الدول النامية والطبقات الوسطى محركات للاقتصاد العالمي لعقود مقبلة

يتوقف مصير الاقتصاد العالمي في السنوات الثلاثين المقبلة على معدلات النمو التي ستحققها الاقتصادات الناشئة، ومدى توسع الطبقات الوسطى ومكافحة الفقر في الدول النامية التي ستنمو عشر مرات أفضل من الاقتصادات المتقدمة. وعلى عكس الفترات التي سبقت الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008 وكانت الريادة في يد الدول المتقدمة، فإن المرحلة المقبلة ربما تجعل كفة النمو تميل لفائدة الدول الصاعدة.

واعتبرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)، أن الطبقات الوسطى «ستكون محرّك الاقتصاد العالمي للعقود المقبلة، إذ ستمثل نحو 60 في المئة من دول الجنوب المقدر عدد سكانها بنحو 84 في المئة من المجموع في العالم عام 2010.

وبفضل برامج محاربة الفقر وتحسن مستويات التعليم والتنمية الاقتصادية والبشرية، سيتجاوز عدد الأفراد من الطبقات الوسطى 3 بلايين بحلول عام 2050، غالبيتهم من دول آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب الصحراء. وستسجل هذه الدول ولو بدرجات متفاوتة معدلات نمو أعلى من مثيلتها في القارة العجوز وبقية الدول المتقدمة، التي ستواجه بدرجات مختلفة أيضاً، مشكلة شيخوخة المجتمع وندرة الموارد البشرية، في مقابل اتساع الأسواق الاستهلاكية وحركة التعلم والاندماج الاجتماعي لدى الشعوب النامية. ويختلف الخبراء حول تحديد مفهوم الطبقات الوسطى والمعايير الاقتصادية والإحصائية لذلك، لكنهم يتفقون على أن تلبية الحاجات الأساسية وتحسن مستويات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية، وتقدم وضع المرأة والتربية الإنجابية، ربما تكون من المحددات المرجعية.

وتستند الدراسات الديموغرافية إلى حركة التقدم البشري بانتقال نحو 500 مليون شخص في آسيا وأفريقيا من الفقر المدقع إلى الطبقات الوسطى في العقود الثلاثة الأخيرة، وهو عدد يوازي سكان دول الاتحاد الأوروبي. وفي كوريا الجنوبية مثلاً تضاعف الدخل الفردي ثلاث مرات في كل عقد، بعدما كان يقدر بـ 904 دولارات عام 1960 أي في مستوى دخل المغرب ومصر، وأقلّ من تونس والأردن وكان الدخل الفردي لديها بحدود 1100 دولار.

وكان النمو الاقتصادي في دول أميركا اللاتينية أسرع من ذلك المسجل في الدول العربية غير النفطية في السنوات الخمسين الأخيرة، على رغم أن معدلات الفقر كانت أعلى في دول مثل البرازيل التي خفضت الفقر لديها من 40 في المئة عام 2001 إلى 25 في المئة عام 2009، ما سمح لنحو 25 مليون شخص بالتحول إلى طبقات وسطى.

وأشارت الدراسة إلى أن نمو الطبقات الوسطى يساعد في زيادة الطلب الداخلي على السلع والخدمات بما يقوي نشاط الشركات والإنتاج المحلي. كما يساهم تحسن التعليم ووضع المرأة في تطور حركة المجتمع في اتجاه مزيد من الديموقراطية والحريات الفردية والجماعية.

وتعتقد منظمة التجارة والتعاون أن أوضاع الطبقات الوسطى ستظل هشّة في مناطق كثيرة عبر العالم، بسبب ضعف التغطية الاجتماعية إذ لا تتجاوز 20 في المئة في المتوسط. وتبدو هذه الوضعية مثيرة للقلق في أفريقيا جنوب الصحراء التي تحقق معدلات نمو تزيد على 6 في المئة سنوياً. لكن الوضع المعيشي لغالبية السكان لا يزال بعيداً عن إشباع الحاجات الاستهلاكية الجديدة مثل تملّك سيارة أو اقتناء شقة حديثة، حتى في الدول الأفريقية الغنية مثل جزر السيشل وموريشيوس وجنوب أفريقيا، ويمكن لـ 20 في المئة منهم فقط شراء سيارة جديدة.

المنطقة العربية

وعلى رغم توافرها على موقع جغرافي وسط العالم وتحكّمها في ثروات طبيعية مهمة، مثل الطاقة والفوسفات والمعادن وتملكها لاقتصادات متوسطة تحقق فيها نمواً بين 3 و 5 في المئة، سيكون حجم الطبقات الوسطى في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط رهناً بالتقدم الاقتصادي والاجتماعي. وتميل الدراسات إلى الاعتقاد بأن للمنطقة العربية فرص نمو أكبر من مثيلتها في بقية مناطق العالم، لكنها تواجه في المقابل تحديات كبيرة أهمها تنويع مصادر الدخل والتغلب على بطالة الشباب، وهي تعتبر من الثروات غير المستعملة بشكلها المطلوب، إذ يتجاوز معدلها 20 في المئة في المتوسط. تُضاف إلى ذلك تحديات داخلية وإقليمية يختلف فيها الوضع من بلد إلى آخر. لكن غياب التنسيق والاندماج يضعف موقف المنطقة التفاوضي مع المؤسسات الدولية.

ويرى البنك الدولي، أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من المناطق الأكثر تضرراً بالخلافات السياسية وعدم الاستقرار الأمني، إذ تراجع النمو الإقليمي من 5.2 في المئة عام 2012 إلى 2.8 في المئة العام الماضي، بسبب تداعيات «الربيع العربي» التي قلصت حصة المنطقة من السياحة والاستثمارات الأجنبية، وزادت معدلات الفقر والتهجير البشري والعجز المالي.

وارتفعت البطالة في مصر وتونس 17 و21 في المئة على التوالي في السنوات الأخيرة، وهي من أعلى المعدلات في العالم. فيما يُقدر معدل الفقر المدقع بنحو 14 في المئة من السكان، ما يجعل المنطقة ضعيفة في التنمية البشرية.

وتبدو المنطقة العربية غير جاذبة للاستثمار الأجنبي على رغم حاجتها إلى التكنولوجيا المتقدمة، بسبب أوضاع بعض الدول وتأثيرها في جيرانها (حال لبنان المتضرر من الحرب في سورية). وتحتاج شمال أفريقيا إلى تأمين 1.5 مليون وظيفة جديدة سنوياً على امتداد العقدين المقبلين، والاستثمار في التعليم والبحث العلمي وتنفيذ إصلاحات عميقة لتحقيق فائض قيمة وكفاءة العمل المطلوبة لاقتصادات العقد الثالث من الألفية الثالثة.

وتحتاج المنطقة أيضاً إلى زيادة حصة المرأة العربية في التنمية الاقتصادية، إذ تُقدر النسبة بـ 28 في المئة في الشرق الأوسط و26 في المئة في شمال أفريقيا وهي من النسب المتواضعة عبر العالم. ويسمح تحسن وضع المرأة العربية في تقليص معدلات الفقر وتطوير المجتمع المدني وبروز طبقات وسطى عريضة متعلمة، يمكن أن تشكل ثلثي عدد السكان بحلول عام 2030، وهو التاريخ المفترض لتتحول الريادة الاقتصادية من الغرب نحو الشرق ومن شمال القارة نحو جنوبها.

 

+ -
.