أعلن “مرصد باريس” (أوبسيرفاتوار دو باري) الجمعة 19 يونيو/حزيران الجاري أن التوقيت العالمي الموحد سيشهد إضافة ثانية واحدة بحلول منتصف ليلة 30 يونيو/حزيران وفاتح يوليو/تموز 2015، وتُعتبر هذه الإضافة الزمنية التي تُتخذ كل أربع سنوات عملية ضرورية لضمان أقصى درجات التطابق بين التوقيت العالمي ودوران الكرة الأرضية، حسب بيان المرصد.
لكن، هل هذا يعني أن الدقات المألوفة لساعاتنا سيطرأ عليها تغيير طفيف في الساعة الصفر بنهاية شهر يونيو/حزيران؟ لا، لأن هذا القرار الذي تم اعتماده منذ عام 1972 من طرف المجتمع الدولي يتعلق فقط بالساعات التي يضبط على أساسها التوقيت الدولي المرجعي حتى لا يتسع الفارق بين الزمن الذي تسجله بدقة والتأخر غير المحسوس لدوران الكرة الأرضية والذي يجعلها تفقد زمنيا حوالي ثانية كل أربع سنوات.
الساعة الذرية
ويُرجع الخبراء هذا التأخر في دوران الأرض إلى عوامل عدة منها تأثير جاذبية الشمس والقمر على كوكب الأرض وقوة حركة الرياح المحيطة به، فضلا عن ما يعتمل من حركة في نواة الكرة الأرضية. كل هذه الظواهر تجعل، حسب المختصين، حتميا التباعد بين توقيت يُقاس بواسطة “ساعات ذرية”، وحركة الأرض التي تخضع لتقلبات طبيعية ضرورية.
فعلى ضوء المعطيات الفلكية التي يوفرها العلماء المكلفون بتتبع دوران الأرض، يتكفل خبراء “المكتب الدولي للأوزان والقياسات” الموجود مقره أيضا بباريس، بمهمة القيام بالحسابات الخاصة بـ”التوقيت العالمي المنسق”، ويوظفون في سبيل ذلك ساعات ذرية تعتبر الأكثر دقة على الإطلاق في التاريخ واخترعها العالم الأميركي وليام ليبي عام 1948، حيث لا يتجاوز هامش خطئها الثانية الواحدة في ثلاثين مليون سنة ويتوفر منها عبر العالم نحو 400 ساعة ذرية من ضمنها 25 بفرنسا وحدها.
غير أن هذا التطور التكنولوجي الكبير الذي يضمن أقصى ما يمكن من التطابق والتناغم بين التوقيت العالمي والتوقيت الفعلي لكوكب الأرض الذي يحدده توالي الليل والنهار، لا يقنع كثيرين بجدوى هذا التحول الذي يبدو بسيطا.
مصير ثانية
فكل الضمانات العلمية وكل المساطر المضبوطة التي تؤطر عمل الهيئات المشرفة على العملية برمتها لم تتغلب بعد على شعور التوجس والحيطة لدى كثير من الهيئات والمجموعات الاقتصادية والتكنولوجية والأمنية من أي تحريك لعقارب الساعة. فجميعهم مطمئنون أكثر لتواتر دقات الساعة دون تدخل من أي أحد بحكم حيوية العمليات التي يباشرونها على مدار اليوم والتي يشكل فيها الزمن عاملا حاسما.
وينتاب هذا الإحساس على الخصوص الشركات المسؤولة عن تدبير نظم الملاحة في الفضاء بتوظيف الأقمار الصناعية، والهيئات الملزمة بضمان انسيابية المعلومات والمعطيات التي تعبر شبكات الاتصالات، إضافة إلى الأسواق المالية التي يتخوف أصحابها من مفاجآت الزمن غير المحمودة، لأنهم أدرى بقيمته المالية، حتى لو تعلق الأمر بثانية لا أكثر.
لذلك من المنتظر، حسب بيان “مرصد باريس”، أن ينعقد في نوفمبر/تشرين الثاني القادم بجنيف اجتماع ترعاه المنظمة الدولية للاتصالات (يو أي تي) يخصص للمناقشة العلمية لقرار مواصلة اعتماد “الثانية الإضافية” أو التخلي عنها بصفة نهائية.
يشار إلى أن قرار زيادة ثانية يتخذ قبل ستة أشهر من حلول موعده وقد يصادف نهاية يونيو/حزيران أو ديسمبر/كانون الأول.
وفي انتظار حلول المؤتمر القادم الذي سيحسم مصير “الثانية الإضافية”، واستعدادا لليلة الثلاثين من هذا الشهر، فمن المتوقع أن يرخي الكثيرون السمع لتتبع دقات عقارب الساعة. وعوض الإيقاع المضبوط الذي ترقص كل الساعات ذات العقارب على وزنه، هل سيختل ميزان هذا الإيقاع بالضبط عند الساعة 11 و59 دقيقة و60 ثانية من نفس الليلة معلنا عن الثانية 61 بعد منتصف الليل؟