البرتغال تتحرّر من وصاية «الترويكا»

أصبحت البرتغال أمس البلد الثاني في منطقة اليورو بعد إرلندا، الذي يخرج أمس عن الوصاية المالية لدائنيها ضمن خطة مساعدة مالية. وهي تستعد لعودتها إلى الأسواق في إطار انتعاش اقتصادي لم يشعر المواطنون بآثاره بعد.

وتتجنب الحكومة حالياً الحديث عن انتصار، إذ اعتبر الناطق باسمها لويس ماركيس غيديس أن «الوقت ليس مناسباً حالياً للاحتفال»، مؤكداً ضرورة «مواصلة التقشف لنتجنب السقوط مجدداً في أخطاء الماضي».

وينتظر البرتغاليون رحيل مفتشي «الترويكا» نهائياً، وهم يصفونهم «بالرجال الذين يرتدون اللباس الأسود». لكن هذه الخطوة لن تعني وقف التقشف.

وقال رئيس الوزراء البرتغالي بيدرو باسوس كويلو إن البرتغال «نجحت في تجاوز واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخها الحديث»، لكن نبّه إلى أن الوضع «لا يزال يتطلب عملاً كبيراً». ورأى أن «الانضباط في الموازنة سيكون مسؤولية دائمة». ومثل إرلندا، تخلت البرتغال عن طلب خط ائتمان احتياطي مستفيدة من الانخفاض المفاجئ لفوائد الإقراض لديها واحتياطها المالي الكبير. ولفت مساعد وزير الدولة في مكتب رئيس الوزراء كارلوس موداس، إلى أنه «قرار نهائي فكرت فيه الحكومة جيداً»، مشدداً على أنه «القرار الأمثل للبرتغاليين».

وبعدما دفعت أزمة الديون اليونان ثم إرلندا لطلب مساعدة «الترويكا» (الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي)، طاولت الأزمة في شكل مباشر قبل ثلاث سنوات البرتغال، التي باتت عاجزة عن تأمين التمويل من الأسواق بفوائد معقولة.

وبعد وصولها إلى شفا الإفلاس، تلقت البرتغال في أيار (مايو) 2011 قرضاً بقيمة 78 بليون يورو في مقابل تطبيق برنامج تقشف يعتبر سابقة، ترافق مع خفوضات في أجور الموظفين الرسميين والمعاشات التقاعدية ومع زيادة في الضرائب نسبتها 30 في المئة.

وفي اختتام اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء أمس، وعدت الحكومة في وثيقة بعنوان «الطريق إلى النمو»، المستثمرين بمواصلة برنامج الإصلاحات والتقشف، لكن كان للإعلان المفاجئ الخميس عن انتكاسة جديدة للناتج الداخلي بنسبة 0.7 في المئة في الربع الأول من السنة، وقع الصدمة، خصوصاً أن هذا التراجع طاول في شكل أساس الصادرات التي تشكل المحرك الرئيس للاقتصاد البرتغالي. لكن استبعد محللون أن يكون لهذا التراجع الناجم عن تباطؤ عابر للتصدير، أثر على الانتعاش التدريجي للاقتصاد. وأبقت الحكومة أمس على تقديراتها للنمو بـ 1.2 في المئة هذه السنة.

ورأى مدير مجموعة «ديف بروكر» بيدرو لينو، أن ذلك «لن يمنع البرتغال من العودة إلى الأسواق مرفوعة الرأس، طالما أنها مستمرة في الإصلاحات».

لكن عدداً من الاقتصاديين طالبوا بتمديد عمل «الترويكا»، لأن هذه الحلقة الضعيفة في منطقة اليورو ستكون من أولى الدول التي ستتأثر بأي تقلبات في الأسواق. وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة لشبونة الكاثوليكية جواو سيزار «من دون مساعدة سنواجه الأسواق بمفردنا وأي خطأ سيكلف كثيراً»، مؤكداً ضرورة «الاستمرار في العمل على خفض النفقات العامة».

وكان تدخل «الترويكا» فاعلاً في هذا المجال، إذ انخفض العجز العام إلى النصف بالغاً 4.9 في المئة خلال ثلاث سنوات. لكن الدَين استمر في الارتفاع من 94 إلى 129 في المئة من الناتج الداخلي، كما لا يزال النمو محدوداً». وأعلن نائب رئيس المفوضية الأوروبية سيم كالاس، ضرورة أن «تتواصل سياسات التقشف في الموازنة والإصلاحات والهادفة إلى تعزيز النمو خلال السنوات المقبلة».

وفي خريف 2012 ، تظاهر مئات الآلاف من البرتغاليين تعبيراً عن استيائهم مما وصفوه بظلم اجتماعي، ما أسقط الإجماع حول سياسة التقشف وأرسى قطيعة بين الشعب والحكومة. ثم تراجعت التعبئة تدريجاً وحل الإذعان مكان الاحتجاجات.

وفي ربيع 2013، خرجت البرتغال من الانكماش وعاد الأمل في تخطي الأزمة. وأكد رئيس الوزراء أخيراً «تشكيل احتياطات مالية تكفينا لسنة، لكنني أعلم أن برتغاليين كثراً لا يشعرون بعد بأي تحسن في حياتهم اليومية».

وعلى رغم ذلك كانت كل المؤشرات تعكس تحسناً اقتصادياً في الأشهر الأخيرة، من إقبال المستثمرين وتراجع نسب الفوائد على القروض إلى أدنى مستوياتها، وضبط العجز المالي، وعودة النمو بعد أسوأ انكماش منذ عام 1975، وتحقيق القطاع السياحي أداء قياسياً ما شكل بالنسبة إلى الحكومة حججاً تدعم خيار الخروج من خطة المساعدات من دون شبكة أمان.

يذكر أن نحو 20 في المئة من البرتغاليين يعيشون دون عتبة الفقر، إذ يتقاضون دخلاً يقل عن 409 يورو في الشهر. ولو أن البطالة تراجعت فهي لا تزال تطاول 15.1 في المئة من السكان في سن العمل، فيما تصل إلى 37.5 في المئة بين الشباب.

لكن التراجع في أرقام البطالة يبقى صورياً، لأنه ناتج إلى حد بعيد عن الهجرة التي بلغت مستوى شبيهاً بذلك المسجل في ستينات القرن الماضي. وقد غادر نحو 300 ألف برتغالي بين عامي 2011 و2013، ما يمثل 6 في المئة من مجموع السكان في سن العمل.

يبقى أن تدخل «الترويكا» سمح بوقف الانهيار المالي، ومنذ عام 2010 تراجع العجز في المالية العامة بمعدل النصف إلى 4.9 في المئة عام 2013، غير أن الدَين واصل الارتفاع من 94 في المئة إلى 129 في المئة من الناتج الداخلي.

+ -
.