الجسد منصة لتطوير تطبيقات رقميّة مبتكرة

بدأت قصة تلك الشركة المعلوماتيّة الناشئة التي يفترض انطلاقها خلال العام 2015، بجريمة قتل قديمة نسبيّاً.

ففي عام 2006، استدعي البروفسور مايكل بلاك، وهو أستاذ في جامعة «براون»، ليساعد الشرطة في تحقيق عن جريمة قتل، باستخدام ما يسمّى تقنيّاً «الرؤية الحاسوبيّة» Computer Vision. إذ طلبت منه شرطة ولاية فرجينيا أن يستخدم مهاراته في علوم الكومبيوتر، لفهم محتوى فيديو مراقبة مــشوّش يظهر مشتبهاً فيه داخل سيارة استعملها في الفرار من الشرطة.

واقتضت مهمة بلاك أن يعمل على اكتشاف بعض المؤشّرات التي تساعد في التعرّف على ما سجّله الفيديو، كطراز السيارة أو طول الرجل، أملاً في أن يتمكّن المحقّقون من القبض على القاتل.

وبلغ من انغماس بلاك بحل ألغاز تلك الجريمة أنه نقل التحقيق إلى الجامعة. ففي أول يوم دراسي أعقب انخراطه في التحقيق، طلب بلاك من طلابه أن ينحّوا جانباً المقرّر الجامعي عن مادة «الرؤية الحاسوبيّة»، ويشاركوه العمل على حلّ لغز جريمة القتل. ولاحقاً، تبيّن أنّ تلك الخطوة كانت مثمرة نسبيّاً.

في نهاية الأمر، نجح الطلاب فعليّاً في مساعدة رجال الشرطة، عبر وضع مؤشّرات تعريفيّة متنوّعة. ووصف إريك راشلين، أحد طلاب بلاك، تلك القصة أخيراً لمجلة «وايرد» العلميّة الأميركيّة. «كانت لحظة شيّقة ومهمّة، عندما حضرت الشرطة في اليوم الأخير من ذلك الفصل الدراسي. وتوجّب علينا أن نقدّر طول الضحية. لقد تمكّنا من تحديد طولها، وبالتالي كان من السهل تقدير طول المشتبه فيه».

وفي سياق بحوثهم، صادف الطلاب أيضاً تطبيقات تتخطّى مجال الطب الشرعي إلى حدّ بعيد.

وأثناء عملهم على تحديد طول القاتل، عملوا أولاً على تطوير وسيلة لتقدير الطول، استناداً إلى بعض القياسات المرتبطة بشكل الجسم البشري. وربما يبدو ذلك كأنّه أمر غير مهمّ، لكن بلاك أدرك أنه في حال تمكّن من تطوير نموذج حاسوبي يسمح له بتوقّع ما يكون عليه شكل جسم أحد الأشخاص، باستخدام عدد قليل من القياسات والمؤشّرات، فربما يكون ذلك مفيداً بالنسبة إلى عدد هائل من شركات صناعة القمصان والأحذية، وحمّالات الصدر، والمعدّات الرياضية، وأنواع المنتجات الشخصية الأخرى، ملاحِظاً أن ذلك النموذج سوف يتميّز بسهولة الاستخدام وانخفاض كلفة التشغيل.

وبعد مرور قرابة عقد على تلك الحادثة، أسّس بلاك مع 3 شركاء، شركة معلوماتيّة تعمل استناداً إلى ذلك النموذج الحاسوبي.

وحملت الشركة اسم «بادي لابز» Body Labs. واتّخذت لنفسها مقرّاً في نيويورك، وحصلت على تمويل بـ2.2 مليون دولار. وتصف نفسها بأنها تقدّم الطريقة الأسهل والأشد موثوقيّة لصنع تطبيقات رقميّة عن الجسد البشري. وتعمل استناداً إلى النموذج الحاسوبي الذي ابتكره بلاك أثناء عمله في ذلك التحقيق البوليسي. وتشير الشركة إلى أنها تقدّم منصّة رقميّة تساعد على تحويل قياسات بسيطة للجسد، إلى صور رقمية مجسّمة بالأبعاد الثلاثيّة، ما يجعلها أقرب ما يكون إلى الواقع، مع الإشارة إلى أنّ الشركات ستكون قادرة على استخدام تلك الصور لتصنيع منتجات مختلفة.

وهناك مجموعة كبيرة من الشركات الأميركيّة والعالميّة التي تعمل في صنع منتجات استهلاكيّة تكون مصوغة على النماذج الشخصيّة للأفراد، بمعنى أن يصاغ المنتج كي يتوافق مع قياسات كل فرد على حدة.

وفي الوقت الراهن، يمكن الحصول على سماعات أذن مصنوعة خصيصاً لتناسب طول قناة أذن من يشتريها، وشراء حمالة صدر تعتمد على بيانات فرديّة للمشترية. وفي المقابل، فحتى مع تطوّر حركة المنتجات المصاغة وفق طلب الزبون ومقاساته، تبقى تلك الصناعة بطيئة ومكلفة، مع الإشارة إلى أنّ معظم تلك المنتجات «المصنوعة على الطلب» هي في الواقع «شبه مصنوعة» على الطلب. ويقصد من ذلك أن الشركات تصنع عدداً كبيراً من المقاسات، فتغطي معظم حاجات الأفراد.

وفي المقابل، إذا استخدِمَ النموذج الثلاثي الأبعاد لـ «بودي لابز»، يصبح ممكناً صنع قالب رقمي لأي جسم بنقرة من الـ «ماوس». وبعدها، يمكن تفصيل بذلة له بسهولة. لنتخيل أن ذلك يحدث في مصنع لملابس الجنود، تكون النتيجة آلاف البذّات المفصّلة على مقاس كل جندي على حدة.

وتفيد النماذج الشخصّية للجسد صُنّاع الأفلام في هوليوود، إذ تمكنّهم من صنع مجسّمات رقميّة ثلاثيّة الأبعاد بطريقة تعطي مؤثّرات أكثر واقعيّة، مع اختصار كبير في الوقت والتكاليف.

كذلك تحمل النماذج الجسديّة الرقميّة ذات الأبعاد الثلاثيّة، صُنّاع ألعاب الفيديو. إذ تتيح صنع مجسّمات رقميّة كي تحل بديلاً للشخصيات «البديلة» التي تمثّل اللاعبين، ما يؤدّي إلى جعل الألعاب الإلكترونيّة تجربة أقرب إلى المحاكاة الواقعيّة للمشاركين فيها.

وفي سياق متّصل، من المستطاع استخدام نماذج «بودي لابز» في التطبيقات الرقميّة، خصوصاً القابلة للارتداء، المتعلّقة بالصحة واللياقة البدنية ومراقبة النظام الغذائي، إضافةً إلى رصد تغيّر الجسم مع مرور الوقت.

وبقول آخر، بفضل تلك النماذج يحوّل الموقع الشبكي لـ «بادي لابز»، الجسد منصةً تستند إليها شركات متنوّعة في صنع سيل من المنتجات المبتكرة والفردية الطابع.

+ -
.