رصدت أضراره الكبيرة لدى مصابين كانت فحوص العينات جيدة لديهم
أفادت مجموعة من الباحثين الطبيين من «مستشفى هنري فورد» في ديترويت، أن التلف الشديد في الكبد منتشر بصورة أكبر مما كان يتوقع لدى مرضى الالتهاب المزمن للكبد نتيجة عدوى فيروس «سي» Hepatitis C. وجاءت إفادتهم هذه ضمن نتائج دراسة واسعة شملت نحو ألف من مرضى الالتهاب الفيروسي من نوع «سي»، وقالوا: «التلف الشديد في عمل الكبد لدى مرضى الالتهاب الفيروسي من نوع (سي) ربما منتشر أربعة أضعاف بالمقارنة مما كان يعتقد سابقا».
* فحص عينة الكبد
وأضاف الباحثون أن «الاعتماد الكلي على فحص عينة الكبد Liver Biopsy، لتبين ما إذا كان ثمة تليف في الكبد Liver Cirrhosis، قد يؤدي إلى تدني معرفة الأطباء بواقع حال الكبد ومقدار التلف والضرر الذي أصابه جراء الالتهاب المزمن في أنسجة الكبد بفعل وجود فيروس (سي) في خلايا الكبد»، أي، بعبارة أخرى، أن الاكتفاء بنتائج فحص عينة الكبد لتقييم مدى حصول التلف في جميع أرجائه، قد يجعلنا لا ننتبه إلى حقيقة انتشار حالة تليف الكبد بين مجموعات مرضى التهاب الكبد الفيروسي من نوع «سي»، وذلك ربما لأن أخذ عينة صغيرة من منطقة في الكبد قد لا يعكس بالضرورة واقع حال أجزاء أخرى منه.
وقال الباحثون: «هذه النتائج تكتسب أهمية مع توفر علاجات بإمكانها إزالة الالتهاب الفيروسي من نوع (سي) بنسبة عالية»، ويرجع ذلك لأن هذا النوع من التهابات الكبد الفيروسي يسلك مسلكا هادئا وصامتا من ناحية عدم تسببه بأعراض واضحة على المريض، لكنه يظل بشكل متواصل ينخر ويتلف خلايا الكبد، وصولا إلى حالة تليف الكبد الشاملة، وفشل الكبد Liver Failure، وارتفاع احتمالات نشوء أورام سرطانية في الكبد Liver Cancer، وهي الأمور التي تتطلب، أولا، تقييما دقيقا لمدى تغلغل التهاب الكبد ومراحل التلف التي طالت أنسجة الكبد، وتتطلب، ثانيا، بدء المعالجة المبكرة بغض النظر عما قد تبدو حالة غير متقدمة أو غير متسببة بضرر واضح في الكبد، ثم متابعة نتائج المعالجة بشكل دوري للتأكد من حصول تحسن في عمل الكبد وزوال الالتهاب الفيروسي عنه.
وعلق الدكتور ستيوارت غوردن، الباحث الرئيسي في الدراسة ورئيس قسم أمراض الكبد في «مستشفى هنري فورد» بديترويت، قائلا: «نعتقد أن من المهم جدا أن نزود الوسط الطبي بهذه المعلومات التي تفيدهم حول فهم حقيقة مدى تقدم حصول التلف والضرر في حالات مرضى التهاب الكبد الفيروسي من نوع (سي)».
* التهاب فيروسي
ومعلوم أن التهاب الكبد الفيروسي من نوع «سي»، عدوى فيروسية تتسبب بها نوعية من الفيروسات التي تنتقل إلى جسم الشخص السليم عبر بوابة الدم بدرجة رئيسية، أي إن الفيروسات تصل إلى جسم الشخص السليم منتقلة من إفرازات الدم والأعضاء التناسلية الصادرة عن جسم الشخص المريض، وتدخل في الجسم السليم عبر وصولها إلى مجرى الدم من خلال الأوعية الدموية لجسمه. وتشير الإحصاءات الطبية العالمية لـ«منظمة الصحة العالمية WHO» إلى أن نحو نصف مليون إنسان يموتون سنويا بسبب هذا النوع من الفيروسات على مستوى العالم، كما تشير إحصاءات الولايات المتحدة الصادرة عن «مركز مكافحة الأمراض واتقائها CDC» أن نحو 2.7 مليون شخص مصابون بالالتهاب المزمن للكبد بفعل فيروس «سي»، الذي يؤدي إلى حالات تليف الكبد وفشل الكبد وسرطان الكبد.
ووفق ما تم نشره في عدد أغسطس (آب) الماضي من «المجلة الأميركية لعلوم الجهاز الهضمي» The American Journal of Gastroenterology، قام الباحثون في دراستهم بمراجعة حالات 10 آلاف شخص مصاب بالتهاب الكبد الفيروسي من نوع «سي» يتلقون الرعاية الطبية في الولايات المتحدة. وأفادت معلومات سجلاتهم الطبية أن لدى 29 في المائة منهم فقط ثمة أدلة تشير إلى حصول حالة تليف الكبد أو ضرر في أنسجة الكبد، ولم تشر تلك السجلات إلى معلومات تفيد بوجود أو عدم وجود حالة تليف الكبد لدى 62 في المائة. وأشار الباحثون إلى أن «عينة الكبد» تعد في الأوساط الطبية المعيار الذهبي لتشخيص وجود أو عدم وجود تليف الكبد، ولكنهم وجدوا في بحثهم على شريحة المرضى المشمولين في الدراسة أن حالة تليف الكبد موجودة بالفعل بنسبة أربعة أضعاف عما أفاد به الاكتفاء بالاعتماد على نتائج فحص تلك العينة لدى أولئك المرضى.
* تليف الكبد
وأضاف الدكتور غوردن قائلا: «هناك عدة رسائل من نتائج دراستنا، إحداها أن الاعتماد فقط على عينة الكبد لتشخيص تليف الكبد لا يكفي لمعرفة حقيقة انتشار الحالة هذه لدى المرضى، بل على الأطباء أن يكون لديهم حس توقع عال، ويجرون بالتالي مزيدا من التقييم للوصول إلى معرفة وجود أو عدم وجود تلك الدرجة المتقدمة من تسبب فيروس (سي) في الضرر على الكبد».
وعلق الدكتور آندريا كوكس، الأستاذ المشارك في طب الباطنية والأورام من «مركز جون هوبكنز للأمراض المعدية لالتهاب الكبد الفيروسي» في بالتيمور، مؤيدا بالقول: «منذ زمن طويل ونحن نلحظ أن ثمة حدودا لما يعد وسيلة ذهبية في تشخيص تليف الكبد، أي عينة الكبد، والاكتفاء بالنظر إلى عينة من منطقة واحدة في الكبد لا يعكس بالضرورة ما يجري في مناطق أخرى من عضو الكبد، كبير الحجم، وهذه الدراسة الجديدة تفيد في جدوى استخدام عدة طرق في عملية تقييم حالة الكبد لدى المريض».
وتأتي أهمية أخرى لنتائج الدراسة، غير ما الذي يجب أن يجرى فعليا للحصول على تقييم دقيق لحالة الكبد ومدى وجود التليف فيه لتطور متقدم لتغلغل المرض، فهناك جدوى أخرى وهي الاستفادة من الأدوية الجديدة التي بمقدورها إزالة الفيروسات والالتهابات التي تسببها في عضو الكبد وداخل خلاياه. وكان الاعتقاد الطبي السائد يشير إلى أن التهاب الكبد الفيروسي تتوفر له علاجات قادرة على معالجته وليست إزالته بالكلية عن الكبد، ولكن توفرت علاجات حديثة العام الماضي بعد أخذ موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية على استخدامها في علاج المرضى، تجعل من الضروري عدم الاكتفاء بمعالجة المرضى الذين يبدو أن المرض متقدم لديهم، بحجة ارتفاع التكلفة المادية لهذه الأدوية وضرورة الاقتصار في استخدامها على المرضى الأكثر احتياجا إليه بناء على نتائج عينة الكبد ومدى وجود حالة تليف الكبد.
* نهج علاجي جديد
والدراسة، وفق ما يقول الباحثون، تفيد بأن هذا النهج في انتقاء المرضى لتلقي تلك المعالجات الدوائية المكلفة قد لا يكون نهجا سليما، وسيحرم كثيرا من المرضى المحتاجين فعليا للمعالجة بتلك الأدوية الباهظة الثمن. ومعلوم أن تليف الكبد حالة إذا وصل المريض إليها، فإن الأمر التالي هو إما حصول فشل الكبد، أو نشوء الأورام السرطانية، ولذا، فإن المعالجة مهمة هنا لمنع حصولهما وتهديد سلامة حياة المريض.
وأفاد الباحثون أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية وافقت العام الماضي على دواء بمسمى تجاري مكون من عقارين هما: «ليديباسفير» ledipasvir وعقار «سوفوسبيفير» sofosbuvir يتم تناولهما عبر الفم، ويعملان على منع نمو فيروس «سي» والنجاح يكون بنسبة 90 في المائة من إزالة الفيروس هذا، خلال 3 أشهر متواصلة من البرنامج العلاجي، من الجسم لدى فئة مرضى التهاب الكبد الفيروسي «سي» من النوع الأول Hepatitis C Type 1 وهو النوع الأعلى شيوعا من بين فئات أنواع فيروس «سي» المتعددة.<br />ولكن، كما قال الباحثون، تبلغ تكلفة البرنامج العلاجي للدواء أكثر من 94 ألف دولار، أي إن قرص الدواء الواحد يفوق ثمنه 600 دولار، وبعض شركات التأمين الطبي تغطي فقط هذه التكلفة المادية في معالجة المرضى الأكثر تضررا ومرضا فقط دون بقية مرضى فيروس «سي».
ولذا علق الدكتور غوردن على هذا الجانب بالقول: «من الواضح أننا نريد أن نمنع المرضى من الوصول إلى مرحلة تليف الكبد المتقدمة، وهي المرحلة التي بالتأكيد تسبق نشوء الأورام السرطانية والتي تتطلب آنذاك (أي عند تشخيص التليف) إجراء فحوصات دورية طوال حياة المريض من أجل الاكتشاف المبكر لأي أورام سرطانية تظهر في الكبد من بدايات ذلك، ولذا نفهم لما هو ضروري معالجة التهاب الكبد الفيروسي من نوع (سي)».
* أنواع متعددة من فيروسات التهاب الكبد
ثمة مجموعة من الفيروسات التي تتسبب في ظهور حالات التهابات في الكبد، وأشهرها خمسة أنواع، قد يصيب أحدها أو مجموعة منها إنسانا ما، وتتبع تسميتها الحروف الأبجدية باللغة الإنجليزية، «إيه»، «بي»، «سي»، «دي»، «إي» وهناك نوعان آخران أقل شيوعا هما «جي» و«إف».
– ينتقل فيروس «إيه» عبر الأطعمة والمشروبات الملوثة بفيروسات خارجة من براز مريض، ومن النادر حصول العدوى عبر الدم الملوث أو ممارسة الجنس. ولا يتسبب هذا النوع بالتهابات مزمنة في الكبد، بل الغالب أن الفيروس إما يصيب الكبد بشكل خفيف جدا أو شديد جدا، ثم يكون الجسم أجساما مضادة تقضي على الفيروس في الغالب خلال أسابيع معدودة.
– وتنتشر الإصابات بفيروس «بي» عبر الدم الملوث بالفيروس أو الاتصال الجنسي، أو من الأم الحامل إلى وليدها أثناء عملية الولادة نفسها، ويوجد لقاح لمنع الإصابة به فعال بدرجة عالية.
– تنتشر الإصابات بفيروس «سي» عبر الدم الملوث، وبدرجة أقل بكثير عبر الاتصال الجنسي أو من الأم لوليدها أثناء عملية الولادة بالمقارنة مع فيروس «بي». ولا يوجد لقاح خاص بهذا النوع من الفيروسات، ولكن تتوفر عدة وسائل دوائية لمعالجة الإصابة به وأثبتت فاعليتها في تحقيق ذلك.
– أما فيروس «دي» فينتشر عبر الدم الملوث إلى الأشخاص المصابين بفيروس «بي» فقط، أي إن المعافين من فيروس «بي» لا تصيبهم عدوى هذا الفيروس.
– فيروس «إي» ينتقل بطريقة مشابهة لفيروس «إيه» ولا يوجد له لقاح، وتتمثل الوقاية منه في المحافظة على النظافة الشخصية وعناصرها، ولا يتسبب بحالات مزمنة من التهابات الكبد.