كثيرة هي السموم التي تتسلل إلى أجسامنا خفية من طريق المأكولات، من دون أن ندري بعبورها ولا بوجودها إلا بعد أن تعلن نصرها بتخريب بعض الأعضاء أو إصابتها بالضربة القاضية.
وتُعتبر السموم الفطرية من أخطر السموم على صحة الإنسان والحيوان، وأشهرها أربعة هي: الأفلاتوكسين، الفيومونسين، الزيرالونين، والفيوميتوكسين، إلا أن الأفلاتوكسين هو أشهرها وأخطرها على الإطلاق، فهو يوجد في عدد كبير من الأطعمة، ويكفي أن يتعرض الشخص لكمية ضئيلة منه، لا تتعدى أجزاء من المليون، كي تودي به. وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن التسمم بالأفلاتوكسين يمكن أن يسبب الوفاة، وإذا ما تعرّض له الأطفال لمدة طويلة فإن مضاعفات كبيرة قد تلحق بهم، أبرزها التقزم، نقص الوزن، وتضرر الجهاز المناعي.
وتدخل سموم الأفلاتوكسين إلى جسم الإنسان إما بطريقة مباشرة بواسطة الأغذية، وإما بطريقة غير مباشرة من خلال تناول منتجات مصدرها حيوانات سبق لها أن تغذت على أعلاف ملوّثة بالسموم الفطرية، وهي الأخطر خصوصاً على الأطفال.
ويتم إنتاج سموم الأفلاتوكسين من فطر اسمه أسبيرجلس فلافوس، ينمو ويترعرع على أغذية كثيرة أبرزها الفول السوداني، المكسرات (الفستق والجوز والكاجو واللوز)، الذرة، القمح، الأرز، الشعير، البذور الزيتية، البقوليات، الفواكه الملوثة، التمور، الصعتر، والقهوة.
والكبد هو المستهدف الأول لسموم الأفلاتوكسين، التي تؤثر في عمل خلاياه فتتسبّب بحدوث خلل على صعيد استقلاب الدهون والبروتينات، وتبدأ الدهون بالترسب شيئاً فشيئاً في خلايا الكبد، ما يؤدي الى تشحّمها ومن ثم إلى تلفها وتليّفها لتفضي في النهاية إلى إصابة الكبد بالسرطان، وتؤكد المعلومات التي نشرتها الوكالة الدولية لبحوث السرطان، في شكل لا يدع مجالاً للشك، إيجابية العلاقة بين هضم الأفلاتوكسين والإصابة بسرطان الكبد عند البشر، وقد تم تسجيل هذه العلاقة في كثير من البلدان مثل تايلندا، كينيا، موزامبيق، أوغندا، والهند. وإلى جانب هذا، أظهرت الدراسات وجود تلازم بين التعرّض للأفلاتوكسين والإصابة بسرطان الرئة، مع أن البحوث المختلفة التي أجريت حول ذلك لم تستطع تفسير كيفية وصوله إلى رئة الإنسان. هل حصل ذلك من طريق الدورة الدموية؟ أم من طريق الاستنشاق من الهواء؟ سؤال ما زال بلا إجابة.
كيف يتظهّر التسمّم بالأفلاتوكسين؟
في الواقع، لا توجد عوارض نوعية للتسمّم، وهي تشمل:
– انزعاج مستمر في المعدة.
– نفخة في البطن.
– فقدان الشهية على الأكل.
– معاناة من التقيؤات المتكررة.
– قرقرة في البطن.
– حمى وصفار الجلد والعينين.
– تورم البطن، وتضخم الطحال والكبد.
– نزف من الجهاز الهضمي.
– إصابة بالغيبوبة.
ماذا في شأن العلاج؟
لا يوجد علاج للتسمّم بالأفلاتوكسين، لكن هناك أطباء ينصحون بأخذ جرعات داعمة من الفيتامين ي والسلينيوم، كونها تفيد في التخفيف من حدة التسمم. أما في شأن الوقاية، فإن السبيل الأفضل هو منع تشكّل الفطريات التي تنتج سموم الأفلاتوكسين وحماية الأغذية من التلوّث بها.
لا يمكن تلافي تلوّث الغذاء بسموم الأفلاتوكسين حتى مع استخدام التقنيات العالية في التصنيع الغذائي، ولا تتوافر، من الناحية العملية، أي طريقة يمكن الاعتماد عليها لمنع وصول هذه السموم الى الأغذية التي نتناولها، لهذا سمحـت إدارة الدواء والغذاء الأميركية بوجودها بنسبة معينة لا يجب تجاوزها.
هل من سبيل لتقليل كمية السموم الواصلة من طريق الطعام؟
إن الالتزام بالنصائح الآتية يفيد على هذا الصعيد:
– شراء الأغذية المنتجة حديثاً وبكميات قليلة ومن مصادر موثوقة.
– تخزين الأغذية في أماكن جافة وباردة، بعيداً من الرطوبة الزائدة التي تشجّع على نمو الفطريات.
– إذا لاحظت نمو العفن على الغذاء، فعليك وضعه في كيس محكم الإغلاق ورميه في سلة المهملات.
– تنظيف الثلاجة في شكل دوري وفاعل.
– الحرص على أن تكون نسبة الرطوبة في المطبخ أقل من 40 في المئة.
– إذا كان الغذاء يحتوي على جزء مصاب بالفطريات، فعليك التخلّص منه بالكامل، ولا تحاول أبداً قطع الأجزاء السليمة من الغذاء عن الجزء المصاب بالفطريات لاستخدامها، بل يجب التخلّص من الغذاء دفعة واحدة.
– العناية بنظافة أماكن تحضير الطعام في المطبخ، والحرص على إبقائها جافة دوماً.
ختاماً هذه الملاحظات:
أولاً، لا يمكن رؤية سموم الأفلاتوكسين بالعين المجردة، كما لا يمكن القضاء عليها بالحرارة ولا بالمطهرات، من هنا خطرها الداهم على الصحة.
ثانياً، إن ربع الإمدادات الغذائية العالمية ملوّثة بسموم الأفلاتوكسين، ونصف سكان الكرة الأرضية معرّضون لخطرها.
ثالثاً، إن ضرر سموم الأفلاتوكسين يزداد في حال وجود سموم أخرى، أو في حال نقص الوارد من البروتينات.
رابعاً، ليس هناك رقابة فاعلة متوافرة في غالبية دول العالم لرصد سموم الأفلاتوكسين في الأغذية، خصوصاً المستوردة منها.
خامساً، إن مخازن الحبوب والأغذية والمخازن المبردة وحتى البقاليات الصغيرة، التي لا تتوافر فيها الشروط الصحية، تشكّل بيئة ملائمة لتكوين سموم الأفلاتوكسين.
سادساً، هناك بحوث تفيد بأن تناول الخضار الورقية الخضراء، مثل البروكولي واللفت والسلق، يمكن أن يعكس آثار التسمّم بالأفلاتوكسين.