“قوة عربية مشتركة” – آخر مباردة عربية تُطلق لمواجهة التهديدات الأمنية المحيطة بدول المنطقة كما قيل رسميا، لكنها تحمل في طياتها تخوفا من تزايد النفوذ الإيراني. فهل تصمد هذه القوة أمام الخلافات العربية؟
أقر وزراء الخارجية العرب يوم الخميس، مشروع قرار ينص على تشكيل قوة عربية مشتركة تضطلع بالتدخل السريع لمواجهة التهديدات الأمنية التي تتعرض لها دول عربية وتشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي، بما في ذلك التهديدات الإرهابية.
ويأتي هذا الاتفاق بعد يوم من العملية العسكرية التي تشنها السعودية ضد الحوثيين في اليمن بدعم عربي، وفي وقت تعتبر فيه هذه الدول أن تنظيم الدولية الإسلامية -الذي استولى الصيف الماضي على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا- يشكل تهديدا كبيرا على أمنها. فما هي أبرز التحديات التي تواجهها هذه القوة؟ وهل ستصمد أمام الخلافات العربية؟ وهل يشكل الإرهاب بالفعل الدافع الأساسي لإنشاء هذه القوة أم أن تزايد النفوذ الإيراني هو الدافع الحقيقي؟
خطوة تاريخية أم قرار متأخر؟
وينص مشروع القانون، على تكليف الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، بالتنسيق مع رئاسة القمة (مصر) بدعوة أركان القوات المسلحة خلال شهر من صدور القرار لدراسة كافة الإجراءات التنفيذية وآليات العمل والموازنة المطلوبة لإنشاء القوة المشتركة وتشكيلها وعرض نتائج أعمالها في أقرب وقت في اجتماع خاص لمجلس الدفاع العربي المشترك.
ورغم أن الداعي الأول لهذه الفكرة هو الرئيس المصري السيسي، الذي يرغب في أن تكون هذه القوة المشتركة وسيلة لمكافحة الإرهاب، خاصة بعد الاضطرابات في سيناء وتمدد تنظيم “داعش” إلى ليبيا. إلا أن هناك دولا عربية أخرى قد تكون لها مصالح مختلفة، وهدفها لا ينسجم مع الهدف المصري. لذلك فإن أبرز تحد يواجه هذه القوة هو تضارب مصالح الدول العربية والخلافات بينها. ولعل أفضل مثال على ذلك تحفظ بعض الدول على المشاركة في الضربة السعودية-العربية للحوثيين في اليمن، وتعبير أطراف عربية عن رفضها لهذا الهجوم، وأولها العراق المرتبط بعلاقات قوية مع إيران. العراق عبر على لسان وزير خارجيته الجعفري عن تأييده لدعوة السيسي لتشكيل القوة المشتركة، لكنه رفض “التدخل العسكري في اليمن بناء على رفض التدخل في شؤون أي دولة”.
ابراهيم محمود النحاس، أستاذ ورئيس العلوم السياسية في جامعة الملك سعود بالرياض، يناقش في مقال على صحيفة الرياض توقيت هذه المبادرة ويقول: “بحسب الجامعة العربية هناك معاهدة الدفاع العربي المشترك التي أقرت في 1950 من دول عربية. والآن هناك رغبة لتفعيلها بصورة جديدة في “قوة عربية مشتركة”. لكن ما تم التفكير به في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين يتناسب مع تلك الحقبة ولا يتناسب مع مجريات الأحداث السياسية العربية في عام 2015″.
ويشرح الكاتب السعودي ذلك بالقول إن الإيديولوجية القومية العربية كانت في ذلك الوقت في ذروة اندفاعها، نتيجة لحداثة استقلال بعض الدول العربية، بالإضافة إلى أن التركيز كان على مواجهة إسرائيل. أما اليوم فقد تغيرت العلاقات الاستراتيجية لهذه الدول. ويعتقد النحاس أن هذه القوة المشتركة ستطرح سلبيات أكثر من الإيجابيات. وأبرز هذه السلبيات باعتقاده هي المنافسة بين الدول العربية حول قيادة هذه القوة، واحتمال أن تؤدي القوة إلى تكتلات عربية-عربية، وهو ما يعني المزيد من الانقسام حسب الكاتب.
خطر الإرهاب أم الخطر الإيراني؟
لكن الخبير الموريتاني وأستاذ العلوم السياسية في جامعة نواكشوط، ديدي ولد السالك، يستبعد ذلك معتبرا أنه من الواضح أن السعودية هي قائدة هذه القوة، وتأتي بعدها دول الإمارات والكويت وقطر. فيما سيكون لمصر والسودان والمغرب دور في تقديم القوات البرية والبحرية، أما باقي الدول العربية فهي داعمة لها فقط. وبخصوص أبرز التحديات التي تواجه هذه القوة يقول في تصريحات لـDWعربية: “أبرزها يكمن في أن القرار جاء بطيئا ومتأخرا. فإيران بدأت تتمدد بشكل كبير مستفيدة من غياب المواجه الاستراتيجي العراق، بعد احتلاله في عام 2003، ما خلّف فراغا استراتيجيا في المنطقة، كان على الدول العربية التحرك بسرعة لسده”. ويشير الخبير الموريتاني إلى أن الدول الخليجية أصبحت ترى في تزايد نفوذ إيران تهديدا حقيقيا ومباشرا لأمنها القومي، ويفسر ذلك قائلا: “اليوم نرى أن العراق وسوريا ولبنان تحولت إلى ولايات إيرانية. وإذا انضمت إليها اليمن وتمكنت إيران من السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي، فقد تجد الدول الخليجية والعربية نفسها في المستقبل القريب تحت سلطة إيران”:
ويعتبر ولد السالك أن إيران لم تعد تتصرف كدولة قوية في المنطقة فحسب، بل كإمبراطورية لديها تأثير في عدة دول، ويؤكد على أن هذا هو الدافع الأبرز لتشكيل هذه القوة، وليس التهديدات الإرهابية كما تروج الدول العربية. ويقول “الحوثيون كان لديهم نشاط ويتمددون منذ سنوات والإرهاب أيضا ليس بالأمر الجديد. إنما الجديد والخطر الأكبر هو تزايد النفوذ الإيراني بشكل كبير”.
هل تصمد القوة أمام الخلافات العربية؟
ويعتقد ولد السالك أن هذه القوة لن تصمد كثيرا، أولا بسبب الأوضاع المعقدة التي تعيشها دول عربية كثيرة بعضها منهار تماما كسوريا والعراق وليبيا واليمن، بينما هناك دول منشغلة بمشاكلها الداخلية كبعض دول المغرب الكبير. وثانيا بسبب تضارب المصالح العربية والخلافات الكبيرة بين بعض هذه الدول. ويقول: “كما قلت هي بالأساس مبادرة سعودية تهدف لحماية مصالح السعودية بالدرجة الأولى، بما أنها المعنية الأولى بالحرب الإقليمية ضد إيران”:
لكن -وبالرغم من تخوف الدول العربية من النفوذ الإيراني- إلا أن الخلافات بينها ستكون أكبر من أن تبقى متحدة بسبب خطر إيران حسب اعتقاد ولد السالك.
ويرى الخبير الموريتاني أن إحدى نقاط ضعف هذه القوة تكمن أيضا في أن قائدتها -السعودية- تفتقد إلى الخبرة العسكرية الكافية، “فالسعودية تفتقر إلى جيش متطور. والمقوم الوحيد لهذه القوة سيكون الإمكانيات المالية للسعودية”.
ويرى الخبير السعودي النحاس أن النقطة الإيجابية الوحيدة لهذه المبادرة تتمثل ربما في إرضاء الرأي العام العربي، الذي قد يثني على السياسة العربية ويرى في هذا الاتفاق نجاحا ولو مؤقتا.