التهاب المفاصل: عندما تصطك العظام وتنحني الهامة

عندما تلتقي عظمتان في الجسم يطلق على مكان التلاقي اسم المفصل. ويعتبر الجهاز المفصلي صلة الوصل بين أجزاء الجهاز العظمي في الجسم. وتنشأ المفاصل في الحياة الجنينية من نسيج الميزوديرم.

إن المفاصل كغيرها من بقية أعضاء الجسم قد تكون مصدراً لعدد من الشكاوى التي قد تجعل أصحابها أحياناً يعانون الأمرّين. وفي ما يأتي عرض لأهم هذه الشكاوى:

> المفصل المؤلم عند الحركة، وهنا يجب الشك بقوة بمرض الأرتروز (التهاب المفصل الاستحالي) الذي يعتبر من أكثر الأمراض المفصلية التي تقض مضاجع المتقدمين في السن، خصوصاً الرجال، فالتقدم في العمر يترك آثاره على الغضروف، تماماً كما التجاعيد على بشرة الوجه، إذ يضعف ويتفسخ، الأمر الذي يسبب صعوبات وآلاماً مزعجة عند الحركة.

وعلى أرض الواقع، أياً كان المفصل فإن آلية تطور الإصابة في الغضروف هي ذاتها، ففي البداية يصبح لونه أصفر، ثم يصبح رقيقاً قاسياً عرضة للتشقق بسهولة. وعندما تتم تعرية نهاية العظم من الغضروف تمتد شروش المرض إلى العظم، وعندما تصطك المناطق الواهنة ببعضها بعضاً تتطاير بعض شظايا العظم والغضروف في زلال المفصل الأمر الذي يتسبب في تخرشه والتهابه، ومع مرور الوقت تتضعضع أركان المفصل فيختل ويتفكك عن محوره ويلتوي بعض الشيء. وعندما يبلغ الخلل مرحلة متطورة تنشأ على نهايات العظم براعم أو نتوءات تسمى المناقير تكون عادة غير مؤلمة. إن المسار الذي ذكرناه يمكن أن يكون أحياناً صاعقاً وسريعاً بعكس ما كان يشاع سابقاً بأنه يجري ببطء فقط.

كان العلماء يظنون أن تآكل الغضروف في الأرتروز هو عملية بطيئة ومستمرة ناتجة من الإفراط الميكانيكي في استعمال المفصل، لكن المعطيات العلمية الحديثة كشفت عن وجود عامل بيوكيماوي متلازم مع وجود عامل التهابي قوي، أديا إلى خلل في التوازن بين بناء الغضروف وعملية هدمه بحيث تؤدي في نهاية المطاف إلى ترجيح كفة التخريب وبالتالي حدوث التآكل في الغضروف.

لكن هناك عوامل أخرى متهمة في قضية الأرتروز، مثل العوامل الوراثية، والعوامل الهرمونية، واضطرابات الدورة الدموية، وسوء التركيب الخلقي، والصدمات الرّضّيّة المتكررة.

ماذا عن الوقاية والعلاج؟ إن أفضل وسيلة في مواجهة الأرتروز هو منعه من الظهور، أي التدخل قبل ظهور العوارض الأولى، وذلك باستعمال تقنيات التصوير الحديثة التي تمكن من إعطاء قياسات ثلاثية الأبعاد للمفاصل تسمح برصد أصغر تلف في الغضروف حتى قبل ظهور الألم، وبالتالي اتخاذ الخطوات الوقائية الجوهرية من أجل منع الإصابة كلياً أو على الأقل تأخيرها. وتشمل الخطوات الوقائية حماية المفصل من التعرض للصدمات والضغوط المتكررة، وتفادي زيادة الوزن، ومزاولة رياضة المشي بانتظام.

أما في خصوص العلاج، فهناك ترسانة من الأدوية المفيدة، مثل مضادات الالتهاب ذات الفعالية البطيئة، ومضادات البروستاغلاندين، والحقن التي تشحم المفصل، وحقن الخلايا الغضروفية، واستبدال المفصل، واستعمال السكريات، مثل البولي ساكاريد والبولي سلفات، وهذه الأخيرة ما زال يجري استخدامها في المستشفيات من أجل تقويم فعاليتها السريرية.

> المفصل المؤلم عند الاستيقاظ والراحة، وهنا يجب الشك بقوة بالتهاب المفصل الروماتيزمي، وفيه يحصل التهاب الغشاء الزلالي المحيط بالمفصل، إذ يثخن الغشاء شيئاً فشيئاً، ومن ثم يمتد الالتهاب ليطاول مكونات المفصل الأخرى، كالغضرووف والعظام والأربطة، فتتعرض هذه لاحقاً إلى التآكل الذي ينتهي بالتشوهات.

وهناك جملة من الأسباب التي تقف خلف التهاب المفصل الروماتيزمي، مثل الفيروسات، والجراثيم، والاضطرابات الاستقلابية (النقرس)، والاضطرابات المناعية الذاتية.

ويكون المفصل المصاب بالالتهاب الروماتيزمي ساخناً، متورماً، محمراً ومؤلماً. ويمكن أي مفصل أن يصاب بهذا النوع من الالتهاب لكنه يطاول أكثر ما يطاول المفاصل الصغيرة في اليدين والقدمين. وفي غالبية الحالات، ينتشر التهاب المفاصل الروماتيزمي لينال من أنسجة أخرى في الجسم مسبباً تلفاً فيها. وإذا ما ترك المرض يسير على هواه، فإن المفاصل المريضة قد تتيبس لتأخذ في النهاية وضعيات مشوهة. وقد يظل التهاب المفاصل الروماتيزمي ملازماً المريض طوال حياته، يختفي لفترات، ليظهر في فترات أخرى. ويمكن المرض أن يعلن عن نفسه في أي مرحلة من العمر، إلا أنه يميل إلى ضرب من هم بين 20 و45 سنة أكثر من سواهم.

ماذا عن الوقاية والعلاج؟ إن التشخيص المبكر لمرض التهاب المفاصل الروماتيزمي ومن ثم المباشرة فوراً في العلاج هما من أهم الخطوات الواجبة لتطويق الإصابة ومنعها من التطور، لأن معظم الأضرار تحصل خلال العامين الأولين من بداية المرض، خصوصاً إذا كان الأخير ناتجاً من اضطرابات في المناعة الذاتية. وهناك الكثير من العقاقير المتوافرة التي تستطيع إيقاف تقدم مرض التهاب المفاصل الروماتيزمي والسماح للمصاب بممارسة حياته الطبيعية.

> المفاصل التي تعطي آلاماً حارقة، وهذه تشير عادة إلى داء التهاب الفقرات اللاصق الذي يظهر عادة عند أولئك البالغين من العمر 15 إلى 40 سنة، ويصيب الرجال ثلاث مرات أكثر من النساء.

ويؤثـــر المرض أكثر ما يؤثر في المفاصل الفقرية في الظهر، خصوصاً تلك التي تقع أسفل العمود الفقري، غير أن شرارته يمكن أن تطاول أيضاً مفاصل أخرى في الجسم.

ويكون الألم في مرض التهاب الفقرات اللاصق من النوع الحارق، يشتد في ساعات الصباح الأولى، لكنه يتحسن أثناء النوم وعند القيام بالنشاط البدني. كما يعاني المريض من التصلّب في الظّهر، ومع مرور الزمن تنحني القامة نتيجة الالتهاب المستمر في المفاصل الفقرية والأوتار والأربطــة المحيطة بها. كما يمكن أن يشكو المريـــض فـــي المراحـــل المبكرة من المرض، من الحمى وفقدان الشهية والخمول العام. ويمكن أن يترافق المرض مع مشاكل خارج العظام والمفاصل، مثل التهاب قزحية العين، والتهاب الشريان الأبهري، والداء النشواتي، والتهابات في الأمعاء، إلى جانب بعض المضاعفات عصبية.

وفي خصوص مسببات المرض، هناك عوامل تدلي بدلوها في اندلاعه، أبرزها العامل الوراثي نظراً إلى وجود الداء في عائلات أكثر من سواها.

يتم تشخيص المرض بناء على المعطيات السريرية والشعاعية والمخبرية. وبعد ذلك يخوض الطبيب في تفاصل العلاج الذي يشـــمل ممـــارسة الرياضة، والقيام بتدريبات معينة، خصوصاً الحركات التنفسية والحركات اليومية مـــن الالتواء والانحناء والدوران، ووصف بعـــض الأدوية من أجل تضييق الخناق على الحوادث الالتهابية والسيطرة على الألم. وفـــي بعض الحالات قد يتطلب الأمر حقن الأدويــة الستيروئيدية. وهناك حالات تتطلب التدخل الجراحي نتيجة المعاناة من بعض الاختلاطات التي يتركها المرض وراءه.

> فرقعة المفاصل. من منّا لم تفرقع مفاصله عفوياً أو عن قصد، خصوصاً في أصابع اليدين. وهناك كثيرون يلجأون إلى فرقعة المفاصل قبل الشروع في عمل ما يتطلب الدقة. إن تعرض السائل داخل المفاصل للضغط والتمدد يؤدي إلى حدوث تجويف أو فراغ في السائل المذكور فتتكون فقاعات غازية تكبر وتنفجر بسرعة وتحدث صوتاً نسمعه أو نحس به. ومتى خرج الغاز من سائل المفاصل، فإنه لا يمكن تكرار الفرقعة إلا بعد مرور وقت وذلك للسماح للغاز الذي خرج أو تحرك للعودة والذوبان في هذا السائل.

في شكل عام، إن الفرقعة التي تحصل عفـــوياً ولا تتــرافق مع أي نوع من الألم، لا خـــطر منها ولا تدعو إلى القلــق. في المقابل إذا كانت الفرقعة تتــلازم مع حدوث الألم، فهذا قـــد يشير إلى وجود مشكلة جدية لا بـــد مـــن البحث عن خفاياها، وقد تكون هذه المشكلة الإصابة بمرض خشونة المفصل أو التهاب المفصل أو الإصابة بالخلع.

رب قائل قــــد يقول: هناك من يفرقع أصابع يديـــه عشرات المرات في اليوم، فهل من ضـــرر؟ نعم، إن الضرر سيحصل، إن لم يكن عاجـلاً فآجلاً. صحيح أن الفرقعة قد تجلب بعض الراحة النفسية وبعض المرونة إلى المفصل، لكن ممارسة هذه العادة لعشرات المرات في اليوم تترك مشاكل مفصلية.

ليفية وغضروفية وزلالية

المفاصل ثلاثة أنواع:

1- المفاصل الليفية، وهي مفاصل تلتحم ببعضها بعضاً بواسطة نسيج ليفي لا يسمح بأي نوع من الحركة، مثل عظام الجمجمة.

2- المفاصل الغضروفية التي تفصل بينها طبقة ليفية غضروفية بيضاء تسمح بحركة محدودة، مثل مفاصل ما بين الفقرات.

3- المفاصل الزلالية، وتمتاز بوجود غشاء زلالي يسمح بإجراء كل الحركات، مثل مفصل الركبة، والكوع، والورك وغيرها.

وتتنوع المفاصل في جسم الإنسان من حيث ضخامتها ودقتها، وبصفة عامة فإن أضخمها مفصلا الفخذ والكتف، في المقابل فإن أدقها يوجد بين عظيمات الأذن الثلاث.

 

+ -
.