مع أن القيادات السياسية المعنية بتأليف الحكومة اللبنانية العتيدة، تفضل أن لا تأخذ على عاتقها تحديد موعد جديد لولادة الحكومة، بعد أن أصابها الضجر من تحديد موعد تلو الآخر، فإنها تترك الأمر لرئيسي الجمهورية ميشال سليمان والمكلف تشكيلها تمام سلام، ليضعا ابتداء من اليوم في لقاء حاسم حصيلة الاتصالات والمشاورات، خصوصاً مع تصاعد المخاوف من تأخر التشكيل، ما يقحم البلد في لعبة تقطيع الوقت الى حين دخوله في الموعد الدستوري المحدد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفاً للحالي الذي تنتهي ولايته في 25 أيار (مايو) المقبل. وعندها تستمر الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي في تصريف الأعمال، رغم أنها دخلت في الشهر الحادي عشر على استقالتها.
واكد سليمان، استباقاً للقائه المرتقب وسلام، «عدم وجود أي سبب يمنع تشكيل الحكومة» إزاء ما نشهده من حرص دولي على لبنان وظروف داخلية مهيأة لذلك عبر تنفيذ إعلان بعبدا والاستراتيجية الدفاعية ووثيقة بكركي الوطنية»، متسائلاً: «هل التمسك بوزير أو بشرط أو بحقيبة أهم من التمسك بلبنان».
ولفت في موقفه الذي أعلنه من أمام كنيسة مار مارون في وسط بيروت لمناسبة مشاركته في عيد شفيعها: «إلى أننا نسجل إعاقة سياسية لإدارة شؤوننا»، ودعا إلى ضرورة «احترام الاستحقاقات الدستورية والعودة الى لبنان للنظر في كيفية معالجة وضع بلدنا بعدما انتهت الوصاية عليه».
وعلمت «الحياة» أن لقاء سليمان وسلام سيتطرق بالتفصيل الى المشاورات التي أجراها الأخير، وأبرزها تلك التي شملت زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري وشارك فيها رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط، وأدت الى تقديم المزيد من التسهيلات لإسقاط الذرائع التي يمكن ان يلجأ اليها فريق «8 آذار» لتبرير عدم مشاركته، رغم انه اتخذ قراره بالانسحاب من الحكومة تضامناً مع رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون.
وكشفت مصادر مواكبة لهذه الاتصالات أن مشاورات سلام مع «المستقبل» شارك فيها جنبلاط وشملت الحريري ورئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة، وهي انطلقت من وجود مخاوف من ان الفريق المقاطع للحكومة سيتذرع لتبرير انسحابه بإسناد وزارة الداخلية الى المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي بذريعة ان الأخير يشكل تحدياً له، رغم ان الحريري يعتبره الرجل المناسب لتولي هذه الحقيبة.
وقالت إن الحريري طرح أكثر من اسم لتولي الداخلي من بينها النائب جمال الجراح الذي لقي تأييداً من سلام على أن يتشاور في اسمه مع رئيس الجمهورية في اللقاء المرتقب بينهما والذي يعتبر من وجهة «المستقبل» أنه سيكون حاسماً وأنه في حال انتهى من دون نتائج عملية من شأنها أن تسرع في ولادة الحكومة، فهذا يعني أن هناك صعوبة في إمكانية تأليفها.
ولفتت إلى أن الحريري أبدى استعداده لتقديم كل التسهيلات انطلاقاً من تقديره بأنه لا بد من اختبار الموقف النهائي للفريق الآخر، لا سيما أن من يشارك في المشاورات يستبعد أن يكون عون العائق الوحيد أمام تأليف الحكومة، ويعتقد أن فريق «8 آذار» يتخذ من موقف عون ذريعة لتبرير انقلابه على التفاهم الذي رعاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في خصوص المعايير الواجب اتباعها لتأليفها، وبالتالي لإخفاء السبب الحقيقي الكامن وراء تبدل موقف إيران من مؤيد لقيامها إلى مطالب بتأجيلها الى حين تسمح الظروف من زاوية الحسابات الإيرانية.
وأكدت أن موقف الحريري لقي استحساناً من جنبلاط الذي نقلت عنه مصادره قوله إن زعيم «المستقبل» قدم «أكثر مما هو مطلوب منه ولم يعد في وسعه أن يقدم المزيد، خصوصاً أنه استجاب لرغبة رئيس الجمهورية في إسناد حقيبة الدفاع للوزير الذي يسميه». وقالت إن جنبلاط لن ينسحب من الحكومة مهما كلف الأمر.
ومع ان المصادر لا تتوقع أن يطرأ تعديل على الموقف المشترك لقوى «8 آذار» وعون القائم على عدم المشاركة في الحكومة، فإنها لم تستبعد الطلب من الوزراء الأساسيين المحسوبين عليها القيام بتصريف الأعمال، لا سيما في الخارجية والمالية والأشغال العامة، علماً أن لا نية للاستعجال في إعداد مشروع البيان الوزاري، وبالتالي عدم التقيد بمهلة الشهر المخصصة لإنجازه وإقراره ما يعني أن المهلة ستنقضي من دون أن تمثل الحكومة أمام البرلمان وعندئذ تصبح مستقيلة وتقوم بتصريف الأعمال.
لكن ما يشغل البال حيال تأخير تشكيل حكومة فاعلة يتعلق في ان لبنان يظهر أمام المجتمع الدولي أقل حرصاً على نفسه منه، إضافة إلى أن تأخيرها سيؤثر سلباً في الوضعين الاقتصادي والمالي في ظل وجود مخاوف جدية من تراجع جديد للتصنيف المالي للبنان.