجنون العظمة والأنانية وتحليل بنيته الشخصية يبقى هو الرئيس والقائد وحوله مستشارون كثر، نصحه بعضهم أن دعاوى التزوير بدون دلائل لا يرجى منها أي نتيجة، فأصر على عناده حتى لم يبق معه أحد في البيت الابيض حتى عائلته. يعرف ترامب ومستشاروه وكل أمريكي أنه لا يمكن تمرير انقلاب في أمريكا.
ماذا سنقول لزعماء دول العالم العربي والنامي عند حدوث تزوير في امريكا, وهي سقف الحضارة الانسانية خاصة بنظامها الانتخابي. سواء احببنا هذا البلد ام لم نحبه -هذا عادي فهو بلد حارب وقتل وانتهك قوانين الامم المتحدة والقوانين الانسانية – لكن له احترامه ووجوده الفاعل الاول على الساحة الدولية.
في المقابل هناك مرشح فاز في الانتخابات، وصدق فوزه كل من المجمع الانتخابي والكونعرس بغرفتيه، البرلمان ومجلس الشيوخ، وردت محاكم الولايات والمحكمة الدستورية العليا دعاوى ترامب.
إلى جانب القوى الداعمة لجو بايدن وحزبه الديموقراطي تقف المؤسسات الآتية:

  • وسائل الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع .
  • منصات التواصل الاجتماعي، مثل facebook , WhatsApp twitter instagram Snapchat وغيرها. الدعم ليس إعلاميا فقط بل مالي أيضاً.
  • الشركات الكبرى والرأسماليون الكبار.
  • شركات التصنيع العسكري ( هذا بديهي فترامب اعتبر أن حروب أمريكا كلها عبثية وكانت نتيجتها الفشل والهزيمة، إلى جانب الخسائر في الارواح والجرحى والخسائر المادية التي وصل مجموعها إلى ما يزيد على 13 ترليون دولار. إضافة إلى تخريب دول ومجتماعات في الخارج )، فليس من مصلحة هذه الشركات الوقوف إلى جانب ترامب.
    جمعت حملة بايدن حتى قبل أسبوعين من موعد الانتخابات 281 مليون دولار من التبرعات .
    القوى الداعمة لدونالد ترامب إلى جانب حزبه الجمهوري وامكانياته الخاصة كونه مليونيراً:
  • بعض الشركات الصغرى نسبيا
  • مناصروه، فهو له علاقات عمل متعددة في أمريكا .
    استطاعت حملته جمع مبلغ 63 مليون دولار .
    ساهم الإعلام الامريكي متعمدا في تشويه شخصية ترامب من جهة ومن جهة اخرى ساهم في تحسين صورة بايدن. وكذلك الإعلام العالمي، وهو صدى للاعلام الامريكي، في الغالب. صعد الإعلام هجومه على ترامب، بعد ظهور نتائج الانتخابات وعدم اعتراف ترامب بها، خاصة بعد التحول المفاجئ فعلا في نتائج الولايات المتأرجحة، والتي كانت الامور فيها تسير لمصلحته بفارق ملحوظ , فخلق ذلك شكوكاً عنده وعند فريقه وعند المناصرين له أيضاً. ركز الإعلام على تذكير ترامب بالتقاليد الديموقراطية وحضه على الاعتراف بالنتائج والتخلي عن أنانيته وهوسه بالسلطة ولا ديموقراطيته. حتى أسئلة الإعلام كانت محرجة وفيها اتهام. احد الاسئلة من شبكة CNN: هل ستغادر البيت الابيض في العشرين من الشهر الاول في حال صوت المجمع الانتخابي على فوز بايدن ؟ كان جوابه واضحا: ’’ انتم تعرفون طبعا اني ساغادر’’. رغم عدم اعترافه بالهزيمة سمح لإدارة الخدمات العامة في البيت الابيض بالتواصل مع حملة بايدن واعتبرها مصلحة وطنية على حد تعبيره. شبكة BBC سألت ترامب عما إذا كان سيترشح لانتخابات 2024 في حال لم يكسب حكم المحكمة الفيدرالية العليا.اجاب على ذلك بانه سيترشح فعلا. هذا دليل على قبول الواقع والنتيجة.
    قامت بعض الولايات بطرد مراقب الاستطلاع ولم يسمحوا له بالمراقبة. زاد الشك اكثر عند ترامب ولجأ إلى القضاء المحلي في الولايات وبعدها إلى المحكمة الفيدرالية وهذا حق عادي لكل شخص في كل دساتير العالم ان يتقدم بدعوى للقضاء .
    يعرف ترامب دون لبس أن الرئيس الامريكي – أياً كان – لا يستطيع أن يقوم بانقلاب. فالدولة الأمريكية دولة مؤسسات. إنه رئيس ويعي ذلك بوضوح، وهو ليس ساذجا كما جرى الترويج له. وهو الرئيس الأقدر على قيادة أمريكا. إن رجعنا وتعمقنا بانجازاته، على الصعيد الاقتصادي، يعمل معه فريق عمل ذو خبرة واضحة من حقق نتائج بينة نتائجها في أمريكا. لهذا كانت الصحافة الأمريكية تبتعد عن الأسئلة الخاصة بالاقتصاد فهي نقطة لصالحه. بايدن أيضا ابتعد عن السجال في السياسة الاقتصادية لترامب، خلال حملته الانتخابية. فقد وفرت سياسة ترامب مئات الاف الوظائف الجديدة .
    هنالك لغز ساور كثيرين ممن يتابعون المشهد السياسي الأمريكي. فقد أعلن عن اللقاح ضد فيروس كورونا بعد الانتخابات مباشرة، حتى لا يوظف هذا التصنيع لمصلحة ترامب.ألمانيا ايضا لها علاقة بالموضوع، فقد استجابت للأمر وأخرت الإعلان عن التوصل إلى لقاح، رغم الحاجة الإنسانية الماسة للاعلان المبكر عن اللقاح والبدء بالتنفيذ. لكنها السياسة ! فسواء كنا نميل إلى ترامب أو إلى بايدن حسب مصالحنا العربية – تبقى الحقيقة – البعيدة عن العواطف هي الافضل.
    لا شك في أن بايدن والحزب الديموقراطي معه والمؤسسة الأمريكية بكل تشعباتها لا يمكن لهم أن يقوموا بالتزوير. بالمقابل إن ترامب وفريقه وغالبية حزبه مقتنعون بالتزوير هذه المرة وعلى عكس مجريات التاريخ والتقليد الأمريكي السابق. فلو لم يكن هناك معرفة وأدلة لما صرح ترامب بوجود تزوير.
    اذن ما هو اللغز ؟
    اذا رجعنا إلى التاريخ نجد أن رئيسين للولايات المتحدة فقط وضعا ضمن مخططاتهما تأميم البنك المركزي الفيدرالي الأمريكي. فالبنك المذكور على عكس كل دول العالم، عائديته ليست للدولة بل هو قطاع خاص تملكه مجموعة عائلات.
    الرئيس الاول الذي طرح مسألة التأميم هو جون كنيدي. هل كلفه ذلك أن يدفع حياته في نوفيمبر عام 1963. القاتل معروف وصف بأنه مختل عقليا ثم اغتيل بعد القبض عليه لطمس القاتل الفعلي !؟ إنه رئيس أكبر من كرسي الرئاسة، وكان يعرف المخاطر التي تنتظره. إنها الشجاعة والمسؤولية وتحمل المسؤولية الوطنية .
    الرئيس الثاني هو دونالد ترامب. لكنه ذهب الى أبعد من ذلك بكثير؛ لم يكتف بعزمه على تأميم البنك المركزي فقط ، بل أراد تأميم المشاريع العملاقة التي بحوزة هذه العائلاتـ أو مشاركة الدولة فيها، وذلك لزيادة قوة أمريكا وتحسين مستوى دخل للفرد.
    هذه المنشأت هي: المنطقة 51 في نيفادا. الإفراج عن التكنولوجيا التي بحوزتهم. ويوجد من يتوقع ايضا الكشف عن العلاقات بالكائنات الفضائية والاستفادة من قدراتها الكبيرة . والإنترنت إحدى ثمراتها السابقة.
    كان ترامب يريد توظيف هذا كله لمصلحة الشعب الأمريكي من جهة، ومن جهة ثانية قطع الطريق على تقدم الصين ومنعها من اللحاق بامريكا.
    من المؤكد ان ترامب لم يكن خارج نظاق المراقبة من قبل هذه العائلات أو ما تسمى بالحكومة العميقة أو حكومة الظل (Deep state). لكن الحرس الشخصي لترامب كبير ومدرب والوقت اختلف.
    ان الجهة التي تخول لنفسها بالاغتيال الجسدي يمكن لها ان تخول لنفسها بالاغتيال السياسي والتلاعب. فإن قدرات هذه الجماعة كبيرة وتأثيرها قوي داخل أمريكا وخارجها ايضا، وإمكانياتها ضخمة من حيث النفوذ والأموال والتكنولوجيا وغيرها. تتغلغل هذه الجماعة في أمريكا ضمن البنتاغون والمخابرات المركزية وداخل الحزبين الديموقراطي والجمهوري وحتى البيت الابيض. إن علاقتها ونفوذها قويان على الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي وشركات التكنولوجيا العملاقة. وإلا كيف تسربت مكالمة الرئيس مع حاكم ولاية جورجيا بتاريخ 4/1/2021 رغم كل الاحتياطات الأمنية والتكنولوجية لسرية محادثات رئيس الولايات المتحدة الامريكية. للحكومة العميقة عملاء مخلصون ومرتبطون بها.
    على الصعيد العالمي أيضا هناك شبكات من العملاء ومراكز النفوذ والقيادات من الصف الأول تتبع لها. وخلال ولاية ترامب تم في الخارج تفكيك جزء منها واضعافه. لهذا السبب هناك خوف من قبل القادة الذين تجاوبوا مع ترامب وأجروا تعديلات داخلية في دولهم. قد يكون مستقبل محمد بن سلمان غير مضمون – طبعا بذرائع وحجج مختلفة ضده – لأنه ازاح الكثيرين منهم (سجن الامراء) مما يسر إعادة العلاقات السريعة مع قطر ومع تركيا أيضا. الامر نفسه للرئيس اردوغان قد تحدث زعزعة لاستقرار نظامه وقد يقع انقلاب جديد علىيه.
    في الايام القادمة قد يزداد الضغط على ترامب لإجباره على التخلي عن فكرة الترشح ثانية عام 2024 ولو أن الفكرة أصبحت معدومة، لكن لا ضمان لذلك. وسيلاحق بدعاوى كثيرة ليكون عبرة لغيره .
    الحديث عن مسألة التزوير بدأ يزداد بين المواطنين في امريكا تدريجيا ولو بالحد الأدنى. وفي حال زادت النسبة واتضح المشهد أكثر لا احد يستطيع ان يتكهن كيف ستكون عواقب الأمور. اذن المسألة لم تنته بل بدأت. إن أحداث 6/1/2021 في مبنى الكونغرس (مجمع الكابيتول) ليست إلا البداية لوضع ناتج عن تزوير حقيقي في بعض الولايات الأمريكية وخارج عن المألوف والارث الحضاري الأمريكي. إن الناخبين الذين اعطوا اصواتهم لترامب وعددهم 75 مليونا لم يبق نصفهم معه بسبب ما قام به بعد الانتخابات او بدقة اكثر كيف تم تصويره ونقله عبر الاعلام ، ولهذا السبب خسر الجمهوريون الانتخابات على مقعدي مجلس الشيوخ في جورجيا. اداء ترامب في إدارة اللعبة كان سيئا، وقد استفاد خصومه من تصرفاته وسياسته. بينما كان نائبه بنس أفضل أداء وأكثر اتزانا.
    مستقبل امريكا:
    قبل البدء يجب ان نعرف الآتي:
  • ازداد الانقسام في أمريكا وأصبح أكثر عمقا. وعلى أي حال إن الحركات الشعبوية في العالم قد تزداد بسبب الوضع الاقتصادي وتداعيات جائحة كورونا.
  • الشعب الامريكي – ليس الجيش والشرطة – مسلح باكثر من مليار قطعة سلاح.
  • تمركز رأس المال في أيدي القلة من الأفراد والشركات.
  • تدخل منصات وسائل التواصل في حرية التعبير عن الرأي وإلغاء بعض الاشتراكات. هذا ما رأيناه عند إلغاء حساب الرئيس ترامب و70 ألف مشترك يؤيدونه من قبل twitter وfacebook وغيرها من المنصات. هذه العملية غير قانونية ويجب أن تشرع من قبل الدولة لا حسب معايير مصلحية خاصة لمنصات التواصل. انتقدت المستشارة الألمانية هذا التصرف وهذا التنمر البشع. كما انتقد وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير هذه الإجراءات واعتبر أن الشركات التكنولوجية العملاقة هي إحدى التهديدات للديموقراطية. واضاف إن الدولة يجب أن تكون مسؤولة عن اللوائح. لكن الحقيقة إن من يدعمونها أكبر من الدولة .
  • هناك تصريح مهم ولافت لنائب الرئيس، مايك بنس. فقد عبر عن امتعاضه من الألاعيب السياسية داخل الكونغرس، والتي تضر بالمصلحة الوطنية. قصد بنس انتهاز الحزب الديموقراطي الفرصة التاريخية للإساءة الى الحزب الجمهوري. وبالتالي المواجهة بين الحزبين قادمة على ما يبده.
    أمام الرئيس القادم بايدن مهمات وملفات كبيرة في مقدمها الوضع الداخلي الذي بدأت معركته مع نفسه (الانقسام المجتمعي). إضافة الى ملفات خارجية تكاد تكون مستحيلة الحل بعد تراجع أمريكا التي كانت تشكل في عهد بل كلنتون 37% من مجمل التجارة العالمية إلى أقل من الربع حاليا. ثم العلاقة مع الصين وايران وروسيا.
    ايام صعبة تنتظر بايدن وإدارته في قيادة هذا البلد العظيم، واعادة تموضعه من جديد بين دول العالم المشاكلات الداخلية قد تهز هذه الامبراطورية كما هزت سابقيها. سنوات ترامب الأربع عرفناها جيدا والآن سنرى سنوات بايدن ونحكم عليها لاحقا. خاصة ان خلال مسيرة بايدن بالعمل السياسي – 48 سنة – لا توجد انجازات ومواقف بارزة له. أخيرا، المسؤول بما فعل لا بما وعد.

المهندس
أيمن أبو صالح

تعليقات

    1. لا احد يدري ما الذي جرى ولن نعرف اسراره، لكن بما يهمنا فأنه من المُحزن ان نُحاول استغلال هذه الهزه التي حصلت في دوله كأمريكا للتقليل من شأن المأساة التي نعيشها في بلداننا العربيه القابعه تحت الظلم والاستبداد والقمع والتدمير المُمنهج منذ عشرات السنين، طبعا انا لا اريد ان اقول ان الكاتب اراد هذا بكتابته وتحليله، فهناك برأيي الكثير من الوقائع والحقائق التي قد تدعم هذا الرأي، انما للكثيرين الذين يستلذون بهذا النوع من الكتابات ليبرروا ولائاتهم لابشع انواع الظلم والقهر والاستبداد. وكأنهم بهذا يثبتون ان العداله شيئ غير قابل للتحقيق.

  1. يستطيع القارئ لهذا التحليل ان يرى بوضوح دقة بحث الحدث وعمق دراسته بغض النظر عن درجة اتفاقي مع وجهة النظر.
    وتعريجاً على تعليق السيد سعيد (بعد شكره على وجهة نظره) أود ان اعرض زاوية أخرى من زوايا الرؤيا وهنا أقول:
    إن أشخاصاً بهذه الدقة والشفافية والحيادية في تحليل الاحداث والوقائع كيف ينظرون لوقائع الأحداث في بلادنا
    هل هم الآن ممن يشاركون أو بُسألون الآن بتقديم المشورة
    والرأي، هل استطاعت حكوماتنا ان تجيد استثمار هذه الطاقات؟
    كيف لنا أن نقول اننانتغاضى أو نتناسى ما يحدث في بلادنا ونحن هلى هذه الدرجة من الكفاءة في التحليل والمنطقية.
    مع الشكر الجزيل.

التعليقات مغلقة.

+ -
.