شهدت المنطقة العربية في السنة الماضية وبداية السنة الحالية أكثر من ظاهرة مناخية بين عواصف ثلجية ضربت بلاد الشام مرتين في ظرف وجيز وسيول في السعودية وشمال العراق وجنوب المغرب وشرق الجزائر ووسط السودان وجنوب سيناء، جعلت الكثيرين يتساءلون عن مدى ارتباطها بظاهرة أشمل هي الاحترار العالمي أو ارتفاع متوسط درجة الحرارة على سطح الأرض، خاصة وأن من بين التداعيات الرئيسية لهذه الظاهرة هو زيادة الظواهر المناخية “المتطرفة” أو الحادة مثل الأعاصير والفيضانات والعواصف وموجات الجفاف لتصبح أكثر تواترا وحدة.
يقول الباحث التونسي في علم المناخ زهير الحلاوي إنه يجب التفريق بين مصطلحي الطقس باعتباره التغيرات المستمرة التي تحدث في الغلاف الجوي للأرض في مكان وزمان معينين والمناخ باعتباره يدرس التغيرات الجوية في فترات طويلة، وإثبات العلاقة بين ظواهر طبيعية حدثت في فترة قصيرة وبين التغيرات المناخية العالمية يحتاج إلى إجراء دراسات علمية في الموضوع.
الاحترار أصبح واقعا
لكن من جانب آخر أصبحت ظاهرة الاحترار العالمي محل إجماع شبه كلي لدى الأوساط العلمية. فسجلات قياس درجة الحرارة المتوفرة حاليا والتي يعود بعضها إلى أكثر من قرن ونصف تبين ذلك وهو ما يؤكده التقرير الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الصادر في أواخر السنة الماضية من أن أسخن عشر سنوات منذ 1850 موجودة في العقدين الأخيرين وكانت سنة 2014 هي الأسخن على الإطلاق.
كما أن مساهمة الإنسان في هذه الظاهرة بسبب النشاط الاقتصادي والنمو البشري أصبحت محسومة حسب نفس التقرير الذي اعتبر أن تأثير الإنسان على النظام المناخي واضح، وانبعاثات غازات الدفيئة البشرية المنشأ الحالية هي الأكبر في التاريخ.
يقول رئيس الجمعية التونسية للتغيرات المناخية والتنمية المستدامة السيد حلاوي إن للتغير المناخي جانبا طبيعيا كتغير الفصول وتحول المناخ من رطب إلى جاف على مدى ملايين السنين -كما حدث في الصحراء الكبرى- أو العكس، وجانبا آخر بشريا بدأ مع الثورة الصناعية من خلال إطلاق كميات كبيرة من الغازات الصناعية التي تزيد من ظاهرة الدفيئة.
البيت الزجاجي
وحول العلاقة بين زيادة تركيز الغازات المسببة للدفيئة بظاهرة الاحترار العالمي يقول السيد حلاوي إن الأشعة الشمسية التي ترسلها إلى الأرض ينعكس جزء قليل منها نحو الفضاء -وخاصة الأشعة فوق بنفسجية- عند بلوغها الغلاف الجوي بفعل طبقة الأوزون، وتقوم الأرض بامتصاص ما وصل إلى السطح لتحوله إلى إشعاع منبعث منها نحو الفضاء في شكل أشعة تحت حمراء، وهذه الأشعة تمنعها جزيئات الغازات المسببة للدفيئة كغاز ثاني أكسيد الكربون والميثان وبخار الماء وغيرها من الانفلات نحو الفضاء وتعكسها نحو سطح الأرض مرة أخرى. فإذا زاد تركيز هذه الغازات زادت نسبة الأشعة تحت الحمراء المنحبسة بين سطح الأرض والغلاف الجوي وارتفعت الحرارة كما يحدث داخل البيوت الزجاجية.
ويعود الفضل لظاهرة الدفيئة في الحفاظ على متوسط درجة الحرارة على سطح الأرض بما يقارب 15 درجة مئوية وهو ما ساعد بشكل كبير على نمو أشكال مختلفة للحياة على الكوكب وبدونها ستهوي درجة الحرارة إلى حوالي 18 درجة مئوية تحت الصفر.
ويعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون أهم الغازات المسببة لظاهرة الدفيئة أو البيت الزجاجي بمساهمته بحوالي 72% منها يليه الميثان (18%) وأوكسيدات النيتروجين (9%).
وقد بينت الدراسات العلمية المختلفة علاقة شبه مؤكدة بين تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو وزيادة متوسط درجة الحرارة على سطح الأرض. وقد ارتفع تركيز هذا الغاز من 320 في أواسط ستينيات القرن الماضي إلى حوالي 400 جزء من مليون جزء في يناير/كانون الثاني الماضي رغم الاتفاقيات الدولية التي سعت إلى تحديد نسبة انبعاثات هذا الغاز في مستوى ما كانت عليه سنة 1990.
سيناريوهات
تتفق جميع السيناريوهات المستقبلية لظاهرة الاحترار العالمي على أن درجة حرارة سطح الأرض سترتفع خلال القرن الحادي والعشرين. ومن المرجح إلى حد كبير أن تزيد وتيرة حدوث موجات حارة وأن تستمر مدة أطول، وأن تصبح ظواهر الهطول المتطرفة أكثر شدة وتواترا في كثير من المناطق. وسوف يستمر احترار المحيطات والحموضة فيها، ويستمر ارتفاع المتوسط العالمي لمستوى سطح البحر بحسب التقرير الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وتتراوح هذه السيناريوهات بين سيناريوهات متفائلة ترى أن التأثيرات ستكون محدودة ولن تتجاوز زيادة متوسط درجة الحرارة الدرجتين عما كانت عليه سنة 1990 وارتفاع سطح البحر لن يتجاوز ثمانية سنتيمترات، وأخرى متشائمة ترى أن الزيادة قد تصل إلى 5.8 درجات مئوية مع نهاية القرن الحالي وهو ما يعني ارتفاعا في مستوى البحر بـ88 سنتيمترا. وقد بنيت هذه السيناريوهات على فرضيات مختلفة مرتكزة أساسا على مدى المجهود الدولي للحد من انبعاثات الغازات الملوثة للغلاف الجوي والمسببة للاحترار.
التداعيات في المنطقة العربية
وحول التداعيات المستقبلية في المنطقة العربية والمناطق المجاورة يقول الخبير التونسي في علم المناخ إن البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط وبلاد الرافدين ستشهد في المستقبل أعلى الارتفاعات في متوسط درجة الحرارة حسب السيناريوهات المطروحة. بينما سيشهد هذا المؤشر ارتفاعا أقل حدة بالنسبة لمنطقة الخليج العربي.
أما بالنسبة للأمطار فستشهد منطقة البحر الأبيض المتوسط والصحراء الكبرى أكبر الانخفاضات، وانخفاضات أقل حدة في بقية البلدان العربية وهو ما يهدد بزيادة أزمة المياه في هذه المناطق. وستكون المناطق المنخفضة كدلتا النيل مهددة بالغرق في مياه البحر في صورة ارتفاع مستوى البحر وهو ما سيؤدي كذلك إلى تسرب مياه البحر في الموائد المائية وبالتالي زيادة درجة ملوحتها لدرجة تجعلها غير قابلة للاستهلاك الزراعي أو للشرب.
وسواء كانت الظواهر المناخية التي شهدتها بلدان عربية مختلفة هي جراء الاحترار العالمي أم لا فإنه يتعين على دول المنطقة الاستعداد لمجابهة تداعيات الظاهرة والبحث عن حلول للتكيف مع التغيرات المناخية وتداعياتها التي قد تصل إلى حد تغيير أماكن مدن بأكملها أو البحث عن مصادر بديلة للمياه، على حد قول الخبير التونسي.